فى الأسبوع الماضى، عندما كانت استطلاعات الرأى تتوقع بالفعل هزيمة الديمقراطيين فى انتخابات التجديد النصفى، كان المسئولون فى البيت الأبيض يهدئون من روعهم بفكرة بسيطة، وإن كانت أساسية. فمهما كانت فداحة النتائج بالنسبة للديمقراطيين فى الكونجرس، سيظل أمام أوباما عامان آخران قبل أن ينتهى عقده فى البيت الأبيض. وليس على فريق أوباما الآن إلا «أخذ نفس عميق والانطلاق قدما»، على حد تعبير مسئول فى الإدارة والاعتراف بأن الرئيس نقطة ثابتة فى مشهد سياسى على وشك التغيير الجذرى. ما هى الخيارات المطروحة أمام أوباما الآن؟ وما الذى يمكن أن يفعله لتفادى الهزيمة فى 2010 التى تعد مجرد استهلال لانتهاء فترة رئاسته فى 2012؟ باختصار، كيف يمكن لأوباما إنقاذ رئاسته؟ فى أسوأ الأحوال سيقابل أوباما طريقا مسدودا، فى ظل إحباط مجلس النواب لكل مبادرة يتقدم بها. حيث سيكون هنا رئيس متعثر، عاجز عن تحقيق أى شىء، يقف مكتوف اليدين أمام اقتصاد أمريكى يعانى المزيد من الركود؛ فهو يريد دفعه بتقديم حوافز إضافية لكن لا حيلة له. ذلك أن النواب الجمهوريين، الذين كانت الانتقادات التى رأت أن الحوافز الأولى مفرطة وغير فعالة أحد أسباب انتخابهم، سيتصدون لها. وستكون النتيجة اقتصادا متعثرا حتى 2012، عندما سيحمِّل الناخبون بالحق أو بالباطل الجالس على قمة السلطة المسئولية ويزيحون أوباما من منصبه. وستكون المسألة إعادة لحملة منتصف الركود التى أطاحت بجورج بوش الأب فى عام 1992. وبالنسبة للعامين القادمين، سيشهد الكونجرس جحيما من «التحقيقات»، حيث سيسئ رؤساء اللجان من الجمهوريين استخدام مناصبهم بعقد جلسات استماع زائفة ويصدرون مذكرات استدعاء الغرض منها إغراق أوباما فى دوامة كئيبة من المسائل «الأخلاقية». ستكون 24 شهرا من الشلل المضنى تنتهى بهزيمة انتخابية. أما السيناريو الأكثر تفاؤلا فيتمثل فى أن فوز الجمهوريين يقدم لأوباما ما يفتقد إليه حتى الآن، وهو ما يخفف الصدمات. ذلك أنه مع سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه، ليس ثمة من يوجه إليه اللوم على ما تعانيه البلاد من ويلات إلا الديمقراطيين (الذاكرة أضعف من أن تتذكر عهد بوش الذى انتهى منذ فترة طويلة فى عام 2008). مع مشاركة الجمهوريين الآن فى القيادة، يمكن توزيع اللوم. أضف إلى هذا أن الناخبين سيكفون عن حماسهم لمهاجمة أصحاب المناصب. وإذا كانوا لم يعاقبوا الديمقراطيين هذه المرة عقابا شاملا وسمحوا للحزب بدلا من هذا بالتشبث بالسلطة، فمن المؤكد أن تندلع موجة العقاب فى 2012 وهى موجة قد تغرق أوباما تماما. والناظر فى أفق هذه الرؤية للمستقبل يرى اقتصادا مشرقا، بحيث يمكن لأوباما أن يبحر نحو إعادة انتخابه تماما مثلما فعل ريجان فى 1984، بعد عامين من هزيمة حزبه فى انتخابات التجديد النصفى. جانب كبير من مصيره بيده هو أما بقيته ففى قبضة الجمهوريين الذى جرى تمكينهم حديثا. وإذا أراد تحقيق الرؤية الأخيرة فعليه الاستعانة بكتاب خطط بيل كلينتون بعد الفوز الساحق للجمهوريين فى 1994. وعليه استغلال العامين المقبلين لكشف معارضيه بوصفهم متطرفين خطرين، يهددون بتدمير كثير مما يعتز به الناخبون بينما هو درع مقدامة تتصدى لهم. وهذا هو السيناريو الذى يطلق عليه أحد الديمقراطيين «رئاسة اللكمة المضادة»، الذى يسمح للجمهوريين بالهجوم بالقدر الذى يدمرون به أنفسهم. وفى عام 1995، التزم الجمهوريون بالسيناريو بحذافيره، وكان حماسهم لمهاجمة الحكومة من الشدة بحيث ألغوا كامل البيروقراطية الفيدرالية فى النهاية، وحرموا الأمريكيين من الفوائد والخدمات الحيوية. وبعد ذلك بعام، كان الناخبون تواقين لإعادة انتخاب كلينتون للتصدى لجموح الجمهوريين. وخطة كهذه تتناسب تماما مع ما يراه البعض فى الإدارة العمل الطبيعى خلال العامين المقبلين، وتحديدا حماية إنجازات العامين الأولين. وإذا سارت الأمور فى طريقها المرسوم، فلن يركز أوباما على تمرير تشريعات جديدة بل على حماية إصلاحه البارز للرعاية الصحية وضمان تدفق أموال التعافى بدلا من السماح للجمهوريين بالرجوع عنها. لكن هناك أخطارا. فمن ناحية، على الجمهوريين تعلم الدرس والتصرف بطريقة معقولة هذه المرة. ومن ناحية ثانية، يتطلب الأمر براعة سياسية نادرة لتجاوز عامين من القطيعة والاتهامات المتبادلة. وكان كلينتون يتمتع بهذه الرشاقة، لكن أوباما من نسيج مختلف. هذا هو ما يضطره إلى النظر فى فصول أخرى من كتاب خطط كلينتون. فالرئيس الأسبق كان بحاجة إلى التزام الحذر كى يستمر، لذا دخل فى مساومات مع الجمهوريين، بالأساس عن طريق الاستعانة بنقاط أساسية من برنامجهم وتعديلها، ومن بينها الرعاية الاجتماعية وزيادة عدد قوات الشرطة. ويمكن أن يكرر أوباما الحيلة، فى مجال الاقتصاد بالأساس وربما فى مسائل التعليم، أو إصلاح نظام الهجرة، أو اتفاقيات الحد من التسلح أو التجارة. ثم يمكنه فى عام 2012 إعادة ترشيح نفسه كرئيس له إنجازات. ونهج كهذا من شأنه تحسين الوعد الذى صنع أوباما الحلم بسياسة تتجاوز الحزبية دون اعتبار لولايات حمراء أو زرقاء «وإنما للولايات المتحدةالأمريكية فحسب». وعندما كان الديمقراطيون هم المسئولون الوحيدون لم يلتفت أوباما إلى تلك الرسالة، بالرغم من أهميتها بالنسبة لدعوته فى عام 2008؛ ومن الغريب أنه لم يلتق بكثير من القيادات الجمهورية الأساسية فى الكونجرس خلال العامين الأولين من رئاسته. هذه إذن الاستراتيجية المرجحة للعامين المقبلين، «اللكمات المضادة والتحييد». بالطبع، لا يتوقف الأمر على أوباما. فهو لا يستطيع التحرك دون موافقة الجمهوريين على مشاركته، إلا إذا خشوا هم أنفسهم مواجهة الناخبين فى 2012 دون أن يكون لديهم ما يعرضونه عن الفترة التى أمضوها فى السلطة. يتوقف الكثير من الأمور الآن على طريقة معالجة الرئيس لوضعه الجديد. ويعبر أحد المستشارين المقربين عن دهشته من «الهدوء الشديد» الذى يواجه به رئيسه المحنة. فهو ليس بحاجة الآن إلى هدوء البوذيين فحسب، وإنما إلى البراعة الشديدة، وانتعاش اقتصادى، والكثير من الحظ.