قد تجد صعوبة فى تذكر اسم وزير التعليم العالى السابق، لكن أسماء بوزن الدكتور محمد أبوالغار والدكتور عبدالجليل مصطفى والدكتورة رضوى عاشور وآخرين كثر من علماء مصر وأساتذتها المحترمين تبقى فى الذاكرة الوطنية مضيئة ومؤثرة. وعليه فقد كان مثيرا للأسى والسخرية معا أن يخرج وزير التعليم العالى ورجاله من الصغار والكبار ليقولوا إن أساتذة جامعات مصر النبلاء من أعضاء حركة 9 مارس اعتدوا على بلطجية جامعة عين شمس باللفظ والفعل. والأكثر مدعاة للأسف ألا يجد السيد الوزير غضاضة فى أن ينحاز إلى معسكر البلطجية الذين ضبطوا متلبسين صورة وصوتا بالإمساك بالمطاوى والجنازير داخل الحرم الجامعى وهم يحيطون بأساتذة 9 مارس الذين ذهبوا إلى الجامعة لتوعية الطلبة بضرورة احترام أحكام القضاء وتنفيذ حكم الإدارية العليا بإبعاد الحرس الجامعى. لم أكن أعلم أنهم يعشقون «عسكرة» الجامعات إلى هذا الحد الذى جعلهم يضعون قواعد احترام الزمالة والحفاظ على مهابة الأستاذ الجامعى تحت أقدامهم، وكان غريبا استبسالهم فى الدفاع عن وجود الحرس على نحو يبدون معه وكأنهم يضعون العملية الدراسية فى مرتبة أقل من استمرار القبضة الأمنية على الجامعات. أما النكتة الحقيقية فقد أطلقها عميد حقوق عين شمس الشاب خالد حمدى فى مداخلة مع القديرة منى الشاذلى فى العاشرة مساء السبت عندما اتهم الفاضلة الأديبة وأستاذة الأدب الإنجليزى بجامعة عين شمس الدكتورة رضوى عاشور ومعها مجموعة من أساتذة القاهرة وعين شمس باقتحام جامعة عين شمس «بيتها قبل أن يولد العميد الشاب» بطريقة غير قانونية. ولعلك تلاحظ كيف تنسكب الألفاظ والمفردات من أستاذ جامعى بدرجة عميد حقوق وهو يستخدم فعل «يقتحم» للتعبير عن دخول أستاذة الأدب مبنى كلية الآداب أول ما يقابلك بعد عبور بوابة الجامعة الرئيسية وكأن الدكتور رضوى والأساتذة الأجلاء جاءوا فوق دبابة ممسكين بالرشاشات، ثم احتجزوا الطلاب كرهائن لتوعيتهم بالإكراه بأهمية احترام أحكام القضاء المصرى. إن الأصل فى الجامعة المصرية أنها بلا حرس، فمنذ بدأ التعليم الجامعى عام 1908 وحتى 1954 لم يكن هناك شىء اسمه سيطرة أمنية على الجامعة، ومن منتصف الخمسينيات حتى العام 1971 عادت الجامعات إلى قبضة الحرس، حتى تم إلغاؤه مرة أخرى عام 71 ليعود أكثر سيطرة وشراسة منذ 1981 وحتى الآن. وبحسبة بسيطة تكتشف أنه طوال فترة الاحتلال البريطانى لمصر كانت جامعاتها حرة، ومن أسف أنه فى ظل الاستقلال الوطنى، فقدت الجامعة استقلالها وعادت إلى القبضة الأمنية.