لما كان سحور رمضان يقع أواخر الليل حين تهدأ الجوارح وتقر الجنوب فقد اتخذت الوسائل قديما وحديثا لتنبيه الصائمين لوقت التسحر وبخاصة أن صحة الصوم تتوقف على معرفة نهايته بالتحديد الدقيق. وكان المسلمون فى عهد الرسول «صلى الله عليه وسلم» يعرفون جواز الأكل والشرب بأذان «بلال» ويعرفون المنع بأذان «ابن أم مكتوم» وقد جاء فى الحديث الشريف أن بلالا ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم». وعلى الدوام كانت مآذن المساجد المكان الأثير للتسحير، سواء عن طريق أذانين لمؤذنين يختلف صوتهما اختلافا بينا تأسيا بما كان يحدث فى عهد الرسول «صلى الله عليه وسلم» أو عن طريق النداء بصيغ خاصة تختلف من بلد إلى آخر. ففى مصر على سبيل المثال كان المؤذنون بالمسجد الجامع ينادون تسحروا وكلوا واشربوا ثم يقرءون قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» ويكررون ذلك عدة مرات. ثم يقرأون قوله تعالى: «إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا» إلى قوله تعالى «إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا» ثم يعقبون ذلك بإنشاد القصائد. وقد جرى العرف أن يقوم المؤذنون بالتسحر على أربع مرات أو تذكيرات فيقولون فى الدور الأول من التذكير: أيها النوام قوموا للفلاح واذكروا الله الذى أجرى الرياح إن جيش الليل قد ولى وراح وتدانى عسكر الصبح ولاح اشربوا عجلى قد جاء الصباح وفى التذكير الثانى يقولون كلوا رضى الله عنكم، كلوا غفر الله لكم، كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا، كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور. أما فى التذكير الرابع والأخير فيرددون: «اشربوا وعجلوا فقد قرب الصباح، الدعاء فى الأسحار مستجاب، اذكروا الله فى القعود وفى القيام، وارغبوا إلى الله تعالى بالدعاء والثناء». وفى المغرب كان بعض أهله ينفخون فى النفير على منارات المساجد سبع مرات. ثم ينفخون فى الأبواق بعدها سبعا أو خمسا، فإذا انقطعوا عن ذلك انقطع المتسحرون عن الأكل. ومع اتساع عمران المدن الإسلامية وتباعد أخطاطها وحاراتها عن المسجد الجامع فكر المسلمون فى التغلب على الصعوبات «الصوتية» بابتكار أسلوب جديد يعتمد على الضوء الذى يمكن أن يراه أهل أبعد الأحياء ليلا فى يسر وسهولة. وبرزت فكرة فانوس السحور «الذى يعلق بأعالى المآذن وهو مضاء منذ دخول وقت صلاة المغرب ويظل على ذلك الحال إلى قبيل آذان الفجر فإذا ما أنزل الفانوس عرف الجميع أن الصوم قد بدأ. ومن المرجح أن ابتكار فانوس السحور قد ظهر أولا فى مكة والمدينة المنورة ومنهما انتشر سريعا إلى كل الأقطار الإسلامية، وقد تحدث الرحالة المغربى ابن جبير بإسهاب عن هذا الفانوس وكيفية الصعود به إلى أعلى مآذن الحرم المكى خلال زيارته للأراضى المقدسة فى رمضان عام 578. وقد حدث بمصر فى أوائل القرن السابع الهجرى «13م» أن جلس بعض الأدباء بصحن جامع عمرو بن العاص فى إحدى ليالى رمضان وقد أوقد فانوس السحور فاقترح بعضهم على الأديب أبى الحجاج يوسف بن على المعروف بالنعجة أن يصنع فيه طلبا لتعجيزه فأنشد: ونجم من الفانوس يشرق ضوءه ولكنه دون الكواكب لا يسرى ولم أر نجما قط قبل طلوعه إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر فعارضه على بن ظاهر مؤكدا أن هذا تعجب لا يصح لأنه والحاضرين قد رأوا نجوما لا تدخل تحت الحصر إذا غابت تنهى الصائمين عن الفطر وهى نجوم الصباح فأسرف القوم فى تقريعه حتى شحذ قداح فكره وأنشد: هذا لواء سحور يستضاء به وعسكر الشهب فى الظلماء جرار والصائمون جميعا يهتدون به كأنه علم فى رأسه نار وخارجا عن التسحير من أعالى المآذن بالنداء الصوتى أو بأضواء فوانيس السحور كان البعض يمارس ذلك فى الطرقات على سبيل التطوع فى بداية الأمر. فيؤثر عن عنبسة بن إسحاق والى مصر فى سنة 238ه «852م» أنه كان يذهب إلى جامع عمرو ماشيا من مدينة العسكر وكان ينادى فى طريقه بالسحور. وكان أهل الاسكندرية تحت تأثير اتصالهم بالمغاربة وكذلك أهل اليمن يمارسون التسحين بدق الأبواب على أصحاب البيوت والمناداة عليهم «قوموا كلوا». وكان الشوام يفعلون ذلك بدق الطار وضرب الشبابة والغناء والرقص واللهو واللعب. ولا نعرف على وجه اليقين متى أصبح التسحير مهنة للبعض يقوم بها لقاء مقابل من أهل البر والإحسان ولكننا نجد «المسحر» أو المسحراتى فى العديد من الأقطار العربية والإسلامية.