يحتفي العالم في يوم 18 ديسمبر من كل عام باللغة العربية، إحدى أعرق لغات الحضارة الإنسانية، وبهذه المناسبة تعود إلى الواجهة سير أعلام خلدوا أسماءهم في تاريخها وكان لهم فضل كبير في حفظ قواعدها وصون بنيانها، ومن بين هؤلاء يبرز اسم إمام النحو المصري ابن هشام الأنصاري، الذي ارتبط اسمه بتجديد الدرس النحوي وتبسيطه، حتى وصفه المؤرخ وعالم الاجتماع ابن خلدون بأنه «أنحى من سيبويه»، في شهادة تعكس مكانته العلمية وإسهاماته البارزة في خدمة لغة القرآن. ويعد ابن هشام، من أبرز من تصدوا لشرح قواعد النحو واختصارها، وتقديمها بصورة مبسطة تيسر تعلمها ونشرها بين طلاب العلم، في وقت كانت فيه العربية تواجه تحديات كبرى في الفهم والتداول. وتستعرض جريدة «الشروق»، مسيرة إمام النحو المصري ابن هشام، وإسهاماته العلمية، وأهم مؤلفاته في علم النحو، نقلًا عن عدد من المراجع التراثية، أبرزها: الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين السيوطي، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري. - مسيرة علم من إيران إلى الأندلس ولد أبو محمد عبد الله بن جمال الدين بن أحمد بن عبد الله، الشهير بابن هشام الأنصاري، في القاهرة سنة 1309 ميلادية، وبدأ رحلته العلمية بتلقي علوم العربية في مصر، قبل أن ينطلق في رحلة علمية طويلة جاب خلالها أنحاء العالم الإسلامي، من تبريز في بلاد فارس إلى غرناطة في الأندلس؛ سعيًا لتحصيل علم النحو من منابعه المختلفة. وخلال هذه الرحلة، تتلمذ ابن هشام على يد عدد من كبار علماء النحو في عصره، من أبرزهم أبو حيان الأندلسي، وتاج الدين التبريزي، وتاج الدين الفاكهاني، وشهاب ابن مرحل؛ ما أسهم في تكوين شخصيته العلمية المتميزة. - فارس في ميدان النحو تميز ابن هشام بين علماء اللغة بقدرته اللافتة على شرح القواعد النحوية وتبسيطها، مع المحافظة على دقتها العلمية، كما عرف ببراعته في استخراج المسائل اللغوية النادرة، وتصحيح الأخطاء الشائعة في الاستعمال اللغوي. وأشار ابن حجر العسقلاني، إلى هذه السمات في وصفه لابن هشام، بينما تناول ابن خلدون ما أدخله ابن هشام من تطوير على المدرسة الموصلية التي ينتمي إليها العالم ابن جني، وما تفرد به من إضافات ونوادر أسلوبية أسهمت في إثراء هذا الاتجاه النحوي. وترك ابن هشام، عددا كبيرا من المؤلفات التي أصبحت مراجع أساسية في علم النحو، من بينها: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، والإعراب عن قواعد الإعراب، وشذور الذهب في كلام العرب، وقطر الندى وبل الصدى، إلى جانب كتاب الألغاز. - المتدين الخلوق ورغم مكانته العلمية الرفيعة، عُرف ابن هشام بتواضعه وحسن خلقه، بحسب ما ذكره ابن حجر العسقلاني، الذي أكد أنه كان صحيح العقيدة، غير متهم في دينه، والتزم بالمذهب الشافعي معظم حياته، قبل أن يتحول إلى المذهب الحنبلي في سنواته الأخيرة. - ختام مسيرة في خدمة لغة العرب واستمر ابن هشام، في عطائه العلمي حتى أيامه الأخيرة، محتفظًا بقوة ذاكرته وحدة ذهنه؛ إذ ذكر السيوطي أنه استطاع حفظ كتاب مختصر الخرقي، وهو من الكتب الفقهية الصعبة، في أقل من 4 أشهر. وتوفي ابن هشام عام 1360 ميلادية، بعد أن ترك أثرًا علميًا بالغًا في الدرس النحوي العربي، ورثاه الشاعر ابن نباتة بقصيدة قال فيها: «سقى ابنَ هشامٍ في الثرى نوءُ رحمةٍ.. يجرّ خلفه ذيلَ غمام سأروي له من سيرة المدح مسندًا.. فما زلتُ أروي سيرةَ ابنِ هشام».