طالب بجامعة الجلالة يشارك في مؤتمر دولي للأمم المتحدة حول الأمن السيبراني    السيسي يفتتح المرحلة الأولى لمدينة مستقبل مصر الصناعية    "البريد" يعلن بدء التقديم في "سكن لكل المصريين 7" اليوم    وزير الإسكان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف ضمن "حياة كريمة" بالغربية ودمياط    تعميق الشراكة، تفاصيل لقاء وزير الخارجية مع نظيره الفرنسي    وزير بريطاني: لم يعد بوسعنا تحمل الهجوم الإسرائيلي على غزة    الأهلي يعود للتدريبات الجماعية استعدادا لمواجهة حسم الدوري    ضربة قوية.. بيراميدز يعلن غياب نجم الفريق عن رحلة جنوب أفريقيا لمواجهة صنداونز    القطعة محتاجة تفكير، آراء طلاب الصف الأول الثانوي بامتحان اللغة الإنجليزية بالبحيرة (فيديو)    النص الكامل لأقوال نوال الدجوي في سرقة مسكنها بأكتوبر    وزير الثقافة يصطحب ولي عهد الفجيرة في جولة بدار الكتب (صور)    أيهما أولى أن يكون إمامًا في الصلاة: الأكثر حفظًا أم الأكثر فقهًا؟.. عالم أزهري يوضح    "القاهرة الفاطمية" ينجح في زراعة قرنية أعادت الإبصار لمريض يرى حركة اليد فقط    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر جنائية في تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة بالدقهلية وقنا    ال"FDA" تقصر لقاحات الكورونا على كبار السن فى الولايات المتحدة    عصمت داوستاشى رحلة فى نهر الفن والعطاء    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    «التضامن» تقر تعديل وقيد 6 جمعيات فى 4 محافظات    اختتام الأنشطة الطلابية ب ألسن قناة السويس (صور)    أحمد السقا يعلن انفصاله عن زوجته مها الصغير بعد 26 سنة زواج    البيدوفيليا؟!    طريقة عمل الكيكة الإسفنجية في البيت، النتيجة مبهرة    مشاركة مجتمعية    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025 فى البنوك الرئيسية    صحيفة عكاظ: نيوم قدم عرضا بقيمة 5 ملايين دولار لضم إمام عاشور    أمريكا وتركيا تؤكدان التزامهما بوحدة سوريا وتعزيز الشراكة الثنائية    الصحة الفلسطينية: استشهاد 23 مواطنا بقصف إسرائيلى فى غزة    مصرع 3 أطفال غرقًا فى حادثين منفصلين بترع مركز المراغة سوهاج    ضبط 11 مخالفة تموينية وصحية في حملة مفاجئة بطنطا    "جيو تيان" تبدأ تجاربها 2025.. الصين تطلق أول حاملة طائرات مسيرة فى العالم    مصرع وإصابة 39 شخصا في هجوم استهدف حافلة مدرسية جنوب غربي باكستان    اليوم موسم الحصاد.. تعرف على مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي والمدينة الصناعية    بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يختار تصميما لدرع القبة الذهبية    بكين تحذر من عواقب الإجراءات الأمريكية ضد الرقائق الصينية    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    اليوم.. أولى جلسات طعن المخرج عمر زهران على حكم حبسه    حظك اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الآن    هبوط كبير تجاوز 800 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 21-5-2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    أسطورة ليفربول: مرموش يمكنه أن يصبح محمد صلاح جديد    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    عاجل.. روجيرو ميكالي: أرحب بتدريب الزمالك ولكن    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أَطْوَارُ عِلْمِ اَلنَّحْوِ
نشر في شموس يوم 19 - 06 - 2017


:
من كتابي (النحو منطق العربية)
عِلْمُ النَّحْوِ عِلْمٌ ضَخْمٌ كَبيرٌ، سَاهَمَ في تكوينِهِ عُلَمَاءُ كَثيرُونَ بِجُهُوْدٍ جَبَّارَةٍ مُخْلِصَةٍ، والنَّحْو كغيرِهِ مِنْ العُلُومِ الاجتماعيَّةِ، بَدَأَ عَلَى يَدِ أبي الأَسْودِ، ثُمَّ تَطَوَّرَ شَيئًا فَشَيْئًا حتَّى نَضُجَ وَاكْتَمَلَ وَقَوِيَتْ قَوَاعِدُهُ واسْتَقَرَّتْ، فَبَعْدَ أبي الأسودِ جَاءَتْ جُهُودُ تَلَامِيْذِهِ مُتَسَارِعَةً مُتفانِيَةً لاسْتكمَالِ مَا بَدَأَهُ، وَلِذَا مرَّ عِلْمُ النَّحْوِ العربيِّ في نَشْأَتِهِ بِعِدَّةِ أَطْوَارٍ ومَراحِلَ، أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:
الطَّوْرُ الأَوَّلُ:(اَلْوَضْعُ وَالتَّكْوِيْنُ):
وَهُوَ طَوْرٌ بَصْرِيٌّ, يبدأُ بأبي الأسود الدُّؤَلِي (ت69ه), وينتهي بأول عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت170ه)(1), وفي هذا الطَّوْرِ نَشَأَ النَّحْوِ تَحْتَ رِعَايَةِ النُّحَاةِ وبِخَاصَّةٍ البَصْرِيْيِّنَ وذلك نتيجةٌ لجُهُوْدٍ جَبَّارَةٍ بَذَلَهَا هؤلاءِ العُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللهُ جَمِيْعًا ومن أعلام هذا الطور عبدُ الله بن أبي إسحاق (ت117ه)، وعيسي بن عمر (ت149ه)، وأبو عمرو بن العلاء (ت154ه)، ومعظمُ رُوَّادِ هذا الطَّوْرِ بصريون.
الطَّوْرُ الثَّانِي:(النُّشُوْءُ وَالنُّمُوُّ):
وَهُوَ طَوْرٌ بصري كُوْفِيٌّ, فإنْ كان لأبي الأسود الدؤلي والبصريين فَضْلُ وَضْعِ عِلْمِ النحو, فَإِنَّ ذلك لا يَمْنَعُ مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ مِنْ العُلَمَاءِ فِي تَكْوِيْنِ قَوَاعِدَ هَذَا العِلْمِ, ودِرَاسَةِ مَسَائِلِهِ وقضاياه؛ لأنَّ علْمَ النَّحْوِ العربيِّ كغيره من العلوم, فهو قانونٌ لُغَوِيٌّ, ف"هذا القانونُ اللغويُّ دستورٌ عربيٌّ عامٌّ, وهو نِتَاجُ جَمَاعِيٌّ مُشْتَرَكٌ بين القادرين علي الاستقراء والاستنتاجِ, ثُمَّ التَّقْنِيْنِ والتَّقْعِيْدِ؛فالأصْلُ في كُلِّ عِلْمٍ أَنْ يكونَ جَمْعًا لِجُهُوْدٍ مُتَقَارِبَةٍ مُجْتَمِعَةٍ عَلَي أصلٍ وَاحِدٍ وهَدَفٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ"(2). ويبدأُ هذا الطور بالخليل (ت170ه), وينتهي قبل عصر المازني (ت249ه)، وفي هذا الطورِ انشغلَ البصريون في تبويبِ علمِ النحوِ وتقعِيْدِهِ, بينما نَهَضَ الكوفيون ليقوموا بدورهم, كي يُحْرِزُوا سَبْقَ العِنَايَةِ وإِكْمَالِ قَوَاعِدِ عِلْمِ النحو العَرَبِيِّ, ولقد كان لهم ما ابْتَغُوا, وحَقَّقُوا الغَايَةَ التِي أمُّوا, "فَإنَّ كانت البَصْرَةُ سبَّاقةً إلي تَقْنِيْنِ العربيةِ, فإنَّ للكوفةِ فَضْلُ الإكْمَالِ والإتْمَامِ في كثيرٍ مِنْ الأحْكَامِ الصَّرْفِيَّةِ واللُّغَوِيَّةِ"(3).
وجاء في هذا الطور أهمُّ مُؤَلَّفٍ لُغَوِيٍّ عَرَبِيٍّ وهو (الكِتَابُ) لسيبويه (ت180ه)؛ مُتَوِّجًا جُهُودُا كثيرةً مُخْلِصَةً سَبَقَتْهُ, بَذَلَهَا النُّحَاةُ, ويُعدُّ كتاب سيبويه "مِرْآَةٌ تُرِيَنَا تَآَلِيْفَ المُتَقَدِّمِيْنَ الَّتِي أضاعتها أحداثُ الزَّمَنِ"(4).كان المُبَرِّد إذا أراد إنسانٌ أنْ يقرأ عليه كتاب سيبويه، يقول له:"ركبتَ البَحْرَ"، تعظيماً له، واستعظاماً لما فيه. وكان المازني، يقول: مَنْ أراد أنْ يعمل كتاباً كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه، فليستحي(5). ويري أصحابُ هذا الطَّوْرِ أنَّ النَّحْوَ "انْتِحَاءُ سَمْتِ كَلامِ العَرَبِ فِي تَصَرُّفِهِمْ: مِنْ إعْرَابٍ وَغَيْرِهِ؛ كالتثنيةِ والجمعِ والتَّحْقِيْرِ والتَّكْبِيْرِ والإضَافَةِ والنَّسَبِ والتَّرْكِيْبِ، وغير ذلك"(6).
ومن أعلام هذا الطور: الخليل بن أحمد (ت170ه) عبقري العربية، وسيبويه (ت180ه) إمام النحاة، والهراء(ت187ه)، والكسائي (189ه)، ويونس بن حبيب (ت182ه)، والفراء (ت207ه)، والأخفش (سعيد بن مسعدة ت 225ه)، وقطرب (ت 206ه)، والجرمي (ت 225ه)(7).
الطَّوْرُ الثَّالِثُ:(النُّضُوْج وَالاكتمال):
وهو طورٌ بَصريٌّ كُوفيٌّ,ويبدأ بالمازني (ت249ه), وينتهي قبل عصر ابن جني (ت392ه), وفي هذا الطور بَلَغَ علم الصرف العربي مَبْلغًا من الدِّرَاسَةِ والتَّهْذِيْبِ والتَّبْوِيْبِ؛ جعله قادرًا علي الاستقلالِ عن شَقِيْقِهِ وَصِنْوِهِ علمِ النَّحْوِ العَرَبِيِّ,وأصبحَ علمُ الصَّرْفِ حَرِيًّا بَأَنْ تُفْرَدَ له المؤلفاتُ والكتبُ الصرفيةُ الخَاصَّةُ بِمَسَائِلِهِ وَتَمَارِيْنِهِ وَشَوَاهِدِهِ.وقد خَلُصَ النَّحْوُ مِنْ الصَّرْفَ الذي بَقِيَ وَحْدَهُ مُتَمَسِّكًا بِهِ في التَّأليفِ والدَّرْسِ مُنْذُ نَشْأَتِهِمَا, وأولُ مَنْ سَلَكَ هَذا المَسْلَكَ هو المازني في كتابه المشهور (التَّصْرِيْفِ) الذي أصبحَ أولَ مؤلَّفٍ في الصَّرْفَ جَاءَ مُسْتَقِلاً عَنْ النَّحْوِ, "ولكن بالرُّغْمِ مِنْ تسميته له بالتصريف, واشتماله علي قدرٍ كبيرٍ من مسائل هذا العلم, إلا أنَّ أغلبَ مباحِثَهُ التي تناولها في كتابه هي التي أوردها سيبويه في الكتاب, وكلُّ ما للمازني من فَضْلٍ هو فَصْلُهُ لِعِلْمِ الصَّرْفِ عن مباحِثِ عِلْمِ النَّحْوِ لأوَّلِ مَرَّةٍ في تاريخِ التَّأْلِيْفِ في هذا العِلْمِ"(8) ؛ وذلك لاعتقاد بعضِ علماءِ هذا الطورِ أنَّ النُّحَاةَ "ليس عليهم أنْ يذكروا في بابٍ من أبوابِ النحوِ شيئًا من التَّصْرِيْفِ؛ لأنَّ كُلاًّ مِنْ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيْفِ عِلْمٌ مُنْفَرِدٌ بِرَأْسِهِ"(9), كما يري ابن الأثير(ت637ه).ومن أعلام هذا الطور: المبرد (ت285ه)، وثَعْلَب (ت291ه), والزَّجَّاجِ (ت 310ه)، وابنُ وَلاَّدِ المِصْرِيُّ (ت 332ه) وغيرهم .وعلي الرُّغْمِ من اسْتِقْلالِ الصَّرْفِ عَنْ النَّحْوِ فِي التَّأْلِيْفِ في هذا الطور, إِلا أنَّ بعضَ العلماءِ في هذا الطَّوْرِ ما زالوا يَجْمَعُوْنَ بَيْنَ المَسَائِلِ الصَّرْفِيَّةِ والنَّحْوِيَّةِ في مُصَنَّفَاتِهمْ, مثل: (المُقْتَضَبُ) لِلْمُبَرِّدِ(ت285ه), و(الإِيْضَاحُ) لأبي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ (ت377ه).
الطَّوْرُ الرَّابِعُ :(البَسْطُ وَالتَّنْقِيْحُ):
وهو طورٌ بغداديٌّ يبدأُ بأبي علي الفارسي (ت377ه)، ومن أعلامه ابن جني (ت392ه)، الذي"أجمع أصحاب التَّرَاجمِ علي أنَّه كان مِنْ أَحْذَقِ أَهْلِ الأدَبِ, وأعلمهم بالنَّحْوِ والتَّصْرِيْفِ, وقد صَنَّف في ذلك كُتًبًا أَبَرَّ بِهَا علي المُتَقَدِّمِيْنَ , وأعْجَزَ المُتَأَخِّرِيْنَ, ولَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ عُلُوْمِهِ أَكْمَلَ مِنْهُ فِي التَّصْرِيْفِ, ولم يَتَكَلَّمْ أحدُ في التصريف أدقَّ كلامًا منه"(10).والزمخشري (ت538ه)،وعبد القاهر الجرجاني (ت471ه), وابن القَطَّاعِ (ت 515ه), وابن الحاجب (ت646ه)، وابن يعيش (ت643 ه)، وابن عصفور (ت669ه).وينتهي بابن مالك (ت672ه).(11) وعلي الرُّغْمِ مِنْ الفصلِ بين النحوِ والصرفِ إلا أنَّ هناك مُؤلفاتٌ في هذا الطور جَمَعَتْ بين العِلْمَيْنِ؛ فلا يزال عندهم "التَّصْرِيْفُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاء النَّحْوِ" كما يري ابن الحاجب.(12)
الطَّوْرُ الخَامِسُ:(الشَّرْحُ والتَّلْخِيْصُ):
ويبدأُ هذا الطَّورُ بابن مالك الأندلسيّ (ت672ه) , وينتهي بابن هشام المصريّ (ت761ه), ولقد قام النَّحويون والعلماءُ في شَتَّي مدارسهم اللُّغويَّةِ واَلْمَكانيَّةِ؛ قامُوا بشرحِ مَا سَبَقَ مِنْ مُؤلَّفَاتٍ نَحويَّةٍ في الأَطْوَارِ السَّابِقَةِ؛ ولذلك قدَّم لنا رجال هذا الطورِ الكثيرَ من الشُّرُوْحِ النحوية والتلخيصات المُفيدة، وقد اقترنت هذا الشُّرُوْحُ بتلخيصٍ لبعض المسائل التي تَوَسَّعَ فيها السَّابقون وبسطوها, وأكثروا فيها الخلافات, والتمارين المخترعة, وكانت هذه الشروح وتلك التلخيصات خدمةً لعلم الصرف وطلابه, كما ألَّف النحاة في هذا الطور كثيرًا من المُختصرات والرسائل في النحو العربي نثرًا أو نظمًا.وعلي الرُّغم من استقلالِ الصرفِ بالتَّأْلِيْفِ مُنْذُ زَمَنٍ, إلا أَنَّنَا نَجِدُ بعضَ المُؤلَّفَاتِ التي تجمعُ بين عِلْمَيِّ الصَّرْفِ والنَّحْوِ, منها:(مُغْنِي اللَّبِيْب) لابن هشام الأنصاري المصري (ت761ه), و(الموفور من شرح ابن عصفور) اختصار أبى حيان الأندلسي (ت745ه), و(ألفية ابن مالك) وشروحها الكثيرة جدًا, فهي من المؤلفات ذائِعَةُ الصِّيْتِ حتَّى يَوْمِنَا هَذَا .
الطَّوْرُ السَّادِسُ :(التَّدْرِيْسُ النِّظَامِيُّ وَالأكَادِيْمِيُّ):
وهذا الطَّور يبدأُ بعد عصر ابن هشام (ت761ه)، والسيوطي (ت911ه)، وحتى يومنا هذا, وفي هذا الطورِ بدأتْ الحكوماتُ العربيةُ لاحقًا بتدريسِ علمِ النحو العربيِّ بصورةٍ نِظَامِيَّةٍ أكاديميَّةٍ, حيثُ جَعَلَتْهُ مُقَرَّرًا مَفْرُوْضًا علي كُلِّ المُنْتَسِبِيْنَ للتَّعْلِيْمِ في شَتَّي مَرَاحِلِهِ؛ وفي هذا الطورِ انتشرتْ الجامعاتُ العربيةُ: كجامعةِ الأَزْهَرِ, وجامعةِ القَاهِرَةِ, وغيرهما في مِصْرَ, والجامعات العربية في معظم الدول العربية, بل كُلِّهَا، كجامعة أمِّ القُرَي بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، وجامعة المُوْصِلِ بالعراق، وجامعة دمشق بسوريا ، ..الخ .
وشَرَعَ العربُ في إنْشَاءِ المَجَامِعِ اللُّغَوِيَّةِ في مصر والعراق وسوريا وغيرها, وفي هذا الطور ظهر علماءُ الغَرْبِ المَهْتَمُّوْنَ بدراسَةِ اللغةِ العربيةِ. وانتشرت حركة الاستشراق في هذا الطور؛ فنجد "كَارْل بُرُوكْلمان" و"بِرْاجَسْتُرَاسَر", و"نُوْلِدِكَه", وغيرهم مِمَّنْ درسوا العربية، وآثروا درسها والبحث لأغراضٍ تَخُصُّهُمْ؛ خَدَمَتْ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ في أحيانٍ كثيرةٍ, فعلي أيديّ بعضهم ظهرت جوانبُ كثيرةٌ من تاريخِ لُغَتِنَا العَرَبِيَّةِ. كما نَشَرُوا الكثيرَ من المخطوطات العربية النفيسة, كما حدث مع كتاب (الفهرست لابن نديم) (ت438ه), والاقتراح للسيوطي (ت911ه), والجمل للزجاجي طبع بمكسكيك بباريس 1376ه, ديوان (ذي الرمة) تحقيق (كارليل هنري هيس), كمبردج 1919م, وديوان (عبيد بن الأبرص) تحقيق:(شال ليال), لندن 1913م, وديوان (طفيل الغنو) تحقيق (فريتس كرنكوف), لندن 1927م, و(القراءات الشاذة) لابن خالوية (ت370ه), حققه (ج براجستراستر) , و(الكامل) للمبرد (ت 285ه) حققه (وليم رايت) (ليبسك وكمبردج) (1840 1892 م ) .
وسيطول بنا المقام لو رحنا نسرد المؤلفات التي حقَّقَها المُسْتَشْرِقُوْنَ، وتبعًا لذلك انتشرت في البلاد العربية المطابعُ ولجاَنُ تَحْقِيْقِ التُّراثِ في معظم البلاد العربية وجامعاتها, كما أنشأت جامعةُ الدُّولِ العربية معهدًا لتحقيق المخطوطات وحفظها بالقاهرة (1946م).
وَيُلَخِّصُ ابنُ خلدون مراحلَ نشأةِ النَّحْوِ وَتَطَوُّرِهِ قَائِلاً:"وَأَوَّلُ مَنْ كَتَبَ فِيْهَا أبو الأسود الدؤلي مِنْ بِنِي كِنَانَةَ، وَيُقَالُ بِإشَارَةِ عليٍّ ؛ لأنَّهُ رَأَى تَغَيُّرَ اَلْمَلَكَةِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِحِفْظِهَا، فَفَزِعَ إلى ضَبْطِهَا بِالقَوَانِيْنِ اَلْحاضِرَةِ اَلْمُستقرَأَةِ. ثُمَّ كَتَبَ فِيْهَا النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ إلى أَنْ اِنْتَهَتْ إلى الخليلِ بنِ أحمدَ الفَراهيديِّ (ت175ه) أيامَ الرَّشيدِ، وكانَ النَّاسُ أَحْوَجَ مَا كَانَ النَّاسُ إِلَيْهَا لِذَهَابِ تِلكَ اَلْمَلَكَةُ مِنْ العَرَبِ. فَهَذَّبَ الصِّنَاعَةَ وكَمَّلَ أَبْوَابَهَا. وَأَخَذَهَا عَنْهُ سِيْبَوَيْه (180ه) فكمَّلَ تَفَارِيْعَهَا واستكثرَ مِنْ أدلَّتِهَا وشَوَاهِدِهَا، وَوَضَعَ فيها كِتَابَهُ اَلْمَشْهُوْرِ الَّذي صَارَ إِمَامًا لِكُلِّ مَا كُتِبَ فِيْهَا مِنْ بَعْدِهِ. ثُمَّ وَضَعَ أبو عليٍّ الفَارسيِّ(ت377ه) وأبو القاسم الزَّجَّاجُ (ت310ه) كُتُبًا مُختصرةً لَلْمُتعلِّمين، يَحْذُوْنَ فيها حُذْوَ الإمَامِ في كِتَابِهِ. ثُمَّ طَالَ الكَلَامُ في هَذِهِ الصِّنَاعَةِ، وَحَدَثَ اَلخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِهَا في الكُوْفَةِ والبَصْرَةِ اَلْمِصْرَيْنِ القديمين للعَرَبِ. وكَثُرَتْ الأدِلَّةُ والحِجَاجُ بينهم وَتَبَايَنَتْ الطُّرُقُ في التَّعليمِ، وَكَثُرَ الاخْتِلَافُ في إِعْرَابِ كثيرٍ مَنْ آَيِ القُرْآَنِ؛ باختلافهم في تلك القَوَاعِدِ، وَطَالَ ذَلِكَ عَلَى اَلْمُتعلِّمينَ. وَجَاءَ اَلْمُتَأَخِّرُوْنَ بِمَذَاهِبِهِمْ في الاخْتِصَارِ فَاخْتَصَرُوا كَثِيْرًا مَنْ ذَلِكَ الطُّوْلِ مَعْ استيعابِهِمْ لجميعِ ما نُقِلَ، كَمَا فَعَلَهُ ابنُ مالكِ (ت672ه) في كتابِ "التَّسْهِيلِ" وأمثاله، أو اقتصارهم على المبادئ للمتعلمين، كما فعله الزمخشري (ت538ه) في "اَلْمُفَصَّلِ"، وابن الحاجب (ت646ه) في المقدمة له. وَرُبَّمَا نَظَمُوا ذلك نظمًا، مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى، وابن معطي(ت628ه) في الأرجوزة الألفية.
وبالجملةِ فالتَّآليفُ في هَذَا الفَنِّ أكثرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى أو يُحَاطَ بَهَا، وَطُرُقُ التَّعليمِ فيها مُختلفةٌ، فطريقةُ اَلْمُتقدِّمينَ مُغايرةٌ لِطَريْقَةِ اَلْمُتَأَخِّرينَ. والكُوفُيُّونَ والبَصْرِيُّونَ والبَّغداديُون والأَندلسيُّون مُختلفةٌ طُرُقُهُمْ كًذًلِكَ. وَقَدْ كادَتْ هَذِه الصِّنَاعَةُ تُؤْذنُ بالذَّهَابِ؛ لِمَا رَأَيْنَا مِنْ النَّقْصِ في سائرِ العُلُومِ والصَّنَائِعِ بِتَنَاقُصِ العُمْرَانِ، وَوَصَلَ إِلَيْنَا بَالْمَغْرِبِ لِهَذِهِ العُصُوْرِ دِيْوانٌ مِنْ مِصْرَ مَنْسُوْبٌ إلى جَمَالِ الدِّينِ بنِ هِشَامٍ(ت761ه) من علمائها استوفى فيه أحكامَ الإعْرَابِ مَجْمَلَةً ومُفَصَّلَةً"(13).
وبعدُ، فمجالُ القَوْلِ في تَاريخِ النَّحْوِ العربيِّ ذُو سَعَةٍ لِمَنْ أرادَ الإفَاضَةَ فيهِ والانْطِلاقَ: فهو أوَّلُ عِلم دُوِّن في الإسلام؛ إذ مضى على مَوْلِده قرابة أربعةَ عَشَرَ قَرْنًا، لم يكن فيها لقًى مهملاً، ولا نَسْيًا مَنْسِيًّا، ولكن تتابعتْ عليه أجيالٌ منَ العلماء الجادِّين، يتَّفِقُون قصدًا وغايةً، وإنِ اختلفوا وطنًا وجنسًا، وشخصيَّة ومَنْهَجَ تفكير. وكان فيهم علماءُ أفذاذٌ، آتاهُمُ اللَّهُ ما يشاء منَ الكفاية وفضل المزية، وإنَّ كُلاًّ من هؤلاء وهؤلاء لَيبذلُ فيه كل ما يفتح الله به عليه، وما تَهْدِيهِ تجرِبتُه إليه، ويُصَوِّرُهُ خياله له في الجانب أو الجوانب الَّتي طاب له أن يتناوَلَهُ منها، فكانَتْ لنا هذه الثروةُ الضخمةُ النفيسَةُ، من مؤلَّفاته المتعدِّدَةِ الموضوعاتِ والأحجام. والنحو نوعانِ: بَصْرِيٌّ، وكُوفِيٌّ، والبَصْرِيُّ أسبق وجودًا من الكُوفِيِّ، وإليه يُرَدُّ وَضْع النحو، ما في ذلك خلاف ولا مِراء."ونرى في هاتين النزعتين أنَّ البصريين كانوا أكثر حرية وأقوى عقلا، وأن طريقتهم أكثر تنظيما وأقوى سلطانًا على اللُّغة، وأنَّ الكوفيين أقل حرية وأشد احترامًا لما ورد عن العرب, ولو موضوعا "كذا"، فالبصريون يريدون أن ينشئوا لغة يسودها النظام والمنطق، ويميتوا كُلَّ أسباب الفوضى من رواية ضعيفة أو موضوعة أو قول لا يتمشَّى مع المنطق, والكوفيون يريدون أن يضعوا قواعد للموجود حتى الشاذ، من غير أن يهملوا شيئًا حتى الموضوع"(14) .
_____________________
الحواشي:
(1) المزهر في علوم اللغة، للسيوطي (2/ 108 109), والحلقة المفقودة في تاريخ النحو العربي، لعبد العال سالم مكرم، (ص 139) .
(2) سيبويه جامع النحو العربي، لفوزي مسعود (ص 25) .
(3) سيبويه جامع النحو العربي (ص25) , والتوهم عند النحاة (ص18) .
(4) تصريف الأفعال ؛ لعبد الحميد عنتر (ص11) .
(5) ينظر: الفهرست ص76، وأبجد العلوم (3/38).
(6) ينظر : الخصائص (1/34) .
(7) ينظر : نشأة النحو (ص30) , والمزهر(2/202), وبغية الوعاة (1/393) .
(8) أبجد العلوم، لأبي الطيب البخاري، (2/385), (3/35)، والصرف الوافي، لأحمد عبد الدايم (1/14)
(9) ينظر : المثل السائر، لابن الأثير (1/45) .
(10) تصريف الأفعال، لعبد الحميد عنتر، (ص23).
(11) تصريف الأفعال، لعبد الرحمن شاهين، (ص13) .
(12) ينظر : شرح الشافية، للرضي, (1/6).
(13) مقدمة ابن خلدون (2/296).
(14) ضحى الإسلام، لأحمد أمين، (2/ 296)، وينظر: من تاريخ النحو العربي، لسعيد الأفغاني (ص: 75 – 76).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.