مَكَانَةُ كِتَابِ سِيبويه عِندَ الفُقَهَاءِ وعُلَمَاءِ العَقِيدَةِ : مِنْ اَلْمَشهورِ فِي مُؤلَّفاتِ الأُصُولِ أَوْ أَهْلِ الأُصُولِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُون دائماً شيئاً مِمَّا يتعلَّق بعلْمِ اللُّغَةِ ، وهُمْ يأخذُون مِنْ عِلْمِ اللُّغةِ ما يُساعِدُ عَلَى فهمِ النُّصُوصِ فهماً صحيحاً ، فمَا يتعلَّقُ بالكَلامِ وغيرِهِ يذكرونه عادةً؛ لأنَّه يُساعدُ على فهمِ النُّصوصِ واستنباطِ الأحكامِ منها استنباطاً صحيحاً، وقد مرَّ بنا ذكرُ شيءٍ من ذلك. وَمِمَّا لاشَكَّ فيه أَهميَّةُ كتابِ سيبويه لِعُلماءِ العقيدةِ والفِقْهِ ، يقول أبو عمرو الجرمي (ت 225 ه) أَحَدُ شُرَّاحِ سيبويه، وهو عالِمٌ جليلٌ مُتمكِّنٌ مِنْ عِلْمِ اللُّغةِ والنَّحوِ؛ يقولُ : أَنَا أُفْتِي النَّاسَ مُنْذُ ثلاثين سنةً مِنْ كِتَابِ سيبويه ، فأُخْبِرَ " اَلْمُبَرِّدُ " بذلك ، فقال : أنا سمعتُهُ يقولُ هذا (1). ويؤكِّدُ الشاطبي أنَّ كتاب سيبويه يُتعلَّم منه النَّظرُ والتَّفتيشُ، واَلْمُرادُ بذلك أَنَّ سيبويه وَإِنْ تكلَّم فِي النَّحوِ، فقد نبَّه فِي كَلامِهِ عَلَى مَقَاصِدِ العَرَبِ ، وأنحاءِ تَصَرُّفاتِها فِي أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيْهَا ، وَلَمْ يقتصرْ فيه على بيانِ أَنَّ الفَاعِلَ مَرْفُوعٌ وَالْمَفعُولَ منصوبٌ ، ونحو ذلك، بَلْ هُو يُبيِّنُ فِي كُلِّ بابٍ ما يليقُ به ، حتَّى إِنَّه احتوى عَلَى عِلْمِ اَلْمَعَانِي والبيانِ وَوُجُوهِ تَصَرُّفاَتِ الأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي(2). وقال أبو حيان فِي البَحْرِ اَلْمُحِيْطِ فِي مَعْرَضِ ثَنَائِهِ علَى سيبويه رحمه الله :" فجديرٌ لِمَنْ تَاقَتْ نفسُهُ إِلَى عِلْمِ التَّفسيرِ، وتَرَقَّتْ إلى التَّحريرِ والتَّحبيرِ ؛ أَنْ يَعْتَكِفَ على كتاب سيبويه ؛ فهو فِي هذا الفَنِّ اَلْمُعوَّلُ وَالْمُستندُ عليه في حَلِّ اَلْمُشكلاتِ إليه "(3). ويرى الرازي (ت606ه) أنَّ "أَجلَّ الكُتُبِ اَلْمُصنَّفةِ في النَّحوِ واللُّغةِ كتابُ سيبويه وكتابُ العين"(4) ، ولكثرةِ آياتِ القُرآنِ التي استشهدِ بِهَا سيبويه امْتَنَعَ المازني(ت247ه) مِنْ إقْرَاءِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ لِكَافِرٍ(5). ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ "كتاب سيبويه مِمّا لا يقدر على مثله عامّةُ الخلقِ ، وليس بُمعجزٍ ؛ إِذْ كانَ ليس مُختصّاً بالأنبياءِ ، بل هو موجودٌ لغيرهِمْ "(6).ويرى أيضاً أنَّ " نَحوَ سيبويه لا نظيرَ له … وإِنَّ أتى الواحدُ بِما لا يقدرُ غيرُه على نظيره، فليس مختصاً بالأنبياء، بل معروف أنّ هذا تعلّم بعضه من غيره، واستخرج سائره بنظرِهِ….فإنّ ما يقوله الواحد من هؤلاء قد علمه بسماعٍ ، أو تجربةٍ، أو قياسٍ".(7) وخلاصة القول عند جمهور علماء العقيدة والفقه أنَّ:" كِتَابَ سِيبَوَيْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُصَنَّفْ بَعْدَهُ مِثْلُهُ"(8) ، وأنَّ "وسِيبَوَيْهِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْعَالَمِ مِثْلُ كِتَابِهِ ، وَفِيهِ حِكْمَةُ لِسَانِ الْعَرَبِ"(9) . الحواشي: (1) ينظر: مجالس ثعلب، تحقيق: عبد السلام هارون ، دار المعارف، القاهرة،(ص191) ، والموافقات، للشاطبي، (4/115-116)، وسلسلة تراجم أعلام الثقافة العربية ونوابغ الفكر الإسلامي، لمحمد عطية الإبراشي وأبي الفتوح محمد التوانسي ، مكتبة نهضة مصر،القاهرة، الطبعة الأولى، (ص19)، والمحصول ، للرازي (1/238)، والشرح على شرح جلال الدين المحلي للورقات، لمحمد بن أحمد المحلي الشافعي ، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم ، مكتبة نزار الباز ، مكةالمكرمة ،(ص: 69) . (2) الموافقات، للشاطبي (10/ 74) . (3) تفسير البحر المحيط ، لأبي حيان الأندلسى ، دار الفكر ، بيروت (1/101). (4) المحصول ، للرازي (1/ 286). (5) مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل ، لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن (الحطاب)، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412ه/ 1992م ، (2/385). (6) النبوات ، لابن تيمية ، دراسة وتحقيق: عبد العزيز بن صالح الطويان ، أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى ، 200م/1421ه (7/16). (7) ينظر: النبوات ، لابن تيمية ( 7/18) بتصرف ، ومجموع الفتاوى ( الباز المعدلة ) (9/ 46) (8) مجموع الفتاوى ، لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ، تحقيق : أنور الباز وعامر الجزار ، دار الوفاء ،الطبعة الثالثة ، 1426ه/2005م (16/15). (9) مجموع الفتاوى ، لابن تيمية (11/370).