لقد كان كتاب سيبويه (ت180ه) ولا يزال علمًا عند النحويين واللغويين العرب وغيرهم، فكان يُقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب، فيعلم أنه كتاب سيبويه، وكان المبرد (ت285 ه) يقول لِمَنْ أراد أن يقرأ في كتابه سيبويه: هل ركبت البحر؟ تعظيمًا له، وكان المازنى يقول: مَنْ أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد سيبويه فليستح، ولقد سَمَّى العلماءُ كتاب سيبويه "قرآن النحو" إكبارًا له، ويقول السيرافي: وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحدٌ قبله، ولم يلحق به مَنْ بعده، ويقولُ المبرد: لم يُعملْ كتابٌ في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه، وقال عنه صاعد بن أحمد الأندلسى: لا أعرف كتابًا أُلِّفَ في علم من العلوم قديمها وحديثها، اشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاث كتب، أحدها: المجسطى لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي، فإنَّ كُلَّ واحدٍ من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شىء إلا ما لا خطر له . ومنذ ألف الكتاب ما فارقه النحو وما تخلَّفَ هو عنه، بل كان يقيمان معًا ويرحلان معًا، فطوَّف معه وانتقل من البصرة إلى الكوفة، ثم بغداد، ثم الأندلس والشام ومصر، ويذكر أنَّ الأندلسيين اليهود وغيرهم قد تأثَّروا بكتاب سيبويه في إحياء قواعد اللغة العبرية، كما أنَّ تشومسكي صاحب النظرية التوليدية التحويلية نوَّه إلى استفادته من كتاب سيبويه. ويُعدُّ كتاب سيبويه محطة حداثية مهمة في حياة النحو العربي والتأليف فيه،"فإنَّ النحو العربي كما تقرأه في مرجعه الأول- الكتاب لسيبويه- ليس مجرد قواعد لتعليم المنطق السليم والكتابة الصحيحة باللغة العربية، بل هو أكثر منذلك: قوانين للفكر داخل هذه اللغة، وبعبارة بعض النحاة القدماء: النحو منطق العربية .. .