إِنَّ طبيعةَ العلومِ العربيةِ بَعَامَّةٍ واللغويَّةِ بِخَاصَّةٍ كانت موضوعاتها موجودة سَلَفًا ؛ وذلك بظهور اللغة وقيامها بمهامها المنوطة بها خير قيام, ولكنَّ تقعيد هذه الظواهر وهذه الموضوعات ووضع ضوابط لها؛ لِيُرَاعِيْهَا المُتَكَلِّمُ العَرَبِيُّ في كَلامِهِ هذا الأمر جاء مُتَأَخِّرًا؛ وذلك نظرًا لِمَا حَلَّ ببعضِ العَرَبِ من فَسَادٍ لُغَوِيٍّ أو لَحْنٍ في كَلامِهِ, هذا الأمر الذي جعل علماء اللغة الغيورين يَهُبُّوْنَ لصياغَةِ قَوَاعِدَ وضَوَابِطَ مستنبطةٍ من لغةِ العربِ,خِدْمَةً للغَتِهِمْ ودِيْنِهِمْ. وبالنظر إلي الروايات التي تحدثت عن نشأة النحو أو الصرف نجد أنَّ أوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّرْف هو الإمام عليِّ بن أبي طالب كرم الله وجهه فهو الذي قسَّم الكلمة إلي:(اسم, وفعل, وحرف), ثم شرع أبو الأسود الدؤلي في وضع علم النحو والصرف (علم العربية), ومنهم مَنْ ينسبُ وضعَ عِلْمَ الصَّرْفِ إِلَي نصر بن عاصم (ت90ه) حيث كان له كتابٌ في العربية, ومنهم مَنْ يَنْسِبُهُ لعبد الله بن أبي إسحاق . ولكنَّ أَصَحَّ الرُّوَايَاتِ تُؤَكِّدُ أَنَّ أبا الأسود الدؤلي هو الذي وَضَعَ عِلْمَ الصَّرْفِ كَمَا وَضَعَ عِلْمَ النَّحْوِ, وكان العلماءُ يُطْلِقُوْنَ عليهما معًا اسم (العربية), وهو الذي نَخَالَهُ قريبًا إلي الواقع ويَرْتَضِيْهِ النَّظَرُ, وذلك لأنَّ "نسبة الوضع للفَنِّ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ نتيجةَ قيامِ الوَاضِعِ بِوَضْعِ بَعْضَ الأبوابِ الأسَاسِيَّةِ فِي ذلك الفَنِّ, وهذا ما كان مِنْ أبي الأسود الدؤلي(1)". وبعد أبي الأسود الدؤلي وجُهُوْدِهِ تَتَابَعَتْ جُهُوْدٌ أُخْرَى مُخْلِصَةٌ مِنْ أَجْلِ تَقْعِيْدِ عِلْمِ الصَّرْفِ وَتَبْوِيْبِهِ؛ وَدِرَاسَةِ مَسَائِلِهِ وتَمَارِينِهِ. (1) ينظر: الفهرست لابن النديم (ص4041), ونشأة النحو لطنطاوي (ص14), والبحث اللغوي عند العرب لأحمد مختار عمر(ص83), والتوهم عند النحاة للمؤلف (ص18).