النحو للكلام كالملح للطعام ،مقولة توضح قيمة النحو كعلم يتوصل به إلى النطق الصحيح للكلام بدون أخطاء،فقبل وضع علم النحو كان العرب يتكلمون العربية صحيحة، بفضل ملكتهم السليمة وألسنتهم الفصيحة وسليقتهم اللغوية المستقيمة. وبلسانهم ولغتهم نزل القرآن الكريم ،ومنذ هذا الوقت لم تعد العربية مجرد لغة مثلها مثل عشرات اللغات التى كانت موجودة في هذا الوقت بل أصبحت لغة مختارة مكرمة مشرفة مصطفاة،والحفاظ عليها غيرة على الدين وحفاظا على القرآن من اللحن في قراءته،مهمة مقدسة وجهاد في سبيل الله . وعندما فتح الله البلاد وانتشر الإسلام بين أمم غير عربية لسانها أعجمي وخالط العرب أبناء هذه الشعوب ،بدأ اللحن أي الخطأ في النطق يشيع وينتشر ،فانبرى له نفر من العرب في محاولة لحصار هذه الظاهرة الخطيرة فكان علم النحو هو الوسيلة إلى ذلك. والحقيقة المتفق عليها أن هذا العلم له أب شرعي هو أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة تسع وستين للهجرة ،أما المختلف عليه فهو تفاصيل وضع هذا العلم والملابسات المصاحبة له،فبعض الروايات تنسب لعلي بن أبي طالب –رضي الله عنه دورا في تسمية هذا العلم وفي الدعوة إلى إنشائه. فقال أبو الأسود دخلت على علي فرأيته مطرقا فقلت فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت إن فعلت هذا أحييتنا، فأتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها الكلام كله اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف وهو ما أبان عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي زده وتتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه فقال علي ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فمن ثم سمي النحو نحوا،وأبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف و الرفع والنصب والجر والجزم. وهناك رواية أخرى حيث قال المبرد حدثنا المازني قال السبب الذي وضعت له أبواب النحو أن بنت أبي الأسود قالت له: ما أشدّ ُ الحر ِيا أبي فقال الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته فقال إذن قولي: ما أشدَّ الحرَّ ،أو قد لحن الناس؟ فأخبر بذلك عليا رضي الله عنه ، فأعطاه أصولا بنى منها وعمل بعده عليها . وهناك رواية أخرى لم يذكر فيها دور لعلي بن أبي طالب فعن عاصم قال :جاء أبو الأسود إلى زياد فقال :أرى العرب قد خالطت العجم فتغيرت ألسنتهم ،أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم ؟ قال: لا، قال :فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير ،توفي أبانا وترك (بنون) فقال :ادع لي أبا الأسود ، فدعي فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه. وجهود أبي الأسود الدؤلي في خدمة اللغة العربية وفي خدمة كتاب الله غير منكورة فهو أول من نقط المصاحف، وأول من وضع علم النحو لذا لقب بأبي النحو ،فقد وضع بذور النحو واستنبت جذوره ثم استوى على سوقه وأثمر وأينع على يد تلاميذه من بعده، فقد أخذ عنه النحو عنبسة الفيل وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأخذه عنه عيسى بن عمر وأخذه عنه الخليل بن أحمد وأخذه عنه سيبويهفكانت سلسلة متتابعة الحلقات من معلم إلى تلميذه إلى تلميذه كل يزيد فيها قدر اجتهاده إلى أن اكتمل علم النحو. ولنتوقف أمام سيبويه ذلك الفارسي الذى خدم اللغة العربية خدمة عظيمة فقد تلقى العلم على يد الخليل بن أحمد وأودع هذا العلم في كتاب وإن كان هو أقدم ما وصل إلينا من كتب النحو إلا أنه و ياللعجب كتاب كامل واف شاف شامخ حتى أطلق عليه بعض العلماء لقب (قرآن النحو ) وما زال هذا الكتاب المسمى (الكتاب) أهم مرجع لكل باحث في النحو العربي في أي مكان في العالم وفي أي عصر من العصور، لأن من جاء بعده من العلماء لم يضيفوا كثيرا إلى ما أثبته في هذا الكتاب من علم غزير اللهم إلا براعة في التصنيف أو مدارسة مسائله أو إضافة رأي أو مناقشة باب أو ابتكار مصطلح مخالف لمصطلح سيبويه فأنعم بها من شجرة للعلم وارفة الظلال، يتفيأ بها طلاب العلم إلى يوم القيامة،ويقطف ثمارها ناطقو العربية في كل زمان ومكان فرحم الله غارسوها وزارعوها ومتعهدوها. لمزيد من مقالات صبرى زمزم