إن خيلاء النفس العربية حيال الأجنبي يستحق الرصد والتحليل كذلك، إذ خصت العرب الفرد الأجنبي بلفظ ال"عجمة" ومشتقاته. والعجمة اصلاً، كما يبدو تعني الخرس، بمعنى أن العرب عندما احتكوا بالأعاجم تاريخيًّا، خصوا الأخيرين بلفظ يمور بالمعاني الدونية، ومثقل بالعصبية، فالعجمة أصلاً، من صفات الحيوان نظراً لعدم قدرة الحيوان على التعاطي لغويًّا مع الإنسان. وبذلك عدت العرب "العربية" فقط هي أداة اتصال أما لغات الآخرين فلا ترفعهم مرتبة أعلى قط. إنهم ببساطة "عجم"! بكل ما يحمله هذا اللفظ من دلالات دونية حد ما ذكرناه أعلاه في التمييز بين النوع الآدمي وسواه من الكائنات. لقد بقي هذا المفهوم يتواصل في النفس العربية، شاحناً إياها بأنماط الشعور بالعلوية وبالنظرة الدونية للأقوام المجاورة لبلاد العرب، خاصة الفرس، الأمر الذي قاد إلى قرنهم بالعجمة، فعندما نقول إن هذا الشخص "عجمي" يكون أول ما يتبادر إلى ذهن السامع العربي إنه من الشعوب الإيرانية، خطأً شائع. اصطدم هذا المفهوم الخاطئ بالمبادئ الجديدة مع ظهور الإسلام، إيماناً روحيًّا عابراً للأجناس وللأقوام ولألوان البشرة، الأمر الذي قاد الرسول الكريم (ص) إلى التوكيد على "العولمة الإسلامية" مضاداً للشوفينية القبلية والعصبية الإثنية التي طالما تناهت إلى مقايضة الدين بالقومية، خطأً ثان. لذا أكد الرسول الكريم (ص) على عالمية الإسلام، بقوله: "ألا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى"، مؤاخياً الصحابي الجليل سلمان الفارسي. وقد لاحظ الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) هذه العقبة أمام نشر الدعوة الإسلامية شرقاً وغرباً، فقرر أن يقتلع شأفتها ليضع حداً للنزعة الشوفينية التي قادت بعض العرب إلى التندر بعجمة العجم أو بالأخطاء النحوية أو اللفظية التي يرتكبها كل أجنبي يتعلم العربية، خاصة إذا ما كان لسانه الأصل ينتمي إلى عائلة اللغات الآرية كالفارسية أو الكردية أو الهندية، من بين سواها من الألسن، الأمر الذي حدا بالإمام إلى الأمر بتأليف أول وصف لنحو اللغة العربية، فكانت قصة صاحبه أبي الأسود الدؤلي التي أسست لعلم النحو مذاك، ربما على المستوى العالمي. لقراءة المقال كاملا اضغط هنا