توقيع مذكرة تفاهم بين "الاتصالات" و"الاعتماد والرقابة "بشأن التعاون فى تنفيذ التطوير المؤسسي الرقمى    حسن الخطيب يترأس اجتماعات الدورة الرابعة لمجلس وزراء التجارة بمجموعة الدول الثماني النامية D-8    محافظ الغربية يجري جولة ليلية مفاجئة بالمحلة لمتابعة النظافة ورفع الإشغالات    بالأسماء: مصرع 5 وإصابة 13 في حريق مول ومخزن بسوق الخواجات بالمنصورة    موعد صلاة الفجر..... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر2025 فى المنيا    ترامب: سوريا قطعت شوطًا طويلًا إلى الأمام.. ومهمة «الشرع» ليست سهلة    منتخب مصر الأول يبدأ اليوم معسكرا مفتوحا استعدادا لبطولة أمم إفريقيا بالمغرب    «أحكام الإدارية» تُغير خريطة البرلمان    إصابة 9 أشخاص بينهم أطفال وسيدات في حادث تصادم بالفيوم    فيدرا تعيش وسط 40 قطة و6 كلاب.. ما القصة ؟    المفوضية الأوروبية تعتزم استخدام أصول روسية مجمدة لتمويل أوكرانيا    5 محاذير يجب اتباعها عند تناول الكركم حفاظا على الصحة    5 وفيات و13 مصابًا.. ننشر أسماء المتوفين في حريق سوق الخواجات بالمنصورة    د. أسامة أبو زيد يكتب: الإرادة الشعبية.. «سي السيد»    ناهد السباعي: "فيلم بنات الباشا كان تحديًا.. والغناء أصعب جزء في الشخصية"    ترامب يهدد بالهجوم على أي دولة تهرّب المخدرات لأمريكا.. والرئيس الكولومبي يرد    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    عاجل الأمم المتحدة تعتمد قرارًا يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المفروض على الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967    متحدث الصحة: قوائم بالأدوية المحظورة للمسافرين وتحذيرات من مستحضرات خاضعة للرقابة الدولية    «الصحة» تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    زينة عن شخصيتها في "ورد وشوكولاتة": حبيتها لأنها غلبانة وهشة    سوريا تعلن إحباط محاولة تهريب ألغام إلى حزب الله في لبنان    نصر الله يحرز تقدما على عصفورة المدعوم من ترامب في انتخابات هندوراس الرئاسية    مدير نجدة الطفل: حوادث المدارس تكشف خللاً تربوياً وضرورة تشديد العقوبات لحماية الأطفال    إعلان طاقم حكام مباراة الجونة وبترول أسيوط في كأس مصر    مصر توسّع حضورها في الأسواق الأفريقية عبر الطاقة الشمسية والتوطين الصناعي    «بإيدينا ننقذ حياة» مبادرة شبابية رياضية لحماية الرياضيين طبيًا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مبادرة الخير بدسوق تنظم حفلًا ترفيهيًا للطلاب الصم وضعاف السمع بمناسبة يوم التحدي    التنمية المحلية ل ستوديو إكسترا: توجيهات رئاسية بتحقيق العدالة التنموية في الصعيد    قوات الاحتلال تعزز انتشارها وسط مدينة طولكرم    إحالة أوراق المتهم بقتل زميله داخل ورشة لتصنيع الأثاث بأشمون للمفتى    هل سرعة 40 كم/ساعة مميتة؟ تحليل علمى فى ضوء حادثة الطفلة جنى    مقتل شخص أثناء محاولته فض مشاجرة بالعجمي في الإسكندرية    والد جنى ضحية مدرسة الشروق: ابنتي كانت من المتفوقين ونثق في القضاء    ليفركوزن يثأر من دورتموند بهدف مازة ويتأهل لربع نهائى كأس ألمانيا    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    بروتوكول تعاون بين نادي قضاه جنوب سيناء وجامعة القاهرة    في ملتقى الاقصر الدولي للتصوير بدورته ال18.. الفن جسر للتقارب بين مصر وسنغافورة    تحت شعار "متر × متر"، مكتبة الإسكندرية تفتح باب التقديم لمعرض أجندة 2026    مراوغات بصرية لمروان حامد.. حيلة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر (الست)؟    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    مانشستر سيتي يهزم فولهام في مباراة مثيرة بتسعة أهداف بالدوري الإنجليزي    تقرير مبدئي: إهمال جسيم وغياب جهاز إنعاش القلب وراء وفاة السباح يوسف محمد    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للسلاح    النيابة العامة تُنظم برنامجًا تدريبيًا حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي    أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة أسيوط تختتم ورشة العمل التدريبية "مكافحة العنف ضد المرأة" وتعلن توصياتها    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الحمامصي يكتب: خالد عزب يستنطق الحجارة لاستخلاص سردية السلطة
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 05 - 2025

في زمن تتنازع فيه الأمم هويتها المعمارية، وتبحث الشعوب عن جذورها الثقافية وسط رياح الحداثة المتسارعة، يطلّ علينا المفكر والباحث الدكتور خالد عزب برؤية متأنية وعميقة في كتابه الجديد "السلطة والعمارة في مصر"، الصادر عن دار الشروق.
هذا العمل ليس مجرد رصد تاريخي لتطور الطرز المعمارية الرسمية، ولا مجرد تأريخ للأبنية السياسية، بل هو محاولة جادة لاستكشاف العلاقة الجدلية بين السلطة والمكان، وكيف تُترجم البنية المعمارية إلى تجلٍ مادي للشرعية، والهيبة، والتوازنات الاجتماعية والسياسية.
الدكتور خالد عزب، الباحث الموسوعي المعروف، يمتلك تجربة طويلة تجمع بين التاريخ والعمران، وبين التأريخ الأكاديمي والخطاب الثقافي العام، وهو في هذا الكتاب يُقدّم قراءة لا توثيقية فحسب، بل تحليلًا فلسفيًا واجتماعيًا لما يُعرف ب"عمارة السلطة".
يتناول عزب كيف تنبثق الأشكال المعمارية من رحم السلطة، وكيف تلعب العمارة دورًا في ترسيخ مفاهيم الانتماء، والشرعية، بل وتحويل الفضاء العام إلى مجال رمزي تعبيري.
في كتابه، يتجاوز خالد عزب النظرة السطحية التي تربط بين السلطة والمعمار كأداة للسيطرة فقط، ويقدم قراءة متعددة الأبعاد تبدأ من التكوين النفسي والاجتماعي للمجتمع المصري، وتمرّ بمحطات التحول الكبرى في تاريخ البلاد، من المماليك إلى العثمانيين، ومن أسرة محمد علي إلى بدايات التحديث والدولة الوطنية. ويظهر في هذه القراءة كيف كانت القصور تمثل غلافًا رمزيًا للسلطة دون أن تكون موطنًا حقيقيًا لممارستها، إذ كانت أدوات الحكم مثل الجيش، والشرطة، ودوائر الأشغال والمالية، موزعة خارج إطار القصر، رغم خضوعها لشرعيته من بعيد.
أما في النموذج الأسبق، كالحكم من القلعة، فكانت جميع أدوات الحكم متمركزة في مكان واحد، في تجسيد واضح لمركزية القرار. ومع انتقال مقر الحكم إلى المدينة، بدأنا نشهد تحولًا في طبيعة ممارسة السلطة، التي أصبحت تتوزع تدريجيًا بين رأس السلطة ومؤسسات الدولة، ثم إلى البرلمان، مع تصاعد دور النخب والصحافة والمجتمع المدني، ابتداءً من عهد الخديوي إسماعيل.
ولا يكتفي الكتاب بسرد الوقائع أو التحولات التاريخية، بل يعيد تركيب الذاكرة الجمعية من خلال قراءة العمارة كأثر دالّ، وكسجلّ حي. ويعيد عزب طرح الماضي لا بوصفه زمنًا منقضيًا، بل كتركيب حيّ لا تزال تأثيراته مستمرة في الحاضر. فالحجارة هنا ليست جدرانًا صامتة، بل نصوص مفتوحة تنبض برموز السلطة وأثرها.
بهذه المقاربة، يقدّم عزب عملاً فكريًا رصينًا يجمع بين التحليل التاريخي والرؤية الفلسفية، في لحظة نحن أحوج ما نكون فيها لإعادة فهم ماضينا السياسي والمعماري، من أجل وعي أعمق بالحاضر، واستشراف أوضح للمستقبل.
الكتاب يُعيد تأطير مفهوم "عمارة السلطة"، لا بوصفها واجهات مادية لهيبة الدولة، بل كبنية رمزية تعبّر عن تفاعل الحكم مع المجتمع، وعن المنظومة القيمية التي تفرضها السلطة أو تسعى لترسيخها. فالأبنية الرسمية، سواء كانت قصورًا أو دواوين أو مقارّ وزارات، ليست انعكاسًا جامدًا للسلطة، بل شواهد على التفاعل، والتفاوض، والشرعية المتبادلة بين الحاكم والمجتمع.
ينطلق خالد عزب من سؤال مركزي: كيف تعكس العمارة تحولات السلطة؟ وكيف تعبّر عن توازنات القوى داخل المجتمع؟ ويؤكد أن الإجابة على هذا السؤال ليست مباشرة، إذ أن العمارة لا تُفرض من الأعلى فقط، بل تتشكل في سياق تاريخي واجتماعي وثقافي، يعكس التبدلات في علاقة السلطة بمكونات المجتمع، من علماء وبيروقراطية ونخب مثقفة، إلى عموم الناس.
يستعرض عزب مراحل تطور مراكز السلطة في مصر من العصور الإسلامية الوسطى، حين كانت القلاع مثل "قلعة صلاح الدين" تمثل مركزًا للحكم العسكري، إلى انتقال الحكم تدريجيًا إلى قلب المدينة، كما في حالة قصر عابدين في عصر الخديوي إسماعيل، حيث أصبحت العاصمة كلها مساحة لممارسة السلطة، في نموذج أكثر تداخلاً بين رمزية المكان وبنية الحكم.
ويخصص الكاتب حيزًا مهمًا لدور العمارة في تشكيل الهوية الوطنية، متتبعًا الطرز المملوكية والعثمانية، وصولًا إلى التأثيرات الأوروبية في القرن التاسع عشر.
ويُظهر كيف أن العمارة المصرية، حتى في ذروة التغريب، احتفظت بعناصر محلية مميزة — مثل الخط العربي والزخارف الإسلامية وقاعات العرش الشرقية — ما يشير إلى مقاومة ثقافية داخل الطراز المعماري نفسه.
ومن خلال تحليله لمفهوم "السلطة"، يبين خالد عزب أنها ليست مجرد فعل سياسي أو قرار فوقي، بل هي شبكة من العلاقات التي تنسجها قوى اجتماعية متنوعة: من العائلة، والطائفة، والطرق الصوفية، إلى مؤسسات الدولة والمجتمع المدني. السلطة لا تعني الإكراه دائمًا، بل كثيرًا ما تعتمد على الإقناع، وتبرير القرار، وخلق مشروعية مقبولة. ومن هنا تأتي أهمية العمارة كأداة رمزية: فهي لا تفرض بالقوة، لكنها ترسّخ بالقناعة.
في ضوء هذه الرؤية، يعود الكاتب إلى مفهوم "العصبية السياسية" كما شرحه ابن خلدون، ليفسر من خلاله تحولات السلطة في مصر: من الأيوبيين إلى المماليك، ثم إلى العثمانيين، وأخيرًا إلى حكم أسرة محمد علي.
وكل انتقال في السلطة، بحسب عزب، ترك أثره في الطابع المعماري، حيث تشكّلت أنماط جديدة للتعبير عن مركزية الحكم، أو توازناته. فبعد دخول مصر في المدار العثماني، ظهرت الطرز المعمارية المستلهمة من إسطنبول، سواء من حيث اللغة الكتابية التركية أو الأنماط الزخرفية، حتى وإن اختلطت بروح مصرية محلية ظلت حاضرة في كثير من التفاصيل.
وفي عصر محمد علي، تبلور التحول الكبير نحو النموذج الغربي في البناء، بما يعكس تغيرًا في الرؤية السياسية والثقافية للدولة. ويوضح عزب أن هذا التحول لم يكن معمارياً فقط، بل عكس رؤية جديدة للدولة، وارتباطها بالحداثة، والتنظيم، والانفتاح على أوروبا.
ويضيف المؤلف طرحًا بالغ الأهمية عن العلاقة بين المدينة والسلطة، حيث يؤكد أن المدينة ليست فقط فضاءً عمرانيًا، بل تمثل بنية سياسية وحضارية، ترتبط بمَن يحكمها، ومَن يبنيها، ومَن يرعاها. ويربط بين نشأة المدن والسياسة منذ العصور الإغريقية، حين ارتبط مصطلح "POLITIEA" الذي يعني اجتماع المواطنين في شؤون الحكم، بفكرة المدينة ذاتها (POLIS). وفي مدينة مثل أثينا، كانت المشاركة السياسية مرتبطة بالبنية العمرانية التي أفرزت مؤسسات مثل الأكروبول ومجلس الجماهير. هذا النموذج يعيد طرح السؤال: ما علاقة البناء بالفعل السياسي؟ وما دور العمارة في إنتاج نظام الحكم أو تعزيزه؟
في نظر خالد عزب، لا يمكن فصل عمارة السلطة عن السياق التاريخي والاجتماعي، فالمباني ليست مجرد آثار ساكنة، بل هي وثائق حية تُجسّد قرارات سياسية، وصراعات اجتماعية، وتوازنات معقدة. وكل عمارة تحوي في طياتها قصة عن عصرها، وأشخاصها، وأفكارها. لذا، فإن قراءة هذه العمارة تحتاج إلى عين تُدرك أن ما يُبنى بالحجر قد يكشف عن ما يُبنى بالسلطة، بل ويضيء دروب المستقبل.
نقلا عن موقع meo


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.