ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة في ولاية "هيماشال براديش" الهندية إلى 78 قتيلا    جرافات الاحتلال تهدم منزلا من ثلاثة طوابق غرب رام الله    اليوم.. طقس شديد الحرارة والعظمى بالقاهرة 37 درجة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    "الهيئة الوطنية": قبول طلبات 13 منظمة مجتمع مدنى مصرية لمتابعة الانتخابات    رئيس البرازيل يقترح إنشاء عملة تجارية بديلة للدولار خلال قمة بريكس    غارات جوية للجيش الإسرائيلى على جنوب لبنان والبقاع تسفر عن إصابات بين المدنيين    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلى لخان يونس    بحضور 4 وزراء ورئيس الهيئة .. وزير الصحة يشهد اجتماع مجلس الإدارة ال 22 للهيئة المصرية للشراء الموحد    حملات مرورية لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    الطرق البديلة قبل غلق الطريق الإقليمى لتنفيذ أعمال إصلاحات لمدة 7 أيام    تنسيق الثانوية العامة 2025.. تعرف علي الحد الأدنى لدرجات القبول فى 15 محافظة    عيار 21 الآن صباحًا.. سعر الذهب اليوم الاثنين 7-7-2025 بعد صعود 40 جنيهًا في الجرام    ارتفاع التفاح.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    محافظ الدقهلية يتفقد سير العمل بمخابز جمصة (صور)    مصدر ليلا كورة: الزمالك يحسم صفقة عمرو ناصر خلال ساعات    بوكيتينو يتهم التحكيم بالتسبب في خسارة أمريكا نهائي الكأس الذهبية    كل ما تريد معرفته عن بطولة السوبر السعودي    وكيله يكشف.. حقيقة رغبة مالكوم في الرحيل عن الهلال السعودي    "قصص متفوتكش".. زوجة النني الثانية تثير الجدل.. وأسباب حبس إبراهيم سعيد    ارتفاع البلدي.. أسعار البيض اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    البترول تبدأ العمل في حفر 11 بئرا جديدا لإضافة نحو 160 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي    القضاء الإداري يلزم المحامين بصرف الزيادة السنوية لمستحقي المعاش    غرق سيارة نقل بداخلها شخصين ومواشى بنهر النيل.. وتواصل جهود الإنقاذ النهري لانتشالهم بقنا    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس.. 7 خطوات للاستعلام عبر بوابة التعليم الفني    النائب فريدي البياضي: تعديل قانون التعليم في أسبوع عبث تشريعي    إدوارد يعلن إصابته بالسرطان وشفائه بعد خضوعه لعملية جراحية    تنسيق الكليات 2025.. خطوات التسجيل لاختبارات القدرات عبر موقع التنسيق الإلكتروني    فات الميعاد الحلقة 18.. حبس أحمد مجدي وتوتر علاقة أسماء أبواليزيد وزوجها    ماذا يناقش الرئيس السيسي ونظيره الصومالي في العلمين اليوم؟    إيه اللي حصل بعد قبلة الزعيم عادل إمام ليكي؟.. الفنانة دنيا ماهر تجيب    وفاة الكاتب والسيناريست براء الخطيب    لافروف: استخدام صندوق النقد والبنك الدولي للحفاظ على الممارسات الاستعمارية الجديدة أمر غير مقبول    «أنا مبحبش الدلع».. خالد الغندور يفتح النار على لاعب الزمالك بعد التصرف الأخير    إدوارد يكشف عن ذكرياته مع أولى أفلامه "بحب السيما"    بلوجر وتمتلك ماركة تجارية.. 15 صورة وأبرز المعلومات عن زوجة محمد النني    نجم الأهلي السابق: ما يحدث داخل نادي الزمالك "تهريج"    إعلام عبري: ذباب مصري يغزو حيفا ويثير الذعر في الأحياء الراقية (تفاصيل)    شقق الإسكان الاجتماعي 2025.. الموعد والشروط الكاملة ل حجز سكن لكل المصريين 7    تردد قناة MBC Action hd الناقلة لمباريات نصف نهائي كأس العالم للأندية 2025    خبير اقتصادي: سيناريو يوم القيامة ووصول الدولار إلى 70 جنيهًا لن يحدث (فيديو)    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    عليك تقدير ما تملك.. حظ برج الدلو اليوم 7 يوليو    إدوارد ينهار من البكاء: «حقن التخسيس دمرتني« (فيديو)    يفاقم حالات مرضية بعضها مزمنة.. خبراء تغذية يحذرون من «غمس البسكويت في الشاي»    تعرف على طريقة إبلاغ الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية عن الجرائم المرورية والجنائية    عاجل| «أديس» تواصل البحث عن المفقودين الثلاثة في حادث غرق البارجة «أدمارين 12»    طريقة عمل الآيس كوفي منعش ولذيذ في الطقس الحار    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 7 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    المكتب الحكومي في غزة ينفي ضلوع «حماس» في الهجوم على موقع إغاثة    اليوم .. «حماة الوطن» يعقد الاجتماع التنسيقي الثاني للأحزاب ضمن القائمة الوطنية    حريق يلتهم شقة سكنية في عزبة النخل    تراجع مفاجئ لنقابة المحامين عن الإضراب الشامل.. ضغوط سياسية أم مناورة تكتيكية؟    مي عمر جريئة و سارة سلامة داخل سيارتها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    اختراق وآلام شديدة.. أطباء يستخرجون «ثعبانا» من بطن مريض (صورة)    أمين الفتوى: يجوز التبرع بنفقات العمرة لشخص.. وهذا من أبواب البر والإعانة على الخير    «لها حدود وضوابط».. أمين الفتوى: لا يجوز الوصية بكل المال إذا كان للموصي ورثة    أمين الفتوى: 6 حالات توجب الغُسل على المرأة.. 3 منها مشتركة مع الرجل و3 تختص بها النساء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين فى الانتخابات الأمريكية
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 11 - 2024

بحكم دستورها، لا تغرد الولايات المتحدة خارج سرب الدول العلمانية. فبعبارة «نحن الشعب»، استهل الآباء المؤسسون، وثيقتهم الدستورية العلمانية، التى ضربت الذكر صفحا عن مصطلحات من قبيل «الرب» أو «الكتاب المقدس». أما الإشارة اليتيمة إلى كلمة «الدين»، فأتت ضمن سياق التأكيد على عدم التمييز بين المواطنين والمواطنات على أساس العقيدة. حيث تنص الفقرة السادسة من الوثيقة ذاتها على عدم إجراء اختبار دينى لأى شخص يرغب فى شغل وظيفة حكومية. كما منع أول تعديل دستورى، عام1791، الكونجرس من إصدار تشريع أو قانون، ينطلق من أساس دينى، يحظر أية معتقدات، أو يعيق حرية الاعتقاد.

واقعيا، يُجمع مراقبون كثُر على أن البعد الدينى يمثل أبرز العوامل المؤثرة فى المشهدين السياسى والمجتمعى داخل الولايات المتحدة. حيث يستعصى فهم التوازنات السياسية للدولة الأمريكية العميقة، دون الأخذ فى الحسبان الدور المحورى للدين وجماعات الضغط المرتبطة بالجمعيات الدينية، فى رسم معالم السياسة الأمريكية، بشقيها، الداخلى والخارجى. فمنذ تأسيس الجمهورية، ادعى عديد من القادة السياسيين، التفويض الإلهى، زاعمين أن الله هو من وجه بإقامة المؤسسات الديمقراطية فى البلاد، إجراء الانتخابات، وإرساء توازن السلطات فى الدستور.
رغم مزاعم القطيعة بين الحداثة الغربية والدين، يظل الأخير عنصرا أساسيًا فى بناء الدول، ونسج أيديولوجية الشعوب الغربية الآخذة بالبروتستانتية. فبينما تعلن الحداثة الأمريكية نفسها حضارة مسيحية بروتستانتية - يهودية، تعتبر الولايات المتحدة أكبر دولة مسيحية، تضم أضخم تجمع للشتات اليهودى على مستوى العالم. وكشف استطلاع للرأى، أجراه مركز «بيو»، مؤخرا، عدم رغبة 51% من الأمريكيين انتخاب رئيس ملحد. وضمن قسم الولاء للدولة، تبرز عبارة «أمة واحدة بأمر الرب». بينما نقشت على عملة الدولار عبارة «نثق فى الرب». لذا، تشير دراسات أمريكية إلى أن تجربة الولايات المتحدة تمثل نقيضا للحالة الأوروبية، بخصوص تدين البشر، وفصل الدساتير بين الدولة والكنيسة.
• • •
تاريخيا، تأسست الهوية الأمريكية على مرجعيتين: أولاهما، سياسية تنبلج من الآباء المؤسسين، حرب الاستقلال، والدستور العلمانى للدولة. وثانيتهما، دينية، بدأت تتبلور مع بداية القرن التاسع عشر، لتُعلى من شأن الأطهار، الذين وطأوا الأراضى الأمريكية فى القرن السابع عشر، ليجعلوا منها رمزا للالتزام بالأخلاق والقيم المسيحية. وهكذا، أضحى الوصول إلى سدة الحكم فى أمريكا مرتبطا، إلى حد بعيد، بتأكيد ولاء واحترام المرشح الرئاسى للرموز الدينية.
يظل الوازع الدينى والانتماء الطائفى دوافع خفية فى تشكيل الخريطة التصويتية للسباق الرئاسى. فمنذ ستينيات القرن العشرين، تداخلت الصلة بين الدين، العرق وأنماط التصويت الانتخابى. لدرجة أنه يمكن لاستطلاعات الرأى ومحللى الانتخابات، تحديد السلوك التصويتى بدقة هائلة، بناءً على هوية الشخص الدينية والعرقية. ووفقا لاستطلاع رأى أجراه مركز«بيو»، العام الماضى، يُعرَف 88% من أعضاء الكونجرس، أنفسهم كمسيحيين. وتهتم صحف ومراكز أبحاث أمريكية بعقيدة كل مرشح وطائفته الدينية، وموقف حملته الانتخابية من الدين. فيما يرى ثلث الأمريكيين أنّ السياسات الحكومية ينبغى أن تدعم القيم الدينية. وفى يونيو الماضى، أظهر استطلاع لذات المركز البحثى، أن أنصار، ترامب، أكثر ميلا من أنصار، بايدن وهاريس، إلى تفضيل دور حكومى أوسع فى دعم الدين، الذى يجب أن يتسع حضوره فى السياسات العامة.
فى مقاله المعنون: «الدين فى السياسة الخارجية الأمريكية»، يذهب الكاتب، والتر ميد، إلى أن أمريكا، رغم علمانيتها تظل مؤمنة ومتدينة حتى النخاع، إلى الدرجة التى تستوجب تسميتها «بلد الرب». ويُرجع ذلك إلى هجرة «البيوريتانيين»، الذين فروا من جحيم التعصب الدوجمائى فى أوروبا القرون الوسطى، ليجدوا الملاذ الآمن فى الأرض الجديدة، التى اعتبروها أرض الميعاد. أما أغلبية الأمريكيين، فتنظر إلى بلادها على أنها تمثل حصن المسيحية، التى تحمل رسالة سماوية يتوجب عليها إبلاغها لكل شعوب العالم. ويعتقد ميد أن المسيحية البروتستانتية، فى نسختيها الصارمة والليبرالية، تمثل أهم أسس الهوية القومية، وتؤثر فى التوجهات الكبرى للسياسية الأمريكية.
• • •
رصدت أستاذة اللاهوت الأخلاقى بجامعة سان أنطونيو، ميل ويب، تعاظم تأثير المسيحيين المحافظين فى السياسة الأمريكية بشكل تدريجى خلال السنوات الخمسين الأخيرة. ففى أواخر سبعينيات القرن الماضى، وضع القسيس، جيرى فالويل، البذرة الأولى لتأثير اليمين المسيحى المتديّن فى السياسة الأمريكية من خلال إنشاء مؤسسة باسم «الأكثرية الأخلاقية»، تتوسل إرساء القيم المسيحية بواسطة السبل القضائية والسياسية.
لطالما أظهرت الاستحقاقات الأمريكية المتعاقبة أهمية تأييد القساوسة لمرشحى الرئاسة. حيث يتهافت المرشحون الرئاسيون للحصول على مباركة رجال الدين، لإضفاء طابع أخلاقى ودينى على حملاتهم، وإظهارهم مؤيدين للقيم والمبادئ، التى تهم المتدينين فى أمريكا، لجذب أصواتهم. وفى مقال نشره بمجلة «ذا كونفرزيشن»، فى يناير الماضى، بعنوان: «اختلاط الدين والكنيسة بالانتخابات الأمريكية»، استعرض، توبين ميلر، أستاذ التاريخ بجامعة مونتانا، تأثير الكنيسة الحيوى فى توجهات الناخبين. وبحسب مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، يعتقد ثلاثة أخماس المؤمنين بالنبوة، أن الانتخابات الحالية قد تكون الفرصة الأخيرة لتخليص أمريكا من النفوذ الشيطانى.
دأب السياسيون الأمريكيون على صبغ الحملات الانتخابية بمسحة دينية. ومن هذا المنطلق، عكف مرشحو الحزبين الجمهورى والديمقراطى، على توظيف الدين أداة خطابية لاستمالة الناخبين المتدينين. فرغم عدم تدينه حرص ترامب على تبنى ذلك النهج. حيث أرجع نجاته من حادثة إطلاق النار عليه، فى يوليو الماضى، إلى العناية الإلهية. وإبان افتتاح مؤتمر ترشحه للرئاسة بولاية أيوا، مطلع العام الجارى، تفاخر بحصول حملته الانتخابية على تأييد القساوسة ورجال الدين بالمقاطعات ال99 للولاية؛ علاوة على دعم أبرز قساوسة الكنيسة المعمدانية التاريخية فى تكساس.
رغم عدم تبنيه إيمان الإنجيليين والكاثوليك، وتناقض سيرته مع تعاليمهم، نجح ترامب فى توظيف دعمهم، لانتزاع فوز صعب برئاسة 2016. ولم يتورع المرشح الجمهورى، الذى ترعرع بالكنيسة المشيخية البروتستانتية، عن التحالف السياسى معهم، ورفع الإنجيل أمام كنيسة القديس يوحنا بواشنطن عقب مقتل المواطن الأسود جورج فلويد. فضلا عن تبنى مطالبهم الانتخابية، كمثل: تجريم الإجهاض، منع زواج المثليين، وإدخال التعليم الدينى إلى المناهج الدراسيّة. ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة «أوكلاهوما»، صموئيل بيرى، أن الإنجيليين يناصرون ترامب، بوصفهم محاربين ثقافيين يتعرضون للملاحقة الثقافية والعرقية، ويرونه ملكهم المحارب والمخلص، الذى يتجاوز كونه مرشحا رئاسيا، ليغدو رمزا وطنيا ومصلحا دينيا. حتى وصل به الأمر حد تشبيه ما يلاقيه من محاكمات وملاحقات قانونية، بما جرى للمسيح من قبل اليهود.
مستجديا دعم الناخبين اليهود أعلن ترامب أمام القمة الوطنية للمجلس الإسرائيلى- الأمريكى بواشنطن يوم 19 سبتمبر الماضى، أنه حالة خسارته الانتخابات الرئاسية، سيلقى باللائمة، جزئيا، على الناخبين اليهود، المغرمين بالتصويت للديمقراطيين. محذرا من أنه إذا صوّت 40%، أو 60% منهم لهاريس، فإنَّ إسرائيل ستتلاشى فى غضون عامين.
• • •
بدورها، أبت هاريس إلا مقارعة ترامب فى ذات الميدان، عبر تسليط حملتها الرئاسية الضوء على وضعها الإيمانى. حيث تحدثت، مؤخرًا، فى كنيستين بولاية جورجيا المتأرجحة. وخلال فعالية أقيمت بولاية بنسلفانيا، المتأرجحة أيضا أعلنت أنها، وبعدما انسحب الرئيس بايدن، فى يوليو الماضى من السباق الانتخابى، داعيا إياها لإكمال المسيرة بدلا منه؛ قامت باستدعاء كاهنها من الكنيسة المعمدانية الثالثة بسان فرانسيسكو، طلبا لدعمه الروحى. وفى حوارها مع شبكة «سى إن إن» الإخبارية، أكدت أنها تصلى مرة أو مرتين كل يوم. مستدركة: «نشأت لأؤمن بإله محب، وأن أؤمن بأن إيمانك هو فعل فأنت تعيش إيمانك».
توشك مساعى ترامب وهاريس لاستمالة الناخبين المتدينين، أن تصطدم بكتلة تصويتية كاثوليكية تشكل نحو 52 مليون نسمة، وتمثل نسبة 20% من سكان الولايات المتحدة؛ وغالبا ما تعد حاسمة فى ولايات متأرجحة، مثل بنسلفانيا وويسكونسن. ففى أواسط سبتمبر الماضى، انتقد، فرنسيس، بابا الفاتيكان، وزعيم نحو 1.4 مليار كاثوليكى حول العالم، المرشح الرئاسى الجمهورى؛ الذى اعتبره غير مسيحى فى آرائه؛ بسبب خطته لترحيل ملايين المهاجرين، والتى نعتها البابا بالخطيئة العظمى. كما انتقد منافسته الديمقراطية بجريرة دعمها حق الإجهاض، الذى تحرمه الكاثوليكية، ويراه البابا اغتيالا. وبعدما حثهم على التصويت فى الاقتراع الرئاسى الحالى، أشفق الحبر الأعظم على الكاثوليك الأمريكيين من اضطرارهم للمفاضلة بين أهون الضررين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.