يجب أن يتوقف الأوروبيون الشرقيون عن استخدام الناتو باعتباره طبيبا نفسيا شخصيا... نحن نريد علاقة جديدة مع أوروبا والغرب. بعيد الاجتماع الأول لرئيسى روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية فى لندن يوم الأربعاء الماضى على هامش مؤتمر مجموعة العشرين، آن أوان استعراض الدروس المستفادة مما طرأ مؤخرا على العلاقات بين روسيا والغرب. ولنتذكر أن روسيا كانت أول من عبر عن التعاطف الكامل والتأييد للشعب الأمريكى بعد الاعتداءات الإرهابية فى الحادى عشر من سبتمبر. والتى على أثرها دخلنا الحرب ضد الإرهاب العالمى، ولذلك كان لدينا الحق أن نتوقع تأييدا لفظيا على الأقل من شركائنا الغربيين، عندما تعرض مواطنونا لهجوم وحشى فى أغسطس الماضى فى أوسيتيا الجنوبية. ولكننا تلقينا ما هو عكس ذلك تماما. فلازال الغرب حتى الآن ينظر إلى روسيا باعتبارها مصدرا للتهديد والمنافسة. وكان الموقف المشترك للولايات المتحدة وأوروبا بصدد جنوب أوسيتيا يدور بالفعل حول ذلك. وخلال تلك الأزمة، صرنا نفهم أن «السلام البارد» بدون ثقة أو تعاون ليس أفضل حالا من «الحرب الباردة» التى كانت بأى معنى من المعانى. واليوم، نستعيد حوارنا مع الناتو، كما تبعث إدارة الولاياتالمتحدة رسائل واضحة للعالم كله بشأن عهد دولى جديد من العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والمساواة. ولذا فهناك أرضية مناسبة لتوقع إحياء الثقة وتوسيع التعاون فى المجالات المختلفة، خاصة فى المجال الأمنى. وقد حازت الفلسفة الجديدة للشراكة على تأييد القادة الغربيين، وقد عرفها الرئيس ميدفيديف باعتبارها مفهوما يعنى «فضاء أوروبيا أطلسيا موحدا من فانكوفر إلى فلاديفوستوك». وتمثل العلاقات البناءة القائمة على الاحترام المتبادل مع روسيا، إلى جانب التخلى عن أساطير الرهاب وعقد الخوف، ما يمكن أن نخرج به من دروس حول كل من الحرب الباردة وأزمة علاقاتنا الحالية مع الغرب. ولكن دائما ما يكون هناك شاة سوداء فى كل العائلات، وبعض البلدان التى التحقت بالناتو والاتحاد الأوروبى مؤخرا تخشى أنها لن يقدر لها النجاح أو الصمود فى أى مواجهة جديدة مع روسيا. وكان من الواضح أن ذلك كان الدافع الرئيسى وراء محاولة ليتوانيا تعطيل قرار الناتو باستئناف العلاقات مع روسيا. ويعبر ذلك عن نظرة النفاق الأيديولوجية. فقد اعتادت دول البلطيق أن تتخذ مواقفها بناء على مواقف الولاياتالمتحدةالأمريكية بكل عام. ولكن الآن، بينما تسير واشنطن فى طريقها لعلاقات جيدة مع الكرملين، قد يبدو تغيير ليتوانيا لتصرفها غريبا إلى حد كبير. تسود هذه المواقف فى أوروبا الشرقية، بالرغم من انتهاء الحرب الباردة منذ فترة طويلة. ونحن لا نريد تكرار الماضى أخطاء بالطبع، ولا نريد أيضا الغوص فى المزيد من السلام البارد. فهناك بدائل أفضل للمستقبل، وخاصة الآن، حيث وحدت المشكلات المشتركة بين روسيا والغرب. فنحن جميعا نواجه الأزمة المالية العالمية، وتهديدات من الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والقرصنة الدولية، وتجارة المخدرات خصوصا العابرة للحدود. وفى عالم اليوم المعولم والمترابط، أصبح لا مفر من تعاون كل طرف مع الأطراف الأخرى. إن الاحترام والثقة المتبادلة هما أساسا التعاون العملى بين الدول، وتمضى الأمور بدون أن نقول ما هى الأشياء التى يجب التركيز عليها أولا: نحن ملتزمون بالكامل بالعمل مع الغرب فيما يتعلق بالتحديات العالمية المشتركة. وحتى نطور تعاوننا وإطاره القانونى أيضا، فإننا نشجع وجود مبادرة جديدة، وهى معاهدة للأمن الأوربى. ولا يقصد بهذا تقويض أى من الهياكل الدولية الحالية، ولكن تهيئة الوضع لإعادة النظر فى الارتباطات المتبادلة وتأسيس قواعد ملزمة للتعامل بين الدول. إنه الإطار القانونى لعهد جديد من العلاقات بين روسيا والغرب. ومن المؤسف أن الأوروبيين الغربيين ما زالوا يواصلون استخدم الناتو باعتباره طبيبا نفسيا شخصيا. ويحاولون علاج عقد النقص لديهم بواسطة الانكباب على المنظمات الدولية. متناسين أنه لم يعد يوجد أساس لهذه العقد بعد الآن؛ فلقد تغير الزمن والمعطيات الدولية. وعليهم أن يتعلموا أيضا دروس كل من السلام البارد والحرب الباردة.