الأصفر الآن: سعر الذهب اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024 في محلات الصاغة    قرار جمهوري بتخصيص قطعة أرض لإقامة مطار دولي بمحافظة مطروح    الجيش الإسرائيلي يسيطر بالكامل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    مهرجان المسرح المصري يعلن عن أعضاء لجنته العليا في الدورة ال 17    رئيس خطة النواب: الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد المصري    رئيس «خطة النواب» يستعرض الملاحظات حول التقرير الختامي للموازنة    1.6 مليار دولار.. صادرات مصر من الصناعات الغذائية تقفز 31% في الربع الاول    تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية اللازم لإدارج بيانات الرقم القومي 1 أغسطس    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    مسؤولون إسرائيليون: إعلان حماس الموافقة على صفقة التبادل فاجئنا    خارجية الاحتلال: اجتياح رفح يعزز أهداف الحرب الرئيسية    إعلام أمريكي: إدارة بايدن أجلت مبيعات الآلاف من الأسلحة الدقيقة إلى إسرائيل    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدًا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    اعتقال 125 طالبا.. الشرطة الهولندية تفض مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة أمستردام    "كرامتي أهم".. كريم حسن شحاتة يكشف لأول مرة أسباب استقالته من البنك الأهلي    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    تفاصيل أزمة أفشة مع كولر.. من «الاستبعاد» ل «العفو»    تين هاج: هزيمة مانشستر يونايتد مستحقة.. ونشكر الجماهير على الدعم    التعليم: الانتهاء من طباعة أسئلة امتحانات الترم الثاني لصفوف النقل    حفلات وشخصيات كرتونية.. سائحون يحتفلون بأعياد الربيع بمنتجعات جنوب سيناء    «الداخلية»: ضبط 55 قطعة سلاح و244 قضية مخدرات وتنفيذ 57464 حكمًا خلال 24 ساعة    منخفض خماسيني.. الأرصاد تحذر من موجة حارة تضرب البلاد (فيديو)    «الداخلية»: شرطة المرور تضبط 16748 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 18 كيلوجرامًا لمخدر الحشيش بحوزة عنصر إجرامي بالإسماعيلية    ب100 ألف طالب وطالبة.. انطلاق امتحانات «صفوف النقل» بالإسكندرية غداً    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    موعد وتفاصيل عرض 18 مسرحية لطلاب جامعة القاهرة    تحذيرات مهمة ل 5 أبراج اليوم 7 مايو 2024.. «الجوزاء أكثر عرضة للحسد»    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    «الصحة» تحذر من أضرار تناول الفسيخ والرنجة.. ورسالة مهمة حال الشعور بأي أعراض    في اليوم العالمي للربو.. تعرف على أسبابه وكيفية علاجه وطرق الوقاية منه    هتك عرضها والقي جثتها بالحديقة.. وصول أسرة الطفلة "جانيت" لمحكمة الجنايات لحضور أولي جلسات محاكمته    إصابة 3 اشخاص في حادث تصادم سياره ملاكي وموتوسيكل بالدقهلية    1.6 مليار دولار حجم الصادرات الغذائية المصرية خلال الربع الأول من 2024    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    «أنا مركزة مع عيالي أوي».. ياسمين عبدالعزيز تكشف أهم مبادئها في تربية الأبناء    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين عاشوا ألف عام!
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 12 - 2023

أكرر دوما عبارة أومن بها إيمانا كبيرا هى أن القراءة لا تخيف، ولكن عدم القراءة هو الأمر المرعب، فمهما كانت الأفكار صادمة أو غريبة أو غير تقليدية، فإنها تحرك العقل، وتعلم الحوار، وتدفع إلى التأمل، أما الجهل، والهروب من الأفكار، أو الخوف منها، فإنه يصيب المرء بالجمود، ويدفع إلى التبلد والتحجر.
وكم أسعدنى أن يصدر هذا الكتاب الضخم فى أكثر من 750 صفحة عن (ديوان) للنشر، لمؤلفه جلال الشايب، حاملا سيرة وأفكار تسعة من كبار أهل الفكر والفلسفة والرواية والعلم الغربيين، فى مجلد واحد مدهش، يستوفى عالم كل واحد، وأبرز مؤلفاته، ويشرح أفكاره ببساطة ويسر، ويمنح القارئ طوفانا من المصادر والمراجع عنهم.
السفر الكبير، الذى يمكن وضعه بين أفضل إصدارات 2023، يحمل عنوانا دالا هو «رجال عاشوا ألف عام»، تعبيرا عن امتداد تأثير هؤلاء بأفكارهم، أخذا وردا، وتسليما وجدلا، والشخصيات التسعة هم: جون سيتوارت مل، وتشارلز دارون، وكارل ماركس، وفيودور ديستويفسكى، وليف تولستوى، وفريدريش نيتشه، وسيجموند فرويد، وبرتراند راسل، وألبرت أينشتاين.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التى يكتب عن كل هؤلاء، فإن وضع هذه الشخصيات معا فى كتاب واحد، وبهذه المعلومات والدراسات المعمقة، يجعل القارئ أمام صورة متكاملة تقريبا لأبرز الأفكار التى شكلت التحولات الأساسية فى الحضارة الغربية والإنسانية، ويصنع علاقات بين تلك الاجتهادات المفصلية، تؤكد على حرية التفكير والنشر، وأهمية الجدل والنظرة النقدية.
قد يبدو لأول وهلة أنه لا توجد صلة بين عالم وروائى وفيلسوف، عاش كل واحد منهم فى بلد مختلفة، أو فى زمن مغاير، ولكنك لو تأملت قليلا لأدركت أنه لولا النظرة النقدية، والحرية النسبية التى توفرت لهم بنشر آرائهم، ومناقشتها، لما كان لهؤلاء أن يغيروا شيئا.
وليس المقصود أن يوافق الناس على آراء هؤلاء، ولكن أن يفكروا فيها، ويناقشوها، وأن ينشأ ما يسمى «بالجدل الحر والخلاق»، وليس «الجدل العقيم أو الأحمق»، وليس صحيحا أن هذه الآراء الثورية أو المختلفة قد وجدت قبولا أو تسليما كاملا، لا فى عصرها، ولا حتى اليوم، ولكنها أشعلت جدلا وحوارا، وحققت تأثيرا مستمرا، وغيرت نظرتنا إلى العالم، وإلى أنفسنا.
هنا القيمة الأساسية للفكر المختلف، وهذا ما توضحه سير هؤلاء الكبار، مهما اتفقت أو اختلفت معهم، فالشىء المؤكد أنك لن ترى الأمور مثلما كانت من قبل، وستعمل آلة العقل بنشاط، وربما ستجد أيضا فى حياة كل واحد منهم، وفى سيرته وكفاحه وشجاعته فى الدفاع عن أفكاره، نموذجا فريدا للبحث والاجتهاد.
هؤلاء لم يفكروا نيابة عنا، ولكنهم طلبوا أن نشاركهم التفكير فيما يعتقدون، ومن المستحيل منع فكرة أو رأى، فجميع الشخصيات التى تضمنها الكتاب ماتوا منذ سنوات، ولكن أفكارهم ما زالت حاضرة ومؤثرة، وحتى لو تجاوزتها أفكار أخرى، فقد صاروا جزءا من تاريخ الفكر الإنسانى، لا يمكن أن تفهم الأفكار الحالية، اتفاقا أو اختلافا، إلا بالعودة إلى هؤلاء المفكرين.
وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التى أقرأ فيها عن كل هذه الشخصيات، بل إننى شاهدت أفلاما عنهم، فإننى وجدت الجديد فى الدراسات الشيقة، التى كتبها جلال الشايب بوعى وفهم، فما أسهل أن يتم رص معلومات سطحية عن كل شخص، دون وضعه فى سياق عصره وزمنه، ودون الإشارة إلى طبيعة شخصيته بكل تناقضاتها، ودون ربط الشخصية بالأفكار السابقة عليها، أو اللاحقة لها، ودون إظهار قيمة الثورة الذى أحدثتها.
ولكن الكتاب يمتلك عمقا وتماسكا جديرا بالإعجاب، لا تفسير له إلا بأن مؤلفه قرأ واستوعب وهضم أولا، ثم كتب وسرد محللا ومفسرا، كما أنه يمتلك شغفا معرفيا، وصبرا جميلا فى العمل الدءوب بحثا واستقصاء، ولديه منهج مهم جدير بالالتفات.
إنه يجمع بين دقة الدراسة، ومتعة السرد القصصى، وأظن ذلك مصدره أن المؤلف مهندس وروائى فى نفس الوقت، وقبل كل ذلك هو قارئ ممتاز، يؤمن بحرية الفكر، وبقدرة الإنسان على التغيير.
من هذا المزيج خرج هذا العمل، الذى يمكن اعتباره تسعة كتب فى كتاب، فهناك توازن بين الأجزاء، وسلاسة فى الحكى، مع وضع مؤلفات كل شخصية كجزء أساسى من سيرتها، فلا يوجد فاصل بين هؤلاء الرجال وأفكارهم، والتحليل والتفكيك يشمل الاثنين معا، وهو منهج لا شك فى براعته ومناسبته، بحيث تتكون صورة كاملة عن العصر والشخصية والأفكار، فى سبيكة واحدة لا تنفصم عناصرها.
لن تقرأ سيرة فرويد، مثلا، منفصلة عن كتبه المهمة التى غيرت رؤية الإنسان لنفسه، وللجوانب اللا شعورية، لذلك ستجد تحليلا لكتب؛ مثل «تفسير الأحلام»، و«خمس حالات فى التحليل النفسى»، ولبعض كتبه الأخرى، مثل كتابه الشهير عن «ليوناردو دافينشى».
والأمر نفسه ستجده، مثلا، فى سيرة ديستويفسكى التى تمتزج مع مؤلفاته الكبرى، وخصوصا «الجريمة والعقاب»، و«الإخوة كارامازوف»، وفى سيرة نيتشه مثلا، حيث تجد تحليلا واقتباسات ونظرات عميقة حول كتبه الكبرى الشهيرة مثل «هكذا تحدث زرادشت».
كل كتاب هو جزء من السيرة، بل لعل مفهوم السيرة هو فى جوهره سيرة التطور الفكرى والأسلوبى والفلسفى، وهو أيضا «سيرة الفكرة» منذ أن كانت بذرة تؤرق كاتبها، وتدفعه إلى التأمل، والبحث، حتى يبلورها فى رواية، أو كتاب فى الفلسفة أو علم النفس، أو فى شكل معادلة رياضية، أو فى صورة نظرية علمية.
وفى كل مرحلة جدل ونقاش، مع الذات، قبل أن يكون مع الآخر، ومشوار طويل شاق، حتى تجد الفكرة طريقها للقبول، ويجد المفكر فرصة للاعتراف به.
فكرت، وتساءلت بعد القراءة: هذا ما قدمه مفكرو الغرب، فماذا قدمنا نحن فى القرون الأربعة الأخيرة؟
شكرا جلال الشايب على هذه المتعة الخالصة: متعة الأفكار، ومتعة سرد هذه الأفكار، وسرد معاناة أصحابها، وشجاعتهم فى التعبير عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.