هو ليس جيمى كارتر بحال من الأحوال. فقد زار أوباما براغ الأسبوع قبل الماضى للتوقيع على اتفاقية الأسلحة الاستراتيجية مع الرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف. والأسبوع الماضى، استضاف الرئيس الأمريكى 50 من قادة العالم لمناقشة سبل تعزيز إجراءات الأمن النووى. وفيما بين الحدثين، أعلن عن إستراتيجية عسكرية جديدة تقيد بشدة الحالات التى تلجأ فيها الولاياتالمتحدة إلى استخدام ترسانتها النووية. يبدو أوباما كقائد يتحكم إلى حد كبير فى أجندته. وتشكل هذه الأحداث الثلاثة محطة مهمة فى الطريق الذى رسمه فى خطابه فى العاصمة التشيكية قبل عام مضى. ومازالت أمامنا سنوات ضوئية قبل أن نصل إلى العالم الخالى من الأسلحة النووية الذى تحدث عنه الخطاب. لكننا كففنا عن السير فى الاتجاه الخاطئ. وقد استعادت المبادرات الأخيرة زخم التخفيض المتبادل للأسلحة. ولا يبدو انهيار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أمرا محتما. يبعد هذا السيد أوباما شيئا ما عن الصور الكاريكاتورية التى شاعت عنه منذ شهرين فقط مضيا. وقتها، كان حتى المراقبون المتعاطفون معه يعقدون مقارنات جارحة مع نكبات سياسة رئاسة كارتر الخارجية. وراج القول بأن السيد أوباما أنفق عامه الأول فى إلقاء الخطب عن استعادة هيبة أمريكا. وبدا أنه سيقضى العام الثانى فى تبرير فشله. ويتعارض أسلوب الرئيس الذى يقوم على الشرح والإقناع مع نفاد صبر الثقافة السياسية الحديثة التى يصوغها 24 ساعة من الأخبار المتواترة. ألم يعد بالتوصل إلى السلام فى الشرق الأوسط وإقناع الإيرانيين بالاستماع إلى صوت العقل؟ لكن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يقتربوا من التوصل إلى اتفاق، ولاتزال طهران تواصل مساعيها لحيازة القنبلة النووية. ويرى عدد متزايد من النقاد أن التدخل فى القضية أشبه بمحاولة للترضية. وكان إدراك الفشل دائما سابقا لأوانه. وكان يعكس، إلى جانب نفاد الصبر، اعتقادا غير واقعى بأن أقوى أمة فى العالم يمكنها أن تفعل ما تريد. وإذا كان هذا صحيحا فى يوم من الأيام، فمن المؤكد أنه لا ينطبق على عصر تنافس فيه قوى جديدة الصدارة الأمريكية. ومن غير الممكن «معالجة» كل تحديات السياسة الخارجية سواء طموحات إيران النووية، أو الحرب فى أفغانستان، أو الصراع العربى الإسرائيلى. بل يجب مواجهة بعضها. وهذا ما دعا جورج كينان لابتكار تعبير الاحتواء لوصف السياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة. وسيكون طريق العلاقات الثنائية مع القوى المنافسة سواء كانت روسيا أو الصين مليئا بالمطبات. وكانت نقطة التحول بالنسبة للسيد أوباما هى تمرير قانون الرعاية الصحية. ولم يكن لأحد أن يتهم المعلقين بالتساوق: زعيم محاصر يصبح بين ليلة وضحاها عملاقا ينجز ما فشل فى تحقيقه أكثر أسلافه مكانة. هذه الأشياء تنمحى. فقد كان من الصعب أن نجزم بموافقة الرئيس الصينى، هو جنتاو، أو عدم موافقته على حضور قمة واشنطن فى الأسبوع الماضى لو أن السيد أوباما ظل يحارب فى خنادق الكونجرس. ويقول أصدقائى من الدبلوماسيين إنه ربما ما كان ليحضر. وعلى أية حال، يعنى إدراك أنه أعاد بناء سلطته السياسية فى الداخل أنهم يأخذونه على مأخذ الجد فى الخارج. كما يدعم السيد أوباما الإشارات التى تفيد بخروج الاقتصاد الأمريكى قويا من الركود العالمى. ومن المتوقع أن يتراجع الديمقراطيون فى انتخابات التجديد النصفى، لكن الانهيار الذى تنبأ به البعض قبل أسابيع قليلة فقط لم يعد أمرا مؤكدا. من جانب الرئيس، تشير الطريقة التى تحقق بها الانتصار الصحى إلى عزم كان غائبا قبل ذلك. وكما أخبرنى أحد سكان واشنطن ثاقبى الرأى، فقد كف الرئيس أوباما عن التصرف كرئيس وزراء وعمل بدلا من ذلك كرئيس. إن النجاح فى السياسة يولد النجاح. لكن مثلما كان من الحمق التقليل من شأنه قبل أسابيع مضت، سيكون من الخطأ تخيل أن الأمور ستسير بسلاسة من الآن فصاعدا. فتصور الرئيس للسياسة الخارجية يقوم على أن الولاياتالمتحدة قوة ضرورية لحماية أمن العالم لكنها غير كافية. ويعنى هذا أنه سيكون عليها دائما المساومة. وفى يوليو الماضى، شبهت السيد أوباما بأستاذ فى الشطرنج يلعب أكثر من مباراة فى وقت واحد. فبدلا من معالجة تحديات السياسة الخارجية الواحد تلو الآخر، قام بالنقلات الافتتاحية فى كل المباريات المهمة. ومنذ ذلك الحين راجت هذه الاستعارة، وما زالت تعد وصفا جيدا لمقاربته. ومع ذلك يثبت أن كل مباراة أكثر صعوبة مما كان يتخيل. لقد أبلغ البيت الأبيض متأخرا عما يجب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إن وقف بناء المستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة شرط ضرورى لاستئناف مفاوضات حل الدولتين. لكن هذا فى حد ذاته لا يضمن تقدم العملية، ولا يعود فقط إلى أن الفلسطينيين لم يتخذوا بعد موقفا جديا من التسوية. وإذا أراد السيد أوباما أن القيام بدور حقيق كوسيط للتوصل إلى اتفاق سلام، فعليه تقديم اقتراحاته الخاصة التى تشكل أساسا للمحادثات. كما سيكون عليه إلى حد ما إيجاد سبيل لجر حركة حماس الفلسطينية إلى العملية،وهذا أمر صعب من الناحية السياسية. وبالمثل، تؤكد تصرفات الرئيس الأفغانى، حامد قرضاى، الغريبة صعوبة ضمان مجرد التعادل فى الصراع ضد طالبان. ويشكل الشلل السياسى الذى يصيب بغداد خطرا على الجدول الزمنى لانسحاب القوات الأمريكية من العراق. ويمكننى مد الخط على استقامته. فتوقيع روسيا على معاهدة ستارت جديدة لن يخمد طموحاتها لإعادة تثبيت نفوذها فى الفضاء السوفييتى السابق. وذوبان الجليد الذى تشهده العلاقات مع الصين قد يكون قصير العمر مثلما كان حال الجمود الذى سبقه. وهناك إيران. والتحديات الأخرى يمكن معالجتها، وإن كانت بصعوبة. وإذا لزم الأمر، يمكن أن يلعب أوباما من أجل التعادل. وتدخله طموحات طهران النووية فى منطقة أكثر خطرا سواء من منظور وضع أمريكا الاستراتيجى أو السقوط تدريجيا فى الداخل فى حال حصول إيران على القنبلة. وهذه هى المباراة التى تنطوى على أعلى قدر من المخاطر، ويمكن، بشكلها الحالى، أن يخسرها السيد أوباما إلى حد كبير. وفى مكان آخر، يمكن للرئيس أن يفعل الكثير لمساعدة نفسه. وبرغم غضب الأوروبيين، فإنهم يعتبرون حلفاء قليلى الكلفة، فكل ما يريدونه بالأساس أن يقال لهم إنهم مطلوبون. وعلى أوباما كذلك أن يولى اهتمامًا أكبر لليابان ذلك الحليف الاستراتيجى الذى يحاول، كالولاياتالمتحدة نفسها، التوافق مع صعود الصين. وبتخلصه من التشابه بينه وبين السيد كارتر، يسهل السيد أوباما الحياة على نفسه؛ ولا يعنى هذا أنه يستطيع حل مشكلات العالم. فبلوغ المرحلة الأخيرة من المباراة فى الشطرنج أو السياسة الخارجية ليس ضمانا للنجاح. وهو من ناحية أخرى بداية مفيدة جدا. The Financial Times Limited 2010