«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب :العرب.. بين قمم لا تنتهى وأحلام لا تجىء
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 03 - 2010

سقطت من أعمارنا سنوات طويلة أصبحت الآن بالعشرات ونحن ننظر بأعيننا ونتطلع بقلوبنا إلى كل قمة عربية قادمة.. كنا نرسم الأحلام ونتطلع إلى الأفق البعيد ونتصور أمة موحدة وشعوبا تدرك مسئولياتها فى الحياة وحكومات تخرج من هذه الأرض من خلال انتخابات حرة واختيارات سليمة ووعى كامل بقضايا وطموحات كل إنسان عربى.. ما أكثر القمم التى عبرت أمامنا ونحن نطارد أحلامنا فى كل عاصمة عربية نشد إليها الرحال.. قمم عربية كثيرة جدا شهدت الكثير من بيانات الشجب والإدانة حتى إننا اعتدنا على هذا النوع من ردود الأفعال.. أن ندين وأن نشجب هذا آخر مدى وصلنا إليه ووصل إليه حكامنا وهم يشربون القهوة العربية المرة التى اعتدنا أن نشربها معهم كل صباح..
قمة جديدة.. مزيد من الترهل العربي
قمم عربية كثيرة.. اجتماعات هنا وبيانات هناك.. ولم يخل الأمر من خناقات وخلافات ومعارك وصلت إلى مستوى الشتائم.. وكنا نتحمل كل شئ فى سبيل أن يبقى هذا الحلم حتى وإن أصبح فى نهاية المطاف مجرد سراب كاذب وآمال عجزت أن تقاوم واقعا عربيا ترهل واستسلم واستكان..
تأتى اليوم القمة العربية فى مدينة سرت فى ليبيا حيث تتكدس وتتزاحم اليوم على مائدة الحكام العرب عشرات بل مئات الملفات المؤجلة منذ سنوات بعيدة.. كلمات لم يعد فيها جديد.. وملفات أصابتها أمراض التخمة والترهل والشيخوخة فى وقت واحد.. تصريحات نارية هدأت.. وقصص وعنتريات.. وبيانات شجب وإدانات.. ولكن لا شىء بعد ذلك كله غير أصداء تحملها الغرف المغلقة لأصوات لا تحمل أى شىء جديد..
يجتمع الزعماء والحكام العرب اليوم فى سرت برئاسة زعيم عربى مخضرم هو العقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية وقد شاهد هذه الاجتماعات قبل ذلك مرات كثيرة وانتقلت أمامه عشرات الصور وعشرات الزعامات وعشرات الأشخاص وعشرات البيانات الختامية ولكن شيئا لم يتغير.. يجلس الزعيم الليبى معمر القذافى قائد الثورة الليبية وأمامه اليوم عشرات الملفات المؤجلة.. وقد يتساءل البعض من أين يبدأ الحوار.. وما هى القضايا التى ستكون لها الأولوية.. وما هو موقف الحكام العرب من هذا الواقع الكئيب الذى يحيط بهذه الأمة.. وما هو الأمل الذى يمكن أن تقدمه القمة العربية فى ليبيا الليلة إلى شعوب أجهدتها الإخفاقات والانكسارات ومواكب اليأس والتراجع.. أى القضايا ستكون الليلة فى قائمة الأولويات أمام الحكام العرب..
العرب وفلسطين.. شجب وإدانة واستنكار
فى أول قمة عربية عقدت فى مدينة أنشاص فى مصر فى شهر مايو عام 1946 أكدت قمة الزعماء والحكام العرب يومها على عروبة فلسطين وأن مصيرها مرتبط تماما بمصير دول الجامعة العربية وأن قضية الشعب الفلسطينى هى قلب القضايا العربية..
بعد هذه القمة الأولى جاءت حرب فلسطين وإعلان بلفور ومشروع التقسيم وخرجت الجيوش العربية تحمل هزيمة ثقيلة أمام عصابات الكيان الصهيونى وتدفقت مواكب الملايين من المهاجرين الفلسطينيين إلى كل بقاع الدنيا تعلن عصر الشتات وهو بداية جريمة بشعة تمثل واحدة من أكبر الجرائم فى تاريخ السطو على الأوطان.. منذ هذا التاريخ.. ومنذ اجتمعت أول قمة عربية فى أنشاص ولا تخلو قمة عربية من مشروع بيان يدين.. أو قرار يشجب.. أو احتجاج معلن أو صامت أو حديث عن المشروع الصهيونى الذى استباح الأرض العربية واغتصب وطنا بأكمله..
مرت سنوات طويلة والليلة وفى مدينة سرت فى ليبيا سوف تكون قضية القدس صاحبة الأولوية فى أحاديث وحكايات الحكام العرب.. سوف يتحدثون الليلة كثيرا عن آلاف المستوطنات التى أقامتها إسرائيل فى القدس.. وهذا العدد الجديد الذى أطلقته الحكومة الإسرائيلية أخيرا ليتجاوز 1600 وحدة سكنية مرة واحدة وسوف يتحدثون عن مشروع هدم المسجد الأقصى ومعبد سليمان والحرم الإبراهيمى ومسجد بلال وعمليات التخريب التى تشهدها مدينة القدس على يد القوات الإسرائيلية.. لقد سمع الحكام العرب المجتمعون الآن فى سرت آخر تصريحات زعيم العصابة الصهيونية نتنياهو وهو يؤكد أن البناء فى القدس لن يتوقف وأنه لا فرق على الإطلاق بين البناء فى القدس والبناء فى تل أبيب،
لأن القدس ليست من المستوطنات ولكنها عاصمة الدولة اليهودية.. هذه صورة من صور التحدى الصارخ التى يمارسها الكيان الصهيونى فى فلسطين طوال ستين عاما.. على امتداد هذه السنوات لم يستطع الحكام العرب أن يفعلوا شيئا وفى الوقت الذى نجحت فيه إسرائيل فى إقامة دولة على أحدث ما تقوم عليه الدول المعاصرة كان العرب يرجعون عشرات بلا مئات السنين للوراء..
إذا كانت الحكومات العربية قد عجزت طوال 60 عاما من اتخاذ موقف من المشروع الصهيونى فى فلسطين فهل يمكن لها الليلة أن تتخذ موقفا فى مدينة سرت الليبية ربما أنقذ المدينة المقدسة قبل فوات الأوان.. هل يمكن أن يصدر شىء يخص القدس العربية والمسجد الأقصى يختلف عن بيانات سابقة بالشجب والإدانة.. وهل يمكن أن ينجح الحكام العرب فى هذه القمة فى تصفية الخلافات بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة والمتحاربة.. هل يمكن أن يجلس المسئولون فى حماس والسلطة الفلسطينية ويفتحون المعابر بين غزة ورام الله..
هل يمكن أن تنتهى هذه المهزلة الدامية التى جعلت من القضية الفلسطينية أضحوكة أمام العالم حينما انتهت القضية إلى مستنقعات من الدم بين الأخوة الأعداء..
لا جديد في قمة سرت
ماذا ينتظر الحكام العرب فى قمة سرت الليلة.. فى عشرات القمم السابقة كانت هناك أحاديث مكررة عن حال التمزق والتشرذم والخلافات بين الدول العربية.. قمة الخرطوم فى أغسطس 67 لجمع الصف العربى بعد نكسة يونيو.. قمة الرباط فى ديسمبر 69 لوقف نزيف الدم بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات المسلحة الأردنية.. قمة أخرى فى الرباط فى نوفمبر 74 لاعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطينى.. قمة بغداد فى مايو 78 التى رفضت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.. ثم كانت قمة تونس وانتقال جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.. وبعد ذلك شهدت العواصم العربية قمما اخرى عام 1980 فى عمان و81 فى فاس ثم الدار البيضاء فى 85 ثم الجزائر فى 88 وقمة بغداد فى عام 90 ثم قمة الغزو العراقى للكويت فى أكتوبر 90.. مسلسل طويل من القمم العربية التى كانت تأكيدا لانقسام هذه الأمة أكثر منها دعما لوحدتها..
لا شىء تغير فى العالم العربى شعوبا وحكومات حتى يمكن لنا أن نضع آمالا على قمة سرت فى ليبيا.. فالعالم العربى مازال يواجه مصيرا غامضا ومستقبلا أبعد ما يكون عن الاستقرار.. أمام قمة سرت صورة عربية قبيحة للغاية:
ملفات مشتعلة تواجه القمة
أكثر من دولة عربية تواجه صراعات وحروبا داخلية.. مازال العراق محتلا من القوات الأمريكية وانسحب العالم العربى تماما من بلاد الرافدين وتركها حائرة ما بين القوات الأمريكية الموجودة على التراب العراقى والقوات الإيرانية المرابطة على الحدود تنتظر نصيبها من الغنيمة.. لا أحد يعرف فى العالم العربى تفاصيل ما جرى للعراق طوال سنوات الاحتلال.. لا أحد يعرف ماذا بقى لشعبه من ثرواته والقوات الأمريكية تستنزف كل يوم احتياطيات البترول العراقى دون رقابة دولية أو شعبية.. لا أحد يعرف ماذا نهبت أمريكا من آثار العراق تراثا وحضارة وبشرا.. أين علماء العراق وأين جامعاته ومكتباته..
وتاريخه وحضارته كل ما بقى من صورة العراق هو القتل اليومى والدمار الذى لم يترك للعراقيين شيئا من وطنهم.. لقد انهارت كل المؤسسات العراقية فى التعليم والأمن والدفاع والصحة والزراعة والصناعة والعلوم والآداب والفنون.. لقد استطاعت القوات الأمريكية أن تدمر كل مقومات الدولة العراقية.. والعرب صامتون..
إذا كان هذا حال العراق المحتل.. فإن اليمن تواجه حربا أهلية منذ سنوات ولا احد يعلم خسائرها فى الأرواح والثروات والأمن.. وما حدث فى اليمن حدث فى السودان بصورة أسوأ فى استقلال الجنوب وهو قادم لا محالة ومآسى دارفور.. وأصبح التقسيم هو الصورة الأرجح للوطن السودانى القادم..
وفى الصومال.. انهار كل شىء ولم تعد هناك دولة وخرج الصوماليون يعلنون الحرب على العالم كله فى البحار وعلى الشواطىء.. وتحولت الأرض الصومالية إلى مرتع لكل من يريد شيئا من دول الجوار..
والغريب أن الحكومات العربية لم تستوعب حتى الآن خطورة ما يجرى فى الصومال وأنه تهديد للوجود العربى فى البحر وباب المندب والقرن الأفريقى..
وفى لبنان.. لا يستطيع أحد أن يرسم صورة لغد قريب مستقر ومتسامح بين الطوائف اللبنانية التى ظلت شهورا طويلة تبحث عن طرف ثالث يجمع أبناء الوطن الواحد على كلمة سواء.. مازال لبنان غير قادر حتى الآن على أن يستعيد قراره واستقراره وتطلعه نحو غد أكثر أمنا واستقرارا..
المحاور وتعزيز الانقسام العربي
إن لغة المحاور والاستقطابات التى سادت فى السنوات الأخيرة فى العلاقات العربية أصبحت الآن تهدد كل الثوابت التى قام عليها الكيان العربى.. لقد تخلى العرب عن العراق فى محنته أمام الاحتلال الأمريكى.. وتخلت الحكومات العربية عن الصومال وهو يواجه تحديات ضارية.. وتخلت الدول العربية عن السودان وتركته يواجه مستقبلا غامضا فى ظل التقسيم..
وشاركت أطراف عربية كثيرة فى إشعال المواجهات فى لبنان.. واستطاعت أمريكا أن تقسم العالم العربى إلى معسكر للسلام وآخر للإرهاب وأن توزع الأدوار على الأنظمة العربية واستطاعت إسرائيل أن تلعب دورا فى إشعال الفتن بين الدول العربية وكثيرا ما اختلفت حكومات وتراجعت حكومات أخرى فى قرارات إدانة أو احتجاج على الإجراءات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة بل إن إسرائيل أشعلت نيران المواجهة بين أبناء الشعب الفلسطينى وأصبح التفاوض بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أقرب كثيرا من التصالح بين فتح وحماس..
إن لغة المحاور فى العالم العربى تعيد إلى أذهاننا صور الماضى البعيد التى استهدفت إهدار إمكانيات هذه الأمة فى أحلاف تخدم مصالح الغرب ومشروعاته التوسعية، هذا محور يساند أمريكا وإسرائيل وهذا محور آخر يتبع إيران وهذا محور ثالث يتجه نحو أوروبا.. واستطاعت إيران أن تخترق العالم العربى بقوة من خلال حزب الله ونشأ محور عربى كامل يساند إيران ويدعمها بقيادة سوريا.. و ما بين محور للسلام وآخر للمقاومة تحول العالم العربى إلى حقل تجارب للآخرين.. وهنا انقسم العالم العربى مرة ثانية حول البرنامج النووى الإيرانى.. كان الانقسام الثانى مع إيران أو ضدها.. واستطاعت الإدارة الأمريكية أن توجه القرار العربى فى أكثر من اتجاه.. وقد ترتب على هذه التقسيمات والمحاور أن سطت دول عربية على أدوار ومهام دول أخرى وهنا غاب التنسيق وغابت هيبة القرار الموحد والإدارة الواحدة وتحول العالم العربى إلى كيانات صغيرة هشة..
بل شهدت الساحة تجاوزات خطيرة بين الشعوب وصلت إلى حد المواجهات العسكرية كما حدث بين الحوثيين فى اليمن وقوات المملكة العربية السعودية.. وما حدث من مواجهات إعلامية ضارية بين مصر والجزائر بسبب مباراة فى كرة القدم وما حدث من تدخلات بين سوريا ولبنان وما تواجهه عواصم عربية كثيرة تعانى عدم الاستقرار مثل الصومال وجيبوتى..
فى ظل هذا الانقسام ظهرت كيانات صغيرة تحاول أن تصبح شيئا كبيرا، بينما تقاعست كيانات كبيرة عن أداء دورها وتحمل مسئولياتها فتم تهميشها وتراجع دورها، وقد ظهر ذلك واضحا فى مواقف محدودة حينما اختارت قطر أن تلعب دورا فى المسألة اللبنانية أو قضية دارفور أو المصالحة بين دول الخليج وإيران..
أجندة طويلة أمام العرب في سرت
هذه الصورة التى يعيشها العالم العربى تبدو واضحة تماما أمام الحكام العرب فى قمتهم فى ليبيا اليوم.. فهل يستطيع الزعماء والقادة العرب أن يخرجوا بشعوبهم وأمتهم من هذا المأزق التاريخى الصعب.. أن معظم الشعوب العربية الآن تعانى آثار أزمة اقتصادية حادة ترتب عليها عقد قمة عربية اقتصادية فى الكويت لبحث تطورات الاقتصاد العالمى وأثره على الموارد العربية..
وهناك قمة ثقافية يجرى الآن بحث إمكانية عقدها لمناقشة مستقبل الثقافة العربية حضارة ولغة وتاريخا.. وهذا يعنى أن الأزمة لم تعد فقط قاصرة على الجانب السياسى ولكنها انتقلت إلى هذا الكيان الاقتصادى الضخم وهذا الكيان الثقافى والحضارى، الذى يتعرض كل يوم لعمليات تهديد واضحة وصريحة.
أمام الحكام العرب أجندة طويلة ليتهم يضعون بضع قضايا منها فى دائرة القرار والتنفيذ..
كيف نواجه ما يحدث فى فلسطين الآن أمام مؤامرات التوسع الاستيطانى.. كيف يمكن استخدام ما بقى من الأوراق فى هذه المعركة كيف تمارس الحكومات والشعوب حقها وواجبها فى رفض وتعرية ما يحدث فى القدس.. هناك وسائل كثيرة لذلك أن تقطع الدول العربية علاقاتها السرية مع إسرائيل فى التبادل التجارى والسياحى والصفقات السرية المشبوهة ورحلات رجال الأعمال والمسئولون التى لا يعلن عنها.. وأن توقف السلطة الفلسطينية المعاملات، التى تجرى بين المسئولين فيها والكيان الصهيونى..
وأن تلغى المهرجانات والاجتماعات واللقاءات، التى تشارك فيها وفود إسرائيلية.. أن إسرائيل تدخل الآن اقطارا عربية كثيرة بعيدا عن عيون الإعلام والسياسة وهناك صفقات تجارية وبترول وغاز واتصالات.. والمطلوب أن تمارس الشعوب حقها فى منع كل هذه الصورة العلاقات المشبوهة سواء كانت فى السر أو فى العلن.
هل تتحدى سرت الاستقطاب الخارجي؟
هل يستطيع الحكام العرب رفض السياسة الأمريكية فى دعم القرار الإسرائيلى بالحق والباطل.. هل يمكن للحكومات العربية أن تفرق بين أمريكا الصديق وأمريكا العدو الذى يساند إسرائيل أن القمم العربية ما زالت تتحدث عن السلام والمفاوضات والاستقرار فى المنطقة رغم أن كل هذه المصطلحات لا تعنى شيئا بالنسبة لإسرائيل.. هل يمكن للقادة العرب أن يعيدوا حساباتهم بشأن العلاقات مع إيران خاصة أن إيران لم يثبت بعد أنها امتلكت بالفعل السلاح النووى، فهل نسى العرب السلاح النووى الحقيقى فى إسرائيل وأعلنوا الحرب على السلاح النووى الإيرانى الذى لم يظهر بعد..
تبقى بعد ذلك نقطة مهمة، وهى أن المحاور العربية التى تعمل لحساب قوى أخرى تمثل أكبر خسارة لحقت بالعالم العربى فى السنوات الأخيرة.. أن العالم العربى سيكون قويا بوحدته وتضامنه وإمكاناته، أما الاستقواء بأطراف أخرى فهو خسارة للجميع..
هناك أطراف كثيرة تسعى للتسلل إلى العالم العربى هناك قوات أجنبية تعبث فى مياهنا وقواعد تنطلق من أراضينا ومشروعات توسعية ترتكز على مواردنا وإمكاناتنا، وهذا يعنى أننا خاسرون فى كل الأحوال.. كل ما نتمناه اليوم من جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى أن تشهد ليبيا مؤتمرا عربيا يتناسب مع هذه اللحظة القاسية، التى يعيشها العرب شعوبا وحكومات.
لقد سئمنا رحلة الأحلام التى استنزفت سنوات العمر، ورغم هذا لم نعد نملك شيئا غير أن نحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.