ضاق صدر الحكومة فى مصر بحيث لم تعد تحتمل حتى الانتقادات والمشاغبات الصورية. آية ذلك أنها فقدت أعصابها إزاء محاكمة صورية للحزب الوطنى أقيمت فى أحد النوادى النهرية، فقررت أن تقمع المشاركين فيها بقسوة مثيرة للدهشة والضحك أيضا. حدث ذلك يوم الخميس الماضى (25/3) حين توجه بعض أعضاء نقابة المحامين ومعهم عدد من الشخصيات العامة إلى مقر النادى النهرى للمحامين فى منطقة المعادى، لعقد الجلسة الثانية للمحاكمة الشعبية للحزب الوطنى، كانت الجلسة الأولى قد عقدت فى المكان ذاته يوم 11 مارس الحالى، وترأس المحكمة المستشار محمود الخضيرى النائب السابق لرئيس محكمة النقض، أما الادعاء فقد تصدى له أربعة محامين، وجهوا إلى الحكومة 19 تهمة تركزت حول تزوير الانتخابات وانتهاك حقوق الإنسان وبيع القطاع العام وتصدير الغاز لإسرائيل وتدهور خدمات التعليم والصحة والإسكان والمرافق العامة.. إلى آخر القائمة التى لا تكف الصحف المستقلة والمعارضة عن التنديد بها. فى تلك الجلسة استمعت المحكمة إلى شهادات اثنين من الخبراء الناشطين فى الدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عن القطاع العام. كما حضر الجلسة بعض أعضاء الحزب الوطنى. الذىن تولوا إيضاح وجهة نظر الحكومة فى التهم المختلفة التى نسبت إليها. يوم الخميس الماضى كان موعد الجلسة الثانية للمحاكمة. وحين بدأ المحامون فى التوافد على مقر ناديهم النهرى، فوجئوا بأن أبوابه مغلقة، ولاحظوا وجود مجموعة من رجال الشرطة تقف على الرصيف المقابل، بعضهم يرتدون الثياب المدنية ويدل مظهرهم على أنهم ينتمون إلى فرق «الكاراتيه» المجهزة للتصدى للمتظاهرين وفض الإضرابات والاعتصامات. وعلى رأس المجموعة عدد من كبار ضباط الشرطة. ازداد عدد المحامين الواقفين أمام باب النادى المغلق، ووجدوا أن بمقدورهم فتح الباب عنوة وعقد الجلسة فى الداخل كما حدث فى المرة الماضية. وحين تم ذلك، فوجئوا بأنه تم إغراق أرضية النادى ومقاعده وطاولاته بالمياه، كما فوجئوا بأن «لنشات» الشرطة النهرية تراقبهم من ناحية النيل. وإزاء استحالة عقد اللقاء فى الداخل، قرر المحامون حمل المقاعد والطاولات وتجفيفها ونقلها إلى الخارج لعقد الجلسة المقررة على الرصيف، فى منطقة الظل تحت أحد الجسور المجاورة. وحين تم لهم ذلك وبدأوا جلستهم لاحظوا أن قوات الشرطة تزحف نحوهم تدريجيا، حتى حاصرتهم تماما. وبعد ذلك تقدمت عناصر «الكاراتيه» وحملت طاولات ومقاعد الصف الأول، ثم ألقت بها بعيدا. وحينئذ حدث هرج، أدى إلى وقف الجلسة ولجوء المحامين إلى النادى للاحتماء به، فما كان من رجال الشرطة الذين لا حقوهم إلا أن أغلقوا عليهم الباب ومنعوهم من الخروج، وفى أثناء ذلك قامت الشرطة بإبعاد الصحفيين واحتجاز بعضهم ومصادرة آلات التصوير التى كانت مع الطواقم التليفزيونية. بعد أخذ ورد، سمحت لهم الشرطة بالخروج، شريطة ألا يخرجوا دفعة واحدة، ولكن أن يخرج منهم اثنان وبعدهما اثنان آخران.. وهكذا، من النادى النهرى ذهب وفد من المحامين إلى مكتب النائب العام لتقديم بلاغ بما حدث، وحولت الشكوى إلى النيابة المختصة للتحقيق فيها، إلا أن مفاجأة كانت تنتظرهم حين ذهبوا إلى النائب العام، حيث وجدوا أن نقيب المحامين سارع إلى تقديم بلاغ ضدهم اتهمهم فيه بكسر باب النادى وسرقة مولدين كهربائيين منه! ضيق صدر السلطة بالمحاكمة مفهوم، رغم أنها كانت شكلية ولن تقدم أو تؤخر، فضلا عن أن الشهادات التى قدمت فى الجلسة الأولى لم تضف كثيرا إلى ما يقرؤه الناس كل صباح فى الصحف المستقلة والمعارضة من ثم فلو أن المحاكمة تركت وشأنها واستكملت جلساتها لما انتبه إليها أو شعر بها الرأى العام فى مصر، ولكن الأسلوب القمعى الذى اتبع مع المحامين المجتمعين هو الذى لفت الأنظار إلى المحاكمة وسلط عليها الأضواء، وجعلها خبرا تناقلته الفضائيات فى مساء اليوم ذاته. من هذه الزاوية فربما جاز لنا أن نتوجه بالشكر إلى أجهزة الشرطة لأنها أتاحت لنا أن نطلع على ما لم نكن نعرفه، ونحاول قدر الإمكان متابعة ما جرى فى المحاكمة، وانتظار ما سيحدث فى الجلسة الثالثة التى تقرر عقدها يوم 22 أبريل، ذلك أنها دون أن تقصد روجت للمعارضة، وأثبتت رغما عنها أنها فى خدمة الشعب.