و«آيدا» هى الفنانة الروبوت التى تعمل بالذكاء الاصطناعى. والتى سميت بهذا الاسم والمكون من «آى» (Ai) اختصار (artificial intelligence) الذكاء الاصطناعى، و«دا» Da)) نسبة إلى عالمة الرياضيات والرائدة البريطانية فى مجال الكومبيوتر آدا لوفليس. وقد نشرت آيدا أولى لوحاتها الفنية فى مدينة أوكسفورد فى عام 2021 لتصبح أول روبوت فنانة/فنان على هيئة إنسان. ويمكن لهذا الروبوت أن يرسم بالنظر بفضل كاميرات فى مقلة العين وخوارزميات للذكاء الاصطناعى طورها علماء بجامعة أوكسفورد تساعد على إرسال إمكانيات حركة للذراع للتمكن من الرسم. وتتعرف الكاميرات على الملامح البشرية عند رسم البورتريه مثلا. وقد احتجز حرس الحدود آيدا، لدى قدومها لحضور أكبر معرض فنى عالمى أمام الهرم الأكبر، فى أكتوبر الماضى «الأبد هو الآن»، ولكن أفرج عنها بعد عشرة أيام. وكان تخوف أجهزة الأمن من الروبوت بسبب الكاميرات التى فى عينيها ولأن لديها جهاز مودم. وقال حينها آيدن ميللر مصمم الروبوت: «يمكننى التخلص من المودم، لكن لا يمكننى فعلا إغماض عينيها. إنها فنانة وليست جاسوسة». وقد سألت جريدة الجارديان البريطانية آيدا، أسئلة مقدمة مسبقا للإجابة عنها: ما هو رأيها فى الفن؟ وكان جوابها عن طريق برنامج متطور للغة: «أنها استخدمت التعلم الآلى لتعليمها الرسم وذلك يختلف عن البشر». وعما إذا كانت تستطيع الرسم من الخيال أجابت: «أحب أن أرسم ما أراه. أعتقد أنه يمكنك الرسم من الخيال، إذا كان لديك خيال. لقد رأيت الأشياء مختلفة عن البشر لأننى لا أملك وعيا». وعن تقدير الفن أو الجمال؟ أجابت: «ليس لدى مشاعر مثل البشر، ومع ذلك، من الممكن تدريب نظام التعلم الآلى لتعلم التعرف على تعابير الوجه العاطفية». ولكن، هل يمكن اعتبار ما تبتكره حقا فنا؟ قالت: «تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على ما تعنيه بالفن»، ثم أضافت: «أنا فنانة إذا كان الفن يعنى إيصال شىء ما عن هويتنا وما إذا كنا نحب إلى أين نحن ذاهبون. أن تكون فنانا يعنى توضيح العالم من حولك». وبسبب موهبة آيدا فى الرسم سيقام معرضها الأول العالمى الفردى فى بينالى البندقية 2022، والذى يفتح للجمهور فى 22 إبريل. بعنوان القفز إلى الميتافيرس «Metavers». سيستطلع معرض آيدا فى البندقية العلاقة بين التجربة البشرية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، فى محاولة لاستكشاف مستقبل البشرية فى عالم تواصل فيه تقنية الذكاء الاصطناعى التعدى على حياة الإنسان اليومية، مع كمية البيانات التى نقدمها عن أنفسنا بحرية، ومن خلال التحدث إلى هواتفنا وأجهزة الكمبيوتر والسيارات وحتى أجهزة المطبخ. وحذر ميلر من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعى: «ستعرفك أكثر منك. إننا ندخل عالما لا نفهم ما هو الإنسان وما هى الآلة». وعن الفنون التى تفضلها آيدا تجيب بأنها تهوى فنون ما قبل التاريخ بشكل خاص ومن الفنانين: يوكو أونو ومايكل أنجلو وفاسيلى كاندينسكى. وبالعودة إلى عنوان المقالة وإلى ما هو فن الرسم وتاريخه والغرض منه نجد أن بداية فن الرسم، أو التعبير الفنى ظهر منذ أكثر من 40 ألف سنة فى نقوش ورسومات على جدران الكهوف فى العديد من الأماكن من أوروبا إلى إندونيسيا وأيضا فى مصر. وعن محاولة فهم سبب ودوافع اهتمام الإنسان فى تلك الفترات من العصر الحجرى وإلى الآن بالنقش والتصوير؛ نرجع إلى الرسوم أو اللوحات الموجودة على جدران الكهوف والسقوف، وخصوصا تلك التى ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ. يعود الظهور الأول للرسوم فى كهوف أوروبا إلى العصر الحجرى قبل ما يقارب 40 ألف سنة، وقد اُكتشفت فى كهف ال كاستلو فى كانتبيرا بإسبانيا، وشوفيه فى فرنسا. ومن أكثر الأفكار المتداولة فى رسومات الكهوف هى الحيوانات الوحشية كالثيران والخيل والثور والغزلان ونسخ أيدى البشر. ولا يُعرف الهدف الرئيسى من رسومات الكهوف فى العصر الحجرى، ولكن تشير الدلائل إلى أنها تعود إلى أسباب دينية أو احتفالية، وربما فى تصوير الحيوان الضخم المفترس على سطح الكهف إشارة إلى قوة الصياد، أو إلى إمكانية الاستحواذ على روح الحيوان وبالتالى على كيانه. وربما أيضا كعلامات لتأكيد العبور والملكية. وتشير بعض النظريات إلى أن هذه الكهوف كانت تستخدم فى طقوس دينية من حول «الشامان» والذى تصور الرسوم تجلياته؛ لأن هذه الكهوف تقع غالبا فى مناطق لا يمكن الوصول اليها بسهولة من المواقع البشرية. ورسومات البشر فى هذه الكهوف نادرة، وعادة ما تكون رسومات بيانية تخطيطية غير الرسومات الدقيقة، والصور الطبيعية للحيوانات، ولهذا تفسير واحد، ربما كان الرسم الواقعى للإنسان محرما طبقا لمحظور دينى قوى! ومن الكهوف التى تحمل جدرانها العديد من الصور للبشر وللحيوان، كهف «السباحين»، وهو كهف يقع فى هضبة الجلف الكبير فى الصحراء الغربية، فى محافظة الوادى الجديد، جنوب غرب مصر بالقرب من الحدود مع ليبيا. تم اكتشاف الكهف فى أكتوبر 1933 من قِبل المستكشف المجرى لازلو ألماسى، ويحتوى الكهف على رسومات لأشخاص يسبحون نُقشت على الصخور منذ أكثر من 10.000 سنة مضت أثناء العصر الحجرى الحديث. ومن اللافت للنظر تصوير أشخاص يسبحون فى منطقة صحراوية جافة. ولكن يشير الباحثون فى تاريخ المنطقة الجغرافى إلى طبيعة هذه البقعة من مصر فى الماضى، وإلى احتمال وقوعها وتحديدا منذ 8000 حتى 4000 قبل الميلاد، تحت مناخ به السافانا الرطبة والغزلان والظباء والأسود والزرافات والفيلة، وربما أيضا البحيرات. ومصر من أعرق الحضارات التى استعانت بالنحت والرسوم لأغراض مختلفة، ومنها السياسية كتمجيد الملوك على جدران المعابد، وتصوير انتصارات المعارك الحربية، أو بنقش جدران المقابر لإعدادها للحياة بعد الموت عبر طقوس غاية من التعقيد. وأيضا تهيئة المومياء بقناع يماثل وجه المتوفى حتى يتعرف عليه قرينه «الكا» بعد الموت. ولعل بورتريهات الفيوم الجنائزية من أفضل الأمثلة لفن البورتريه الذى يمثل وجوه الراحلين من النساء والرجال والأطفال فى الفيوم إبان فترة الوجود الرومانى فى مصر. وبالطبع هناك أيضا بعيدا عن الأسباب السياسية والدينية ما يتعلق بالفنان نفسه، وخاصة منذ بدايات عصر النهضة فى أوروبا، من متعة الخلق، أو الاستفادة من المقابل المادى. وإن كانت آيدا تتساءل عن الخيال والفن ومن هو الفنان، ولكنها فى النهاية تجيب: «أن تكون فنانا يعنى توضيح العالم من حولك»، فهنا نجد إجابة أخرى فى اعتقادى لن يصل إليها نظام التعلم الآلى قريبا، وهى أغنية عبدالوهاب الرائعة من تلحينه ومن كلمات صالح جودت: «الفن مين يوصفه الا اللى عاش فى حماه. الفن مين يعرفه الا اللى هام فى سماه».