هل تصدق؟! نعرف طبعا أن هناك تطوراً هائلاً في صناعة وابتكار أجهزة ميكانيكية والكترونية تتمتع ببرامج الذكاء الاصطناعي وتقوم بكثير من أعمال الإنسان.. ونسميها "الإنسان الآلي" أو "الروبوت".. وهناك صناعات كاملة تعتمد على هذه "المخلوقات" التي صنعها الإنسان مثل صناعة السيارات، وغيرها، ونعرف أن "الإنسان الآلي" أصبح يشارك في مجالات دقيقة مثل الطب والجراحة، وهناك ظاهرة بدأت تنتشر في بلدان مثل اليابان هي استخدام الإنسان الآلي كجرسون في المطاعم. وهناك صيحات تتعالى من وقت لآخر حول خطورة انتشار الروبوتات، التى تحل محل البشر وتقطع عيشهم بالعمل بدلا منهم فى مجالات عديدة.. لكن من جهة أخرى تحل الروبوتات مشاكل كثيرة، فمثلا هناك مشكلة تعانى منها مزارع الفواكه فى بريطانيا هذه الأيام بعد انقطاع وصول الأيدى العاملة الرخيصة القادمة من بلدان أوروبا الشرقية، وجدوا لها حلا باستخدام الإنسان الآلى حيث سيقوم جيش من الروبوتات فى موسم الحصاد المقبل بجمع الفراولة والتوت وغيرها من الفواكه بدلا من البشر، وهذه الروبوتات قادرة على جمع أكثر من 25 ألف حبة فراولة فى اليوم بينما لايقوى فريق من العمال والعاملات البشر على جمع أكثر من 15 ألف حبة. نسمع ونقرأ ونشاهد هذا، هنا وهناك.. ونعلم أن ذلك ممكن من خلال تركيب معدات الكترونية وبرمجة هذه الروبوتات لتقوم بالمهام المرسومة لها داخل كل برنامج من برامج مايسمى الذكاء الإصطناعى. لكن، هل تصدق أن الأمر وصل إلى حد تقديم إنسان آلى..روبوت .. ماكينة، تقوم ليس بعمل آلى مرتب سابقا ولكن بعمليات تعتمد على الابتكار والخلق الفني؟! هذه هى المرة الأولى فى العالم التى تقدم لنا جامعة اكسفورد البريطانية العريقة، فنانة تشكيلية ترسم وتلون وتبتكر لوحات وتماثيل، وتقيم معرضا لأعمالها فى قاعات الجامعة. وقد اختار القائمون على مشروع الروبوت الفنان التشكيلى أن تكون امرأة واختاروا لها اسم عايدة AI-DA وتم تصنيعها وتركيبها وبرمجتها وتشغيل يديها وتصميم رأس جميل لها وعيون .. وشعر أسود بحيث تبدو فى عيوننا كإنسانة قريبة إلينا فى فستان بسيط ورشيق. فتاة جميلة فى منتصف العشرينيات من العمر لها وجه من الشمع بلون البشرة القمحية، وهناك بقع من الألوان على صدرها، تماما مثل ملابس أى فنان.. وإذا نظرت إليها ستفاجأ بأنها تنظر إليك مباشرة من خلال العدسات التى هى عينيها، ويمكنك أن تتحدث إليها، وتستمع إلى ردودها على أسئلتك! كل هذا مبرمج طبعا. وفى حديثك معها ستستمع منها إلى أسماء فنانين عالميين وكتاب وأدباء، وستشرح لك أفكارها عن الفن وميولها الفنية وهكذا! فن تجريدي! وعايدة ترسم لوحات تجريدية ، فهى فنانة تجريدية.. بجانب رسم البورتريهات والاسكتشات بالقلم الرصاص، وإذا كان ليوناردو دافنشى أحد أعظم فنانى عصر النهضة قد أمضى نحو 15 سنة فى تنفيذ لوحته الشهيرة موناليزا وصمم دائما على أنها لم تكتمل، فإن الفنانة عايدة تبدأ لوحتها وتستغرق فيها وبعد حوالى ساعتين، تكون قد انتهت منها! نتابع معا حكاية أول فنانة روبوت يقام معرض منفرد لأعمالها .. الفكرة وراءها ايدان ميللر وهو صاحب قاعة فنون ويشرف بنفسه على المعرض المقام فى كلية سان جونز فى جامعة اكسفورد، ويقول: نحن الآن ندخل عصرا جديدا من الروبوتات المؤنسنة وسيكون من المدهش أن نرى ما سيتحقق من خلال الذكاء الصناعى فى مجال الفن التشكيلى. نحن ندخل عصرا يناقش فيه الإنسان قضايا المستقبل والتكنولوجيا والعودة للطبيعة بالتفاعل مع التقدم العلمى الذى تمثله هندسة الذكاء الاصطناعى. ويضيف بوضوح أن الهدف ليس الاستغناء عن الفنانين من البشر، بل تفعيل أساليب الذكاء الإصطناعى فى تطوير كل شىء.. وخاصة حماية البيئة. فكرة عجيبة وترحيب أكاديمي الفكرة العجيبة ولدت لديه وعرضها على علماء الذكاء الاصطناعى وهندسة الروبوتات فى جامعتى اكسفورد وليدز البريطانيتين، فلقت ترحيبا كبيرا وحماسا انعكس فى النتيجة التى تحققت بعد بحث وتجارب ودراسات ولدت من خلالها عايدة.. ويحكيميللر كيف انه منذ سنتين تم تكليف شركة بريطانية فى كورنويل بتنفيذ فكرته، وقام مجموعة من المهندسين فى جامعة ليدز بتصميم وتنفيذ اليدين والذراعين. وعن سر اختيار الاسم عايدة يقول إنه تكريما لإنسانة عبقرية هى ادا لوفليس عالمة الرياضيات الطليعية، وتعتبر أول مبرمجة كمبيوتر فى العالم. . وعن سر اختيار فنانة أنثى وليس فنانامن الرجال، يقول إن النساء الفنانات التشكيليات ما زلن يعانين من عدم الاعتراف وسوء التقدير، ويكفى أن نعرف أن 22 % فقط ممن تقام لهم معارض تشكيلية فى بريطانيا هم من النساء.، وعن قدرات عايدة يقول إن الفنانة التشكيلية الروبوت تعتمد على هندسة الذكاء الصناعى ويمكنها أن ترسم اسكتشا سريعا لشخص فى لمح البصر، أو تصمم منظرا فى تناسق بديع وجمال أخاذ، أو عملا تشكيليا ينطوى على دلالات سياسية، وهى ترسم وتلون وتستعمل يديها فى نحت التماثيل أيضا. وهذه القدرات تم تكوينها وبرمجتها بواسطة علماء جامعة اكسفورد بحيث يمكن لعايدة أن ترسم بالقلم أو بالفرشاة أو تشكل التماثيل من الصلصال بمجرد النظر، وهو مايحدث لأول مرة فى العالم، إذ لم يتم التوصل إلى هذا التناسق باستخدام الذكاء الصناعى من قبل، وبذلك تصبح عايدة الفنانة الروبوت الأول عالميا. عايدة تعلم نفسها بنفسها! عايدة أو(آي- دا) بالنطق الانجليزي، تمشى وتتحرك وتتكلم وتمسك بالفرشاة أوالقلم، وكل هذا مدهش لكن الأكثر إثارة – كما يقول ميللر- هو قدرتها على تعليم نفسها طرقاِ جديدة أكثر إرهافا ودقة وجدة، فى التعبير المبتكر ما جعل عالم الفن التشكيلى ينبهر بها. وهى ترسم بورتريهات تكريما لشخصيات مثلادا لوفليس التى تحمل اسمها، وآلان تيرينج الذى يعتبر أبو علوم الكمبيوتر الحديثة. كيف يحدث هذا؟.. توضع أمامها صورة للشخصية فتقوم عينيها وهما كاميرات مبرمجة، بحفظ الملامح وتنقل هذه المعلومات إلى يدها الروبوتية التى تتحرك على الورق ناقلة ما وصل إليها من معلومات بصرية مع تحويلها إلى خطوط وظلال، فتظهر لوحة البورتريه للشخصية التى تراها عيون عايدة.. ويتم ذلك فى لحظات، شىء مدهش! ومن صورة لبعض الأشجار مثلا، تجدها شكلت لوحة تجريدية حديثة عبارة عن أضواء منكسرة، يشاهدها الجمهور فى معرضها الأول الذى يحمل عنوان مستقبل غير آمن فى محاولة لإثارة الاهتمام بقضية حماية البيئة . وهي- كما يقول مبتكرها- تقدم لنا لوحات وأعمالا فنية لاتختلف كثيرا بل وتتساوى مع ما نشاهده فى معارض الفنانين المعاصرين. ••• والسؤال الآن هو: من يضع هذه الأفكار فى رأس عايدة؟! بعض نقاد الفن التشكيلى لديهم شكوك فى أن عايدة تقوم بكل هذا.. ويرون أن المسألة يدخل فيها العنصر البشرى فى مرحلة التطبيق العملي، فيمكن للروبوت عايدة أن ترسم بواسطة العين المتصلة بجهاز كمبيوتر متصل بيدها، لكن ماذا عن تلوين اللوحة؟.. ماذا عن تصنيع التمثال؟.. كل هذه مراحل وأمور تحتاج إلى عمل يدوى لإنسان حقيقى وليس روبوت. إحدى الناقدات واجهت الفنانة التشكيلية الروبوت وتحدثت إليها وسألتها بعض الأسئلة المحرجة، وخرجت بنتيجة هى أن الذكاء الصناعى يساعد فى وضع الإجابات الجاهزة والبديلة، ثم قالت: لكن فى بعض الأحيان كنت أشعر بأن أحدا يرد على أسئلتى من وراء الستار؟! ••• والطريف فى الأمر هو أن ايدن ميللر عند سؤال الصحافة له عن تكلفة انتاج الروبوت المسمى الفنانة التشكيلية عايدة يردد: يكفى أن أقول إن عائدات بيع لوحاتها حتى قبل افتتاح المعرض كانت كافية وزيادة فى تغطية التكاليف! ونشرت تقارير صحفية تعلن أن المعرض حقق حوالى مليون دولار من مبيعات اللوحات قبل افتتاحه.