استأثر النزاع فى إقليم دارفور غرب السودان الذى أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين باهتمام العالم طويلا. غير أنه كثيرا ما يُنسى أن مأساة دارفور جاءت بعد النزاع بين الشمال والجنوب الذى كان أطول حرب أهلية تشهدها أفريقيا، وأدى إلى مقتل أكثر من مليونى شخص. واليوم، بعد مرور خمسة أعوام على توقيع اتفاقية السلام الشامل التاريخية بين الشمال والجنوب، هناك تهديد حقيقى بعودة الحرب الشاملة إلى السودان كما أنه لم يتم التوصل بعد إلى حل دائم لمشكلة دارفور. إننا نكتب باعتبارنا أفرادا تمتعوا بميزة مشاهدة هذه العملية عن قرب. فقد شاهدنا عملية التفاوض بشأن اتفاقية السلام الشامل، وكانت عملية طويلة ومحبطة، كما أنها بدت مستحيلة فى بعض الأحيان. ورأينا كيف تغلبت شيئا فشيئا رغبة الطرفين المشتركة فى السلام على حالة العداء وانعدام الثقة المتبادلة، وكيف أوجدت اتفاقية السلام الشامل الموقعة فى 9 يناير 2005 حكومة وحدة وطنية تضم العدوين السابقين. لقد أوضحت اتفاقية السلام الشامل طريقة تعامل حكومة الوحدة الوطنية مع القضايا الحساسة، كاقتسام الثروة والسلطة وترسيم الحدود وإعادة انتشار القوات خلال ست سنوات هى الفترة الانتقالية. كما أوجدت الاتفاقية حكومة شبه مستقلة فى الجنوب وثلاثة مناطق انتقالية. ففى جنوب كردفان والنيل الأزرق، وُعِد السكان بعملية ديمقراطية من المشورة الشعبية، بينما مُنح سكان منطقة أبيى الحق فى اتخاذ القرار خلال استفتاء حول البقاء ضمن جنوب كردفان (وهى جزء من شمال السودان) أو الارتباط بولاية بحر الغزال فى جنوب السودان. وكان حق سكان جنوب السودان فى إجراء استفتاء حول تقرير المصير فى 2011 مسألة أساسية فى اتفاقية السلام الشامل. انقضت خمسة أعوام منذ ذلك الحين وها هما الطرفان يقفان على حافة الدخول فى فصل جديد من تاريخ السودان. وفى حين أنه من المقرر إجراء الانتخابات الوطنية فى أبريل المقبل، فلم يجرِ حتى الآن تطبيق الأحكام المصيرية الواردة فى الاتفاقية. ونخشى أنه إذا لم يتزايد الدعم الدولى بدرجة كبيرة من أجل مساعدة الشمال والجنوب على الاتفاق على أسس مستقبلهما، فقد تلقى الانتخابات والاستفتاء بالبلاد فى أتون حرب كبرى. ويشير تدهور الأوضاع فى السودان إلى خطورة الموقف. ذلك أن عام 2009 شهد تصاعدا خطيرا فى مستوى العنف فى جنوب السودان حيث زاد عدد من قتلوا جراء النزاع المسلح فى الجنوب خلال الأشهر الماضية عن عدد الذين لقوا مصرعهم فى دارفور. وبالرغم من تراجع العنف فى دارفور، فإنه لم يتم التعامل بعد مع الأسباب الأساسية للنزاع. ويظل الموقف فى شرق السودان والمناطق الانتقالية الثلاث (أبيى وجنوب كردفان والنيل الأزرق) متذبذبا. لم تتمكن اتفاقية السلام الشامل من حل جميع مشكلات السودان. إلا أنه كان مقصودا بها تمهيد الطريق للانتخابات والاستفتاء فى الجنوب الذى كان مخططا له أن يكون تتويجا لعملية تمتد لست سنوات، من أجل مساعدة السودان على الظهور كبلد أكثر ديمقراطية، يعيش فى سلام، ويُحكَم بطريقة أفضل. لكن الوقت ينفد بسرعة دون تحقيق هذه المطامح. فلم يبق على الانتخابات سوى ثلاثة أشهر. وبالنظر إلى معدل الإعداد الحالى، من المرجح ألا تفى الانتخابات بالمعايير الديمقراطية، وأن تزيد من حدة العنف المتواصل. إننا نشعر بقلق عميق إزاء إمكانية ضياع هذه الفرصة التاريخية التى أتاحتها اتفاقية السلام الشامل وأشاد بها قادة العالم باعتبارها انتصارا كبيرا للسلام إذا لم يتم إحياء الجهود المكثفة التى بذلت فى السابق بغرض التوصل إلى اتفاق، من أجل حماية هذا الاتفاق. ونناشد الدول المعنية بدعم الأطراف السودانية، فى محاولة للتوصل إلى سلام دائم عن طريق ما يلى: الاتفاق على آلية مشتركة تتضمن عملية وساطة مكثفة ودعما فنيا، من أجل مساعدة شمال السودان وجنوبه على تنفيذ ما تبقى من اتفاقية السلام الشامل، بما فى ذلك المشاورات الشعبية فى جنوب كردفان والنيل الأزرق والبند المتعلق بأبيى والاستفتاء فى الجنوب. الضغط على حكومة الوحدة الوطنية كى تجرى انتخابات حرة ونزيهة. دعم اتخاذ المزيد من الإجراءات بواسطة بعثة الأممالمتحدة من أجل حماية المدنيين فى جنوب السودان، وقوات حفظ السلام الأفريقية الدولية فى دارفور، على أن يتضمن ذلك وضع خطط للطوارئ فى بؤر العنف المحتملة. لقد فات الأوان بالفعل فيما يتعلق بتنفيذ كامل وعود اتفاقية السلام الشامل. إلا أنه لازال هناك بعض الوقت لتفادى وقوع كارثة شبه محققة تعيد شعب السودان إلى أيام حرب الشمال والجنوب الأكثر سوادا. ونناشد قادة العالم الاستفادة من جميع الأيام المتبقية.