♦ إبراهيم عبدالمجيد أفضل من كتب عن الإسكندرية ♦ الجوائز تعطى فرصة للعمل فى الوصول إلى أكبر عدد من القراء وتمنح الكاتب مساندة نفسية الإسكندرية ليست مدينة واحدة، بل أكثر من مدينة، واتكاءً على صورتها فى التسعينيات قبل أن يطالها هدم الكبائن وإزالة الكازينوهات وتوسعة شارع الكورنيش، تأتى رواية «مساكن الأمريكان»، أحدث مؤلفات الكاتبة والروائية هبة خميس والصادرة حديثًا عن دار الشروق، لتحكى خلالها عن انسجام أهل المدينة مع صورتها القديمة، وانفعالاتهم بصورتها الجديدة، ومحاولات تأقلمهم مع الفجوة التى خلَّفها الزمن بين الصورتيْن. عن مساكن الأمريكان، والحقيقية التى لا يعرفها الكثيرون عن الإسكندرية مدينة الفن والوجه الآخر للعاصمة الثانية لمصر والتغيُّر الحادث للمكان بالتوازى مع التغيُّر الذى حدث لسكانه، تحدثنا مع الكاتبة هبة خميس، الفائزة بالمركز الأول فى مسابقة الهيئة العامة لقصور الثقافة بدورة نجيب محفوظ، عن المجموعة القصصية «نافذة تطل على ميدان»2017، والفائزة بجائزة ساويرس الثقافية عن المجموعة القصصية «زار» 2019. وإلى نص الحوار: ♦ كتبت عن الإسكندرية فى فترة التسعينيات.. لماذا تلك الفترة؟ إسكندرية هى المدينة التى عشت فيها عمرى، ودائمًا ما كان عندى هاجس بعد تغير ملامح المدينة بسبب مشروع تطويرها والعمل على اتساع الكورنيش وهدم المنازل والفيلات القديمة، حتى بتُ أشعر أنها مدينة غريبة عنى وأن التطوير طمس هوايتها الأصلية، ووجدتنى أتساءل هل أنا وحدى من يشعر بذلك، أم أننا نتشارك كسكندريين فى الغربة ذاتها، وعندما طرحت هواجسى على من حولى وجدت أن الهم واحد، وبدأت الناس تتفاعل معى وتحكى عن الإسكندرية التى كانت وكيف أصبحت، ومن صدق حديثهم ومشاعرهم بدأت فى تسجيل شهادتهم وأنا لا أعرف كيف سأستخدم ذلك، لكنى كنت فى احتياج شديد للكتابة كمحاولة للتعافى من حالة اكتئاب انتباتنى لفترة وكانت سلاحى للمواجهة. ♦ الرواية تطلبت منكِ مجهودا بحثيا للتوثيق.. ما أصعب ما واجهك خلال رحلة البحث؟ البحث عن ملامح المدينة الغائبة فى ظل غياب أى صور أو وثائق لها؛ كان الأصعب فى الرحلة، ولولا ذكريات الناس وما أمدونى به من صور شخصية توثق للمكان فى تلك الفترة الزمنية لغابت. ♦ هل يمكن اعتبار مساكن الأمريكان رواية مكان؟ إلى حد كبير، فرغم أن الشخصية الرئيسية فى الرواية مستوحاة من حادث حقيقى تم بالقرب من منزلى وسمعت عنه وأنا طفلة، وكان بداخلى فضول لمعرفة ما تم لأصحاب تلك الحادثة، وبالفعل بدأت أبحث عن تفاصيل الواقعة فى أرشيف الجرائد وأسعى وراء كل معلومة تقودنى لخطوة أخرى. فى النهاية لم أصل إلى أى شيء بخصوصهم، ووجدتنى أعدل من الفكرة وأكتب عن المكان وليس الأشخاص الذين أسعى لمعرفة مصيرهم، وبدأت أبحث فى الكتب والإنترنت وعبر الأعمال الدرامية التى تتناول المكان فى تلك الفترة التاريخية، لكن صدمتى كانت فى أن كتب التاريخ أغفلت التأريخ لمدينة الإسكندرية فى تلك الحقبة، وبدأت أعيد اكتشافها بنفسى مرة أخرى، وأجريت مجموعة من اللقاءات الحوارية مع الناس، مستعينة بما هو موجود فى ذاكرتهم وما يحتفظون به من صور لديهم، وكأننى أمام مجموعة من مكعبات «البازل» عليّ استكمالها حتى تتضح الصورة وتظهر ملامح المدينة الغائبة. ♦ لكن الوضع مختلف مع الإسكندرية كمكان؟ بالتأكيد. وربما لأن الإسكندرية مدينة تسكن وجدان أهلها، ولم تكتب حتى الآن بالصورة التى تستحقها، وأغلب الكتابات عنها أرخت لأجزاء معينة فى المدينة، رغم ثرائها التاريخى والفنى، لكن فى النهاية سطوة المكان تختلف مع كل كاتب، وطوال الوقت كنت أجدنى مدفوعة بإحساس الكتابة عن مدينتى، وحالة الكتابة عن الإسكندرية بالذات لم تكن حالة خاصة، فأغلب من عاش فيها من مصريين وأجانب وحتى الجنود كتبوا شهادتهم عنها، وأفضل من كتب عن الإسكندرية الروائى إبراهيم عبدالمجيد، لأنه كتب عن الإسكندرية الحقيقية. ♦ إلى أى مدى اختلفت إسكندرية التسعينيات عن ملامح المدينة الحالية؟ اختلاف كامل. فالإسكندرية فى فترة التسعينيات كانت مرحلة إحلال للمدينة القديمة على يد شركات المقاولات، واختفاء أشهر معالمها التاريخية من فنادق وفيلات وكبائن للمصيفين، وبدأت ظاهرة المنازل المهجورة فى الانتشار، ورحيل سكانها الأصليين ووفود آخرين، وكأن هناك من قرر أن يغتال ذكرياتنا مع المدينة، وللأسف لا يزال هذا التغيير يحدث بصورة يومية وسريعة وهو ما يفقد المكان لروحه الحقيقية. ♦ البعض يصف «مساكن الأمريكان» بأنها رواية مؤلمة.. ما تفسيرك لذلك؟ هذا صحيح إلى درجة كبيرة، وربما السبب فى ذلك هو أن الرواية كانت بمثابة المرآة لى، حيث كتبتها فى وقت صعب وإحساس بالهزيمة، ولما أعدت قراءة ما كتبته شعرت أن الشخصيات الروائية انطبعت بما كان فى داخلى من حزن بدون أن أقصد ذلك، فخرجت الشخصيات مهزومة كهزيمتى حين بدأت فى الكتابة. ♦ تكتبين القصة القصيرة والرواية.. أيهما أصعب فى تقنية الكتابة؟ رغم أن بدايتى كانت مع القصة القصيرة، واستكملت الرحلة بمجموعة قصصية أخرى، إلا أننى اكتشفت مؤخرًا أن فن الرواية هو الأقرب لقلبى، وعلى عكس كل ما يقال من أن القصة القصيرة أصعب فى عملية الكتابة، إلا أنى أجد الرواية الفن الأصعب، فهى تحتاج وقتا ومجهودا أكبر، وتتطلب عمليات بحث أطول وعناصرها أشمل، وكذلك تقنياتها المتعددة وعلى الروائى اختيار الأنسب له ولقدراته. ♦ للذاكرة والتجارب الحياتية للكاتب جزء كبير فى عملية الكتابة.. إلى أى حد أفادك ذلك فى رسم عوالم الرواية؟ الذاكرة هى العنصر الرئيسى الذى استندت عليه فى تأليف «مساكن الأمريكان»، خاصة مع قلة المعلومات المتاحة، واكتشفت أن ذاكرتى مليئة بالذكريات التى ظننت أننى نسيتها خاصة الصورة البصرية، ومع ممارسة الكتابة وجدت مد كبير من الذاكرة حول المكان والأشخاص المرتبطين به، وربما الأشمل هنا أن الاعتماد كان على الذاكرة من جانبين ذاكرتى وذاكرة الناس كذلك. ♦ هل تتفقين مع مقولة إن الأعمال الروائية أصدق فى التأريخ للأحداث من الكتب التاريخية؟ بالطبع وعندنا على سبيل المثال مؤلفات الروائى علاء خالد، الروائى الذى أرخ فى مؤلفاته لمدينة الإسكندرية فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وذلك عبر التاريخ الشخصى للأشخاص والعائلات والأماكن التى يعرفها، وهى الروايات التى يكتشف القارئ خلالها قراءتها مدى التحولات التى طرأت على المكان. وكتابه «وجوه سكندرية.. تاريخ الفردوس المفقود»، الصادر عن الشروق عام 2012، من أفضل الكتب المكتوبة عن الإسكندرية. ♦ إلى أى مدى ترين التناقض بين عشوائيات الإسكندرية وصورتها الذهنية كمدينة للفن؟ أعتقد أن هذا التناقض أمر طبيعى، فالإسكندرية ليست «يوتوبيا»، وفى النهاية أى مدينة تجمع ما بين أشياء عكس بعضها، وكما نجد فيها الجمال نجد القبح، وضرورى الاعتراف بأن المدن تجمع الاثنين وأن عشوائيات القبح لا يلغى الجمال. ♦ حصلت على عدة جوائز برأيك ما الذى يمكن أن تضيفه الجوائز للعمل وللكاتب؟ الجوائز تعطى فرصة للعمل فى الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من القراء، كما أنها تمنح الكاتب مساندة نفسية وتقدير وإشارة إلى أنه يسير على الدرب الصحيح. ♦ ماذا عن مشاريعك الإبداعية القادمة؟ أعمل على رواية جديدة، لكن لا يزال الغموض يلف معالمها، وبشكل عام فأنا أحب أن أن أترك الوقت الكافى للعمل، حتى تتضح معالمه وتتماسك شخصياته، ويقرر هو قبلى أن الوقت قد حان للنشر.