على طريقة تغير خطط اللعب، التى يتبعها مدربو كرة القدم، قامت البنوك بتغير التعامل مع المتعثرين والهاربين، فقبلت ما كان مرفوضا فى وقت سابق. فبعد سنوات من الاصرار على سداد المتعثرين لمديونياتهم نقدا والتمسك بعدم استبعاد أى فوائد أو رسوم على القروض بدأت البنوك فى تطبيق سياسات أكثر مرونة لعل اهمها قبولهم بتسوية الديون باستخدام أصول المتعثرين. ولعل ضخامة رقم المديونيات هو الذى دفع البنوك لسلك هذا الاتجاه فبينما قدر البنك المركزى المديونيات المتعثرة ب100 مليار جنيه، يشير طارق قنديل، محافظ البنك المركزى السابق الذى تولى إدارة ذلك الملف مع المحافظ فى السنوات الخمس السابقة لانتقاله منذ ثمانية أشهر لرئاسة بنك قناة السويس، إلى أنه لوتم الإعلان عن المؤشرات الكاملة لأداء البنوك والأرقام الحقيقية للتعثر، «لحدثت كارثة مصرفية واقتصادية، ولتوقف تعاملنا مع الخارج بالكامل». يذكر أن احدث التصريحات لمسئولين فى القطاع المصرفى تقدر حجم التعثر المتبقى ب11 مليارا. طارق عبد العزيز محامٍ أكثر من متعثر وهارب،وأحد المتابعين لقضايا التعثر لخص ما حدث فى ذلك الملف، بالتغير الفكرى الذى حدث فى قرارات رؤساء البنوك، والرضوخ لمتطلبات المصلحة العامة ليس فقط من خلال تطبيق القانون، وإنما روح القانون» ولو لم يتم عمل ذلك قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة لكانت جميع الأطراف قد خسرت. وكانت عدة قضايا تعثر قد أغلقت فى 2009، رغم أنها تم فتحها منذ سنوات عديدة ولكنها رفضت بسب قصور فى الرؤية والخوف من المحاسبة، دون النظر إلى عواقب ذلك الرفض، الذى حمل البنوك عبء المخصصات اللازمة لتلك المديونيات لسنوات طويلة، على حد تعبير عبد العزيز، منها 14مليار جنيه فقط فى بنك القاهرة، قبل أن يتم تحويلها إلى بنك مصر عند تجهيز الأول للبيع منذ ثلاث سنوات. وشهد العام إغلاق قضية نواب القروض، بعد خروج خالد محمود، عضو مجلس الشعب الأسبق من السجن. كما انضم رامى لكح، رجل الاعمال، إلى قائمة من تمت تسوية مديونياتهم خلال العام. ويعد لكح اسما بارزا فى ذلك الملف بحكم كبر المديونية، أو ربطه بخلاف مباشر مع احمد البرادعى رئيس بنك القاهرة السابق، وصل إلى الاشتباك بالأيدى فى إحدى المرات، لكن المفاجأة الأكبر فى العام الماضى والتى لا تقل عن مفاجأة هروبه تتعلق بالتسوية التى أبرمها مع البنوك فى شهر يونيو، ليسدل الستار على واحدة من أكثر القضايا المصرفية تعقيدا، ولم يكن لكح وحده من شغل الرأى العام، فهناك المرأة الحديدية هدى عبد المنعم التى عادت بعد سنوات طويلة من الهروب لتفتح ملف ضلوع أشخاص فى البنوك والسلطة فى جرائم اعتبرها الشارع المصرى إهدارا لحقوقه وزواجا غير شرعى بين المال والسلطة. تأخر التسوية جاء لصالح المتعثرين.. أحيانًا «الهاربون استفادوا من الارتفاعات التى شهدتها أسعار الأصول فى السنوات الماضية وذلك وسط حالة حذر غلبت على القائمين على تلك التسويات فى البنوك تخوفا من تعرضهم للمساءلة القانونية فى حالة قبولهم لأى تسويات مقابل أصول. تبعا لما قاله احمد سليم المدير بالبنك العربى الإفريقى الدولى. ارتفاع قيمة الأصول، وقبول البنوك بها كأداة للتسوية ساهم فى حسم عدد كبير من التسويات منها تسوية حسام أبوالفتوح لبنكى القاهرة والنيل، ومجدى يعقوب لبنكى القاهرة ومصر اكستريور، ورامى لكح فى حالة فندق خليج نعمة ومديونية البنوك التى ينوب عنها بنك مصر إيران. وحتى فى تسوية المديونيات التاريخية على شركات قطاع الأعمال، بعد موافقة بنكى الأهلى ومصر على اخذ أراضٍ غير مستغلة تابعة للشركات مقابل المديونية مما يجعلها أداة الحسم النهائية فى ذلك الملف. وحول ما هو منتظر فى الملف فى العام الجديد، «فكرة إغلاق الملف بالكامل فى 2010 صعبة بعض الشىء، لكن يمكن أن نقول إن قطار التسويات النهائية انطلق ولن يتوقف حتى يصل إلى محطته الأخيرة» حسب سليم «طالما أن هناك منحا للائتمان، فالتعثر قائم لكن نسبته من إجمالى محفظة القروض هى المعيار». ويشدد سليم على أهمية اتباع اعلى درجات الحذر فى الائتمان السياسى، اى الذى تمليه علاقات العميل بالسلطة وليس جدارته الائتمانية، وهو كان احد الاسباب الرئيسية لعدد من قضايا التعثر ولعل أهمها قضية نواب القروض. بعدما حجز على فروع لبنكى الأهلى ومصر .. الحكومة تدفع تعويضًا لسياج تبقى قضية سياج من أهم القضايا التى شغلت الرأى العام خاصة بعد أنباء قيام رجل الاعمال وجيه سياج بالحجز على فروع لبنكى مصر والأهلى فى الخارج كتسوية لملغ التعويض البالغ 133 مليون دولار الذى حكم له به مركز تسوية المنازعات التابع للبنك الدولى (أكسيد). وأحدث فصول القضية كانت الشهر الماضى عندما أنهت الحكومة المصرية بالعاصمة الفرنسية باريس، نزاعها مع سياج على أساس اتفاق ينص على خصم 60 مليون دولار من إجمالى المبلغ الذى حكمت له به بهيئة التحكيم الدولية، مع السماح له بمتابعة نشاطاته الاستثمارية المتوقفة فى مصر. وكانت إكسيد، قد قضت فى مطلع يونيو الماضى بأن تدفع الحكومة المصرية تعويضا ب133 مليون دولار (745 مليون جنيه) لوجيه سياج صاحب شركة سياج للاستثمارات السياحية، وشركائه فى القضية التى رفعها ضد الحكومة فى الخامس من أغسطس 2005، قبل أن تقدم مصر طعنا فى الحكم لوجود خطأ فى الإجراءات فى العاشر من يوليو الماضى بعد أن سحبت الحكومة الأرض منه لدخوله فى شراكة مع مؤسسات إسرائيلية لتطوير المنتجع السياحى المعتزم إقامته على الأرض. ولكن رغم حسم النزاع بين الحكومة وسياج، إلا أن قضية مديونيات البنوك، التى حركت دعوى إفلاس ضد سياج للحصول على حقها تظل مفتوحة، ربما يكون عام 2010 نهاية لقضية مستمرة من منتصف التسعينيات من القرن الماضى.