يشعر المسلمون في فرنسا أن نقاشا يجري حاليا لمحاولة تحديد ماهية المواطن الفرنسي يستهدفهم دون غيرهم. ماذا يعني أن تكون فرنسيا؟ قبل شهر أطلقت حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليمينية نقاشا من أجل الإجابة على هذا السؤال. ودعي الجمهور إلى الحديث خلال اجتماعات في أنحاء فرنسا وفي منتديات على الانترنت أيضا. لكن ذلك النقاش يثير انتقادات متزايدة. وتضم فرنسا أكبر جالية إسلامية في أوروبا لأسباب عديدة منها سياساتها خلال القرن الأخير بخصوص الهجرة. واتهم المعارضون السياسيون ساركوزي بطرح ذلك النقاش قبيل انتخابات محلية حاسمة من أجل سحب الأصوات من حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. لكن ايريك بيسون وزير الهجرة الفرنسي يرى أن النقاش بخصوص الهوية الوطنية مطلب مشروع تحتاج إليه فرنسا. وقال بيسون لمحطة بي.إف.إم التلفزيونية : "الفرنسيون يتساءلون عن استمرار قدرة فرنسا على استيعاب ودمج المهاجرين. مسألة العيش معا التي تحظى بحفاوة كبيرة تعني أمرين. يجب أن تظل فرنسا أرضا مرحبة بالمهاجرين ويجب أن يظهر الذين يأتون إلى هنا أو يحصلون على الجنسية الفرنسية رغبتهم في الاندماج. أنها عملية تبادلية". وكانت قضايا الهجرة والهوية من الموضوعات الأثيرة لدى حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة جان ماري لوبان على مدى تاريخه منذ تأسيسه. وكانت أخر مرة شعر المسلمون الفرنسيون فيها أنهم مستهدفون عندما صوت النواب الفرنسيون ضد ارتداء الحجاب أو النقاب في المدارس العامة. وقالت فرنسية من أصل أسباني تدعى ماري كارمن ارديريو في سوق بأحد الأحياء التي يسكنها خليط من الأعراق في باريس: "نقاش اليوم يتحول إلى نقاش عنصري ولا يخدم سوى هدف انتخابي لجذب الناخبين من (حزب) الجبهة الوطنية. اعتقد بالفعل أننا نحتاج نقاشا عن الهوية الوطنية لتحديد ماهيتها. لأن هوية بلد تبنى نفسها من خلال ثرائها بالثقافات المختلفة للشعب الذي يعيش في هذا البلد سواء كان من المهاجرين أم لا." ونشرت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية بعض التعليقات التي أثارت جدلا. ومن هذه التعليقات تصريح أدلى به اندريه فالنتان رئيس بلدية قرية صغيرة يسكنها 37 شخصا في شمال فرنسا. ونقلت الصحيفة عن فالنتان قوله: "حان الوقت للتحرك لأننا في طريقنا لأن يتم التهامنا.. هناك بالفعل عشرة ملايين منهم.. عشرة ملايين يحصلون على رواتب لكي لا يفعلوا شيئا". من ناحية أخرى, يرى المسلمون في ضاحية "ايفري" بجنوب باريس أن النقاش بخصوص الهوية يثير الخلاف. وقال مسلم فرنسي يدعى أمين: "اعتقد انه نقاش زائف. نحن نتحدث عن الهوية الوطنية.. هوية فرنسا. لكني ولدت في فرنسا وأنا فرنسي وأحمل جنسية مزدوجة فأنا جزائري وفرنسي. لا يمكنني التخلي عن أصلي لأن لي تقاليد". وتابع: "أن تكون فرنسيا يعني أن تحترم القوانين والقواعد في فرنسا ولدي انطباع أنه عندما تتحدث وسائل الإعلام عن ذلك (تحديد الهوية) لا تسأل فيما يبدو سوى جماعة واحدة.. أو لنقل تستهدف.. وهم المنحدرون من المغرب العربي. في حين أن الهوية الوطنية (الفرنسية) تخص الجميع.. جميع الفرنسيين." لكن عبد الحق الفرنسي الذي ينحدر من أصل مغربي لا يفهم على ما يبدو الحاجة لهذا النقاش من الأساس. قال عبد الحق: "إذا سألت طفلي عن هويته فسيجيب أنه فرنسي. لقد ولد في فرنسا وأصله مغربي وعربي وأفريقي وإسلامي أيضا. لكنه فرنسي ولد في فرنسا ولا يفهم هذا السؤال. وجه إليه هذا السؤال بضع مرات ولا يستطيع الإجابة عليه لأنه واضح جدا أنه لا يستطيع أن يجد إجابة." أما خليل ميرون رئيس المركز الثقافي الإسلامي ومدير مسجد ايفري فقد ذكر أن المسلمين يشعرون دائما بأنهم مستهدفون وحثهم على إظهار الجانب الايجابي الحقيقي لعقيدتهم. وقال: "نحن المسلمين تعودنا أن كل واحد يأتي ويعض فينا. ولكن يتبين لي أنه بعد الاستفتاء الذي أجراه الحزب المتطرف في سويسرا على المآذن تبين لنا من الإحصائيات التي أجرتها فرنسا أن هناك 57 في المائة من الفرنسيين ليسوا ضد الإسلام والمسلمين. ولكن هناك 43 في المائة.. هذا عدد كبير. يبدو لي أن المسلمين يجب عليهم أن يعملوا بكل جد. والواجب علينا نحن المسلمين أن نفتح آذاننا وكذلك عيوننا لأن المواطن الفرنسي غير المسلم ليس له فرصة أن يقرأ القرآن أو يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم." كما أوضح أن الممارسة الصحيحة للإسلام ليست مجرد أداء العبادات وأن على المسلمين السعي بجد لتغيير سلوكهم. وقال: "من هنا ليس الشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج. هذه هي الانطلاقة في الحياة الدينية ولكن هناك بنود أخرى هي الدين المعاملة. لا بد أن نكون سفراء لهذا الدين. وكذلك الواجب على السلطة الفرنسية أنها تحترم أولا نفسها وتحترم العلمانية وتحترم المسلمين. هذا من واجبها وسيكون الأمر في حسن.. نرجو أن يكون ما نقوله في حسن ظن الذين نعيش معهم." ومن المقرر أن ينتهي النقاش في الرابع من فبراير بعقد مؤتمر وطني.