بالرغم من المعارضة الشديدة التى وصفها البعض بالمقاومة الشعبية لقانون التقاعد المرهون قيد الإقرار النهائى بمجلس الشيوخ الفرنسى، إلا أن الرئيس نيكولا ساركوزى يصر على تمريره، دون الإصغاء إلى الرفض الجماهيرى الحاشد لرفع سن التقاعد من 60 عاماً إلى 62 عاماً. فعلي ماذا يراهن الرئيس نيكولا ساركوزي في مواجهة هذه العاصفة القوية من الإضرابات والتظاهرات التي تكاد تشل حركة الحياة بفرنسا, وبصفة خاصة بعد دخول طلاب المدارس طرفا فيها ليس فقط بالتظاهر أو الإضراب السلمي, إنما بإثارة أعمال عنف وشغب وتعطيل حركة المرور, بل والحيلولة دون إتاحة الفرصة للآخرين من نظرائهم بمواصلة حصص التعليم مما أصاب أكثر من340 مدرسة ثانوية بغلق أبوابها حسب وزارة التعليم. وإن كانت مشاركة الشباب الحادة في إضرابات الاحتجاج علي قانون التقاعد تذكر بمشروع العمل الأول الذي طرحه رئيس الوزراء السابق دومنيك دوفيلبان في عام2006, وأصر نفس إصرار ساركوزي, حتي طالب الفرنسيون بإقالته, وبدون أدني شك كان لتعنته وتصميمه علي تمرير هذا القانون أثر سلبي علي شعبيته وتدمير مستقبله السياسي وإن كانت هناك أسباب أخري تعلقت بالمنافسة بينه وبين نيكولا ساركوزي الذي كان وزيرا للداخلية آنذاك. وتأتي الإضرابات التي تجتاح فرنسا منذ تمرير قانون التقاعد بالجمعية الوطنية( البرلمان) في شهر سبتمبر الماضي, لتذكر بالموقف المتعنت نفسه الذي اتخذه رئيس الوزراء السابق حينما اشتدت موجة المظاهرات التي استمرت أكثر من شهرين. حيث شهدت فرنسا مظاهرات عنيفة لم تشهدها منذ عقود بمشاركة نحو ثلاثة ملايين مواطن في مختلف أنحاء البلاد احتجاجا علي قانون العمل الأول المسمي بCPE. والمثير في الأمر أن نيكولا ساركوزي الذي كان وزيرا للداخلية ورئيسا للحزب اليميني الحاكم الاتحاد من أجل حركة شعبية آنذاك قد أيقن مدي خطورة الرفض العارم الذي يعبر عنه الشارع لمشروع دوفيلبان, مبادرا علي الفور بإقناع الرئيس شيراك ورئيس حكومته دومنيك دوفيلبان بضرورة البدء في عملية التفاوض مع النقابات العمالية والطلابية التي كانت محركا لتلك الأزمة. ولاحتواء أزمة مشروع دوفيلبان اقترح ساركوزي في حديث أدلي به لصحيفة لوباريزيان الفرنسية يوم الأربعاء29 مارس2006, بعض الحلول لإرضاء الشارع بحيث يتضمن عقد العمل الأول للشباب( أقل من26 عاما) شرط أن يبدي صاحب العمل قدرا أدني من الإيضاح لسبب فصله من العمل خلال عامين من بدء العقد. وفي تلك الآونة اتهمت النقابات الحكومة بعدم القدرة علي استيعاب الأزمة الاجتماعية المتفجرة منذ شهرين ملتمسة من شيراك الاعتراف بقسوة القانون, وأن يستخدم صلاحياته كرئيس للجمهورية, وفقا للمادة العاشرة من الدستور, ويطلب من البرلمان مناقشة نص القانون مجددا لتعديله, وبالفعل استجاب الرئيس السابق جاك شيراك لرغبة المواطنين والنقابات وتم تعديل القانون. لكن الوضع الراهن يختلف.. فالمشروع هو مشروع رئيس الدولة ذاته وإن كان يستعين بوزير العمل أريك فيرت لتمريره , وهو يصر كل الإصرار عليه ضاربا بعرض الحائط تداعيات ذلك من تدني شعبيته والإطاحة به إذا اعتزم الترشح لحقبة رئاسية جديدة.. والسؤال المطروح اليوم هل سقطت من ذاكرة نيكولا ساركوزي كل هذه الأحداث في الوقت الذي تعاني فيه البلاد أزمة حقيقية تهدد بحالة شلل تام ليس فيما يخص تعطيل المدارس والجامعات أو المواصلات العامة في الأرض أو الجو, أو حتي في مصالح الدولة التي تعاني سوء الخدمات تحت طائلة الإضرابات إنما أصبح الأمر يزداد تعقيدا مع تمسك نيكولا ساركوزي بالقانون رغم امتعاض الشارع الذي ينبئ باندلاع ثورة حقيقية, ليس فقط بما يقوم به الشباب من تخريب وشغب إنما بما تعانيه البلاد من إضراب شركات البترول وبداية نقص للوقود في محطات الخدمة والمطارات, ليسجل هذا النقص المرة الأولي في تاريخ البلاد, وهو ما سيلقي بظلاله علي مختلف المناحي الحياتية. فقد أعلن الاتحاد الفرنسي للصناعات النفطية الخميس أنه طلب من الحكومة الإذن باللجوء إلي المخزون الاستراتيجي للنفط وفتح المستودعات النفطية التي تعطلت أنشطتها بسبب الإضراب. ويذكر أن تراجع إنتاج الوقود في فرنسا وصل إلي الدرجة الدنيا, وبات النزاع يشمل شركات تكرير النفط الاثنتي عشرة. ويذكر أيضا تفاقم الوضع جراء إضراب في محطات النفط الرئيسية في فو لافيرا جنوبا التي تحرم ست مصاف من التزود بالنفط الخام منذ18 يوما, وبدء إضراب ثالث منذ الثلاثاء في محطة الهافر. وفي هذا الشأن قال رئيس الاتحاد الفرنسي للصناعات النفطية جان لوي شيلانسكي الذي يمثل العاملين في المصافي إن الاحتياطي في المستودعات يفوق في المتوسط عشرة أيام فقط. وكان الاتحاد قد حذر قبل أسابيع من أن الوضع سيصبح حرجا الأربعاء20 أكتوبر, وهو اليوم المقرر فيه التصويت المثير للجدل بمجلس الشيوخ. وبالعودة لأزمة الوقود بفرنسا طلب رئيس اتحاد الصناعات النفطية من الدولة الإذن للاستفادة من مخزونات الاحتياط المتوافرة لدي الموزعين لتأمين حاجات المستهلكين فترة الأيام العشرة المقبلة. ويذكر أنه يتوافر لفرنسا17 مليون طن من النفط(60% من المشتقات النفطية و40% من النفط الخام) في مخزوناتها الاستراتيجية, أي ما يعادل تغطية98.5 يوم من الاستهلاك. وتتولي إدارة هذه المخزونات اللجنة الفرنسية للمخزونات الاستراتيجية النفطية التي تشرف علي12.5 مليون طن.