نشر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية مقالا للكاتب دانيال روندى، تناول فيه مظاهر ازدياد نفوذ الصين فى قناة بنما وتداعيات ذلك على سياسات الولاياتالمتحدة تجاه القناة... نعرض منه ما يلى. تقع قناة بنما فى مركز الاهتمامات السياسية والاقتصادية العالمية. فحركة التجارة فى القناة تشكل 6% من حجم التجارة العالمية. ازداد بالطبع دور الشحن العالمى للقناة وسط اضطراب سلاسل التوريد العالمية خلال جائحة كورونا. لكن لا تزال الولاياتالمتحدة هى المستخدم الأول للقناة ففى عام 2019، كانت 66% من البضائع العابرة للقناة قادمة من أحد الموانئ الأمريكية أو أنهت رحلتها هناك؛ بينما شكلت البضائع القادمة من الصين أو المتجهة إليها 13% فقط من حركة مرور القناة. ومع ذلك، فإن الصين هى المصدر الرئيسى للمنتجات التى تمر عبر منطقة كولون (منطقة للتجارة الحرة فى بنما)، وقد أدى وجودها المتزايد فى القناة وحولها إلى جعل القناة نقطة اشتعال للمنافسة بينها وبين الولاياتالمتحدة. لكن نفوذ الصين فى قناة بنما نما فقط منذ عام 2017 عندما قطع الرئيس البنمى آنذاك كارلوس فاريلا العلاقات الدبلوماسية مع تايوان واعترف بالصين، مما فتح الباب لمشاركة الصين الموسعة فى البنية التحتية الحيوية للقناة. كيف تدار قناة بنما حاليا؟ كانت قناة بنما مملوكة بالكامل وتديرها جمهورية بنما منذ نقل الإدارة من لجنة قناة بنما المشتركة بين الولاياتالمتحدةوبنما فى عام 1999. أما اليوم، فإن هيئة قناة بنما (ACP) مكلفة بإدارة وصيانة موارد القناة وأمنها ككيان مستقل عن الحكومة الوطنية. يتكون مجلس إدارة القناة من قبل 11 عضوًا يتمتعون باختصاصات متداخلة لضمان الاستقلال. ورئيس مجلس الإدارة المعين من قبل رئيس بنما يحمل رتبة وزير دولة لشئون القناة. لكن هناك معاهدة خاصة بالقناة ذات صلة بالنفوذ الأمريكى والصينى فى القناة ولا تزال سارية بدون تاريخ انقضاء. تضمن المعاهدة، الموقعة بين بنماوالولاياتالمتحدة، الحياد الدائم للقناة مع وصول عادل لجميع الدول وتوقيع رسوم غير تمييزية. تنص المعاهدة كذلك على أن بنما فقط هى التى يحق لها تشغيل القناة. ومع ذلك، احتفظت الولاياتالمتحدة فى المعاهدة بالحق فى استخدام القوة العسكرية للدفاع عن القناة ضد أى تهديد لحيادها. وبالتالى يمكن لأى تهديد صينى لحياد القناة أن ينشط القوات الأمريكية هناك، مما يعنى أنه يجب حساب التدخلات الصينية الحالية والمستقبلية فى القناة مع وضع استجابة محتملة فى الاعتبار. نفوذ الصين فى قناة بنما شاركت الشركات الصينية بشكل كبير فى العقود المتعلقة بالبنية التحتية لقطاعات الخدمات اللوجستية والكهرباء والبناء فى بنما. وتتلاءم هذه المشاريع بشكل طبيعى مع رؤية الصين لمبادرة الحزام والطريق، والتى كانت بنما أول دولة فى أمريكا اللاتينية توقع عليها فى عام 2018. فى عام 2016، أبرمت صفقة بقيمة 900 مليون دولار بين بنما وشركة لاند بريدج جروب فى الصين، استحوذت بموجبها الأخيرة على جزيرة مارجريتا، أكبر ميناء فى بنما على الجانب الأطلسى من القناة. سمح موقع الميناء للصين بالاستفادة من توسيع القناة. بالإضافة إلى ذلك، فى مارس 2021، بدأت الحكومة البنمية عملية تجديد عقد إيجار لشركة هوتشيسون الصينية فى هونغ كونغ، تعمل الشركة على تشغيل ميناءى بالبوا وكريستوبال، وهما مينآن رئيسيين للقناة فى المحيط الهادئ ومنافذ الأطلنطى، على التوالى. علاوة على ذلك، فى عام 2018، أعلنت شركة صينية بمشاركة شركتين أخريين أنها حصلت على عقد بقيمة 1.4 مليار دولار لبناء جسر القناة الرابع، والذى أطلق عليه الرئيس فاريلا آنذاك «خامس أهم مشروع فى تاريخ البلاد». فى الآونة الأخيرة، أنهت شركة تشييد صينية إنشاء مركز مؤتمرات أمادور على طول جانب المحيط الهادئ من القناة، وهو مشروع تم التعاقد عليه مع حكومة فاريلا وتم تمويله بقروض صينية. استثمرت الصين أيضًا فى منشآت متعلقة بالطاقة على طول القناة. باختصار، تعد قناة بنما بلا شك بوابة مهمة لوجود أوسع للصين ومركزا لوجستيا للبضائع الصينية التى تدخل المنطقة. وبصرف النظر عن مشاريع البنية التحتية، ستنشئ خطة أُعلن عنها فى سبتمبر 2020 نظامًا لإدارة المياه لمكافحة الجفاف، الذى يهدد تشغيل القناة، ولكنه سيؤثر أيضًا على الوصول المحلى للمياه على مدار الخمسين عامًا القادمة. وهذا يمثل فرصة أخرى لاستثمار ووجود الصين فى بنما خارج القناة. أما فى الربعين الأول والثانى من عام 2020، فابتعدت الصين عن استثمارات البنية التحتية والأعمال التجارية التقليدية وركزت على دعم حرب بنما ضد جائحة كوفيد19. وبين فبراير ويونيو 2020 فقط، تلقت بنما ما يقرب من مليونى دولار من المساعدات فى شكل إمدادات متعلقة بالرعاية الصحية من الصين. من المحتمل أن يكون هذا الاهتمام بموارد الرعاية الصحية فى بنما نابعًا من تسبب الوباء فى مارس 2020 فى توقف العديد من مشاريع البنية التحتية، بما فى ذلك الجسر الرابع للقناة. تم استئناف بعض الأعمال فى أواخر عام 2020، لكن التقدم ظل بشكل عام بطيئا. ماذا سيحدث فى 16 يناير 2022؟ إحدى الشركات الصينية الحاصلة على عقد امتياز هى شركة هوتشيسون. ومن المقرر أن ينتهى عقدها الذى تبلغ مدته 25 عامًا لميناء كريستوبال فى 16 يناير 2022، لذلك قدمت الشركة طلبًا للتمديد فى مارس 2021؛ وتواجه الحكومة البنمية الآن قرارًا حاسمًا بشأن الاستمرار فى عقد الامتياز من عدمه. فى عام 1997، عندما فازت الشركة بالعقد لأول مرة، خلص تقرير من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى إلى أن تطوير هوتشيسون لموانئ القناة لم يكن تهديدًا مباشرًا للأمن القومى. ومع ذلك، فى أعقاب حملات القمع التى شنتها الصين على هونغ كونغ فى عام 2020، فإن امتلاك ميناءين رئيسيين تديرهما شركة صينية مقرها هونغ كونغ يمثل مصدر قلق أمنى أكبر اليوم مما كان عليه قبل عقدين. لذلك سيكون قرار بنما بشأن تجديد عقد هوتشيسون حاسما وسيحدد اللاعبين الجيوسياسيين للقناة لسنوات قادمة. تداعيات نفوذ الصين فى القناة أثار توسع الصين فى المرافق المتعلقة بالموانئ قلق الولاياتالمتحدة لأنها تنظر لهذا التوسع على أنه تهديد لحيادية القناة. حيث يعبر القناة 66% من البضائع القادمة من الأسواق الأمريكية أو المتجهة إليها، مما يجعل الوصول الحر والعادل للقناة مسألة أمن قومى أمريكى. وفقًا لذلك، تعد القناة أحد الأصول الأمريكية التجارية الرئيسية، حيث تعمل كبوابة بين المحيطين الأطلنطى والهادئ ومساهم قوى فى خفض تكاليف الشحن للتجارة الأمريكية والعالمية. ومن المرجح أن تستمر القناة فى كونها نقطة توتر فى العلاقات الأمريكيةالصينية مع توسع النفوذ الصينى هناك. صحيح أن الصين لا تدير القناة، فهى تدير الميناءين فقط، مما يعنى أنها لا تتفاعل أو تؤثر على جميع البضائع التى تمر عبر القناة. إلا أن زيادة سيطرة الشركات الصينية على عمليات الشحن المتجهة إلى الولاياتالمتحدة ودول أخرى هى نقطة خلاف. مؤخرًا، تباطأ انتشار الصين فى قناة بنما، ويرجع ذلك فى الغالب إلى السياسات الأمريكية ووباء كوفيد19. على سبيل المثال، فى عام 2018 أنهت الضغوط الأمريكية والداخلية خطط الصين لبناء سفارة كبيرة عند مدخل القناة. كما تم إلغاء العديد من المشاريع التى تم البدء فيها أو تأجيلها أو تقليصها خلال الإدارة الحالية للرئيس لورنتينو كورتيزو. يشير تقليص حجم المشاريع الصينية من قبل إدارة كورتيزو إلى أنه لا توجد فقط رغبة فى الحفاظ على علاقات قوية ومفتوحة مع الولاياتالمتحدة، ولكن أيضًا فرصة للولايات المتحدة لتأخذ زمام المبادرة فى المنافسة الجيوسياسية المحيطة بقناة بنما. دمج قناة بنما فى استراتيجية الولاياتالمتحدة تجاه أمريكا الوسطى تتناسب الاستراتيجية التى تسعى إلى زيادة الاستثمار الأمريكى والمشاركة الاقتصادية والبنية التحتية واسعة النطاق فى القناة مع الهدف الأوسع للولايات المتحدة المتمثل فى استخدام النفوذ الاقتصادى والسياسى لمواجهة النفوذ الصينى فى المنطقة. الولاياتالمتحدة ستحتاج إلى صياغة نهج فريد لتعزيز وجودها فى بنما وخاصة حول القناة. وباستخدام استراتيجية إدارة بايدن تجاه أمريكا الوسطى كإطار عمل، يمكن أن يندرج الاستثمار فى قناة بنما فى إطار الجهود المبذولة لتعزيز الأمن وتعزيز الحكم القوى وسيادة القانون. يمكن للولايات المتحدة أيضا العمل مع هيئة قناة بنما لمكافحة الفساد فى منح العقود العامة المتعلقة بمشاريع البنية التحتية للقناة، مما يعزز الشفافية التشغيلية للقناة. هنا أيضًا، يمكن للولايات المتحدة الانخراط فى القضايا الأمنية، ودعم التدريب على عمليات التفتيش وعمليات مكافحة الاتجار فى المخدرات والتهريب. إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد النص الأصلى: