على رصيف أحد الشوارع جلس عيد محمد 41 عاما القرفصاء منكمشا من البرد فى المكان المعروف لتجمع عمال التراحيل، وهو واحد منهم، مستعدا بمعداته، متطلعا لوجوه المارة من حوله، ربما يكون أحدهم زبونا سيطلبه للعمل اليوم ويعطيه أجرا يساعده فى توفير احتياجاته، ومتطلبات أسرته خلال باقى الأيام التى لا يجد فيها عملا. «هاتكلم معاكى لكن لو جاء زبون هاسيبك واشوفه»، كان هذا هو شرط عيد ليتحدث مع «الشروق» عن مهنته التى عرفها منذ «وعى على الدنيا» كما يقول، لأنه لا يضمن أن يأتى زبائن كل يوم. يبدأ عيد يومه من الساعة الثامنة صباحا، حيث يذهب إلى مكان التجمع المعروف لعمال التراحيل مستعدا بأدواته التى تتكون من مسامير صلب، وشواكيش، ومرزبة، وأجَنة، ويظل فى نفس المكان حتى نهاية اليوم فى انتظار أن يأتيه شخص يرغب فى تكسير حيطان منزله، أو نقل بقايا الهدم أو الرمال أو البلاط مقابل مبلغ مالى يتراوح ما بين 35 و60 جنيها أو حسب الاتفاق مع صاحب العمل. لكن مهمات العمل تلك ليست منتظمة يوميا كما يوضح عيد «الأرزاق بتاعة ربنا، أوقات نشتغل يوم واثنين وثلاثة فى الأسبوع الواحد، وأوقات نفضل الأسبوع كله من غير شغل»، الذى يقول إن أكثر فترات العمل ازدهارا تكون فى فترة الصيف، فمع بدء الإجازات تزيد رغبة الناس فى تجديد منازلهم، وبالتالى يزيد الطلب على العمال، الذين يقومون بالتكسير أو نقل بقايا الهدم والطوب وغيرها من المهام. ترجع أصول عيد لمحافظة المنيا، حيث تعيش أسرته المكونة من الزوجة وستة أبناء، والتى اضطر للبعد عنها والعمل فى هذه المهنة، لأنه لم يجد عملا فى محافظته سوى فى محاجر الطوب الأبيض، التى كانت تقوم بإدارتها مصانع خاصة، وقد عمل فيها بالفعل إلى أن أصدر المحافظ قرارا بفرض ضريبة على الشركات بقيمة جنيه يوميا على كل عامل، مما جعل الشركات توفر فى العمالة، حسب قوله. «الكلام عن أن الصعيد بقى فيه شغل ده كلام تليفزيونات، لو فى خير فى محافظاتنا كنا نمنا هناك، إيه اللى يخلينى آجى هنا، واعرض نفسى للذل ده؟ تفتكرى أنا مبسوط وأنا قاعد على الرصيف كده والناس بتتفرج عليا؟»، يتساءل عيد. وكان تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء قد كشف عن ارتفاع معدل البطالة إلى 9.36% فى الربع الثالث من العام الحالى 2009 مقارنة ب8.55% خلال نفس الفترة من العام الماضى، وارتفع المعدل فى الحضر بنسبة 2.4% ليصل إلى 13.7% مقارنة ب11.3% فى العام الماضى، بينما انخفض معدل البطالة فى الريف بنسبة 0.4% مسجلا 6.1%، مقارنة ب 6.5% العام الماضى. وكان عيد يعانى مع زملائه حتى فترة قريبة من ملاحقة رجال الشرطة لهم وحجزهم فى الأقسام بحجة أنهم «من النازحين»، الذين لا يجب أن يعملوا بالقاهرة، حيث يوضح أن هذا الوضع كان يتسبب فى ضياع أيام كثيرة بدون عمل يقضونها فى الزنازين مع المجرمين، وهو يرفض أن يقال عنهم نازحون مبررا ذلك «بأنهم ليسوا من فلسطين» لتطلق عليهم هذه الكلمة. ويقيم عيد فى غرفة مشتركة فوق سطح إحدى البنايات مع ثلاثة من زملائه يتشاركون إيجارها الذى يتراوح بين 100 و150 جنيها شهريا، ويحاول مع رفقائه أثناء انتظارهم طوال اليوم البحث عن أرخص الأماكن، التى يمكن أن يتناولوا فيها الطعام توفيرا للنفقات، حتى يتمكن من إرسال ما يتبقى من دخله لأبنائه فى المنيا. ولدى عيد مطلب بسيط هو أن يتم رفع «راتب العيش»، وهى حصة الخبز المدعم التى أصبحت تخصص لكل عائلة فى منافذ التوزيع بعد أزمة الخبز، الذى تحصل عليه أسرته المكونة من سبعة أفراد، حيث يحصلون على سبعة أرغفة يوميا فقط من المفترض أن تكفيهم لثلاث وجبات، ويقول «أنا عايز اشتكى وزارة التموين.. فى ناس بتاخد عيش بجنيه واتنين، وأنا شفت بعينى أصحاب الأفران بيهربوا الدقيق». ويشار إلى أنه بعد اندلاع أزمة الخبز فى مصر خلال العام الماضى بدأت الحكومة فى اتخاذ عدد من الإجراءات لضمان التوزيع العادل على جميع المواطنين من بينها فصل الإنتاج عن التوزيع، وهو ما أدى حسب الحكومة المصرية للقضاء بنسبة 80% على ظاهرة الطوابير الطويلة التى كانت تستهلك ما يقارب 50% من وقت الفقراء، الذين يمثلون نحو 20% من إجمالى عدد السكان. وفى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وضيق الفرص يستنكر عيد ضرورة توافر واسطة أو تقديم رشاوى للتحقيق مصلحة حتى لو كانت قانونية، فيحكى أنه أراد فى يوم أن يستخرج شهادة ميلاد لأحد أبنائه إلا أن الموظف المختص ظل يراوغه ورفض إنهاء الأمر قبل أن يحصل على 80 جنيها، كما يحاول أن يجد وظيفة لزوجته الحاصلة على دبلوم صنايع قسم غزل ونسيج، إلا أنه أمر صعب أيضا لعدم وجود واسطة تمكنه من تنفيذ ذلك. ولير عيد أبناءه وزوجته المقيمين فى محافظة المنيا يقوم بالسفر إليهم كل 20 يوما تقريبا، لكنه لا يستخدم فى سفره القطارات، التى يرى أنها منذ التطويرات، التى تمت بها زادت حوادثها أكثر، لذلك فهو يعتمد على سيارات الميكروباص فى سفره الشهرى. ولأنه «عامل على باب الله» فهو ليس مسجل فى دفاتر التأمين الصحى أو التأمينات الاجتماعية، لذلك تكون مأساته أكبر إذا أصاب أحد أبنائه المرض. ويقول عيد: «الناس الغلابة اللى زينا ربنا هو اللى بيبص عليهم لكن الحكومة والمسئولين ما يعرفوش عننا أى حاجة».