«إنت منين أصلا؟»، سؤال معتاد يوجه لكل ساكن للقاهرة، يفترض مسبقا أن قلة فقط هى التى ترجع أصولها إلى العاصمة، وهو الافتراض الذى تدعمه الدراسات عن الهجرة الداخلية فى مصر والذى يتجه القسم الأعظم منها إلى القاهرة الكبرى. من 700 ألف مهاجر فى بداية القرن العشرين إلى 4 ملايين قرب نهايته، تزايدت أعداد المهاجرين داخليا بين محافظات مصر. (الأرقام سجلها د. محمد على حسانين فى رسالته للدكتوراه «الهجرة الداخلية فى مصر خلال الفترة «19601996» دراسة جغرافية» التى ناقشها هذه السنة قبل ثلاثة أشهر). شكلت موجات الهجرة الداخلية بالفعل التركيبة السكانية للقاهرة الكبرى، ففى عام 1960 بسبب مشروعات التنمية والصناعة رصدت الإحصاءات أن القاهرة شهدت هجرة من المحافظات أخرى شكلت ثلث سكانها آنذاك، وهذه كانت أكبر موجة هجرة إلى القاهرة رغم أن المعدلات لم تنخفض كثيرا، ففى عام 1996 رصدت الإحصاءات أن الموجات الأحدث من الهجرة شكلت نحو ربع سكان القاهرة، والموجات المتتالية للاستقرار فى القاهرة جعلتها مكان تركز الزيادة السكانية فى مصر وهو ما حاصر المدينة من جهتين. فمن ناحية، زادت مساحة العشوائيات لتتحمل الطلب على السكن الرخيص من قبل المهاجرين الهاربين من معدلات الفقر الأكثر ترديا فى المحافظات التى تعانى من انخفاض نصيب الفرد فى الناتج القومى. ومن ناحية أخرى، سجل نمط الاستهلاك فيها معدلات عالية بسبب ارتفاع مستوى معيشة قطاعات أخرى من المهاجرين، حيث يرصد الدكتور حسانين أن ترقى الحالة المهنية يأتى مصاحبا لهجرة القطاعات الفنية والعلمية والمديرين والإداريين. أكثر أشكال الاستهلاك تأثيرا على المدنية هو استهلاك السيارات، ففى أوائل الثمانينيات كانت القاهرة من المدن التى حققت أعلى معدلات زيادة فى أعداد السيارات الخاصة، وفى عام 1999 كانت فى القاهرة مليون سيارة بحسب تقرير لوزارة النقل صدر عام 2002. وهو ما أدى إلى أزمة مرورية دائمة تخنق العاصمة على الدوام، وتعبر عن ذلك دراسة رصدت أن متوسط سرعة السيارات فى العاصمة كان نصف متوسط سرعة السيارات فى مدن ليست أقل ازدحاما مثل فرانكفورت أو لندن (بحسب نفس التقرير). وفى 2006 أصدر مكتب الأممالمتحدةبالقاهرة ومعهد التخطيط القومى تقرير التنمية البشرية الذى أوصى بإعلان القاهرة مدينة مغلقة للحد من الهجرة الداخلية إليها، ورسم خريطة عقارية جديدة تركز على المدن الجديدة والتجمعات العمرانية فى المحافظات المختلفة، ودعا إلى إنشاء عاصمة جديدة إدارية تكون مقرا للحكومة من أجل إنقاذ مستوى الحياة فى القاهرة وتخفيف الضغط السكانى عليها مع الاحتفاظ بها مركزا ثقافيا وتجاريا. يشير د. حسانين فى دراسته إلى جهود الدولة وخططها من أجل تقليل الهجرة الداخلية إلى المحافظات الجاذبة وعلى رأسها القاهرة، ويذكر التوسع فى إنشاء المدن التوءمية حول المدن الكبرى مثل مدن 6 أكتوبر ومايو والعاشر من رمضان ومدن بنى سويف الجديدة والمنيا الجديدة، ومحاولة تنشيط الصناعة والسياحة فى مناطق مختلفة لجذب السكان إليها، ولكن دراسته لا تتوقع أن يسهم ذلك فى تقليل الظاهرة إلا بنسبة ضئيلة. فيقول إنه بفرض ثبات معدل النمو السكانى وثبات الأحوال السياسية والاقتصادية الحالية فإنه من المتوقع أن يبلغ حجم الهجرة الداخلية 5 ملايين فى 2011 وأن يزيد على 7 ملايين عام 2026.