بعد خمسين يوماً من دخوله إلى البيت الأبيض، لاحظت استطلاعات الرأى الأمريكية أن الرئيس أوباما فقد بعضاً من شعبيته، وخفف بعضا من وعوده الانتخابية، فى مواجهة القوى السياسية التى وسمت السياسة الأمريكية عادة، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وكان الكثيرون قد هللوا له فى الدول العربية على أساس أنه سينهج نهجاً أكثر اعتدالاً وتوازناً حيال الصراع العربى الإسرائيلى بالمقارنة بسابقه بوش. وكانت المعركة الأولى التى خسرها أوباما أمام سطوة اللوبى الصهيونى، حين اضطر إلى التخلى عن اختياره للسفير الأمريكى تشارلز فريمان لرياسة المجلس الوطنى للاستخبارات، نظراً لخبرته الواسعة بالشرق الأوسط. حيث خدم سفيراً فى السعودية وفى مجالات الأمن والاستخبارات، وذلك تحت ضغط تسريبات وصفت فريمان بأنه شخصية مثيرة للجدل، بسبب انتقاداته لتأثير اللوبى الصهيونى على السياسات الأمريكية، ورفضها لأى نقد يوجه للمسئولين الإسرائيليين. غير أن أكثر ما يثير الانتباه فى هذا الصدد، أنه بالرغم من الدلائل التى تشير إلى أن المنطقة مقدمة على التعامل مع حكومة عنصرية يتولى حقيبة الخارجية فيها شخص مثل ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا»، الذى لا يعترف بحل الدولتين، ولا بالتفاوض مع الفلسطينيين، فقد مضت واشنطن بحماس شديد إلى تنفيذ مذكرة التفاهم الأمريكية الإسرائيلية التى وقعتها ليفنى ورايس قبل انتهاء ولاية بوش بساعات. وركزت فيها على ما سمته منع «تهريب» الأسلحة والتجهيزات العسكرية إلى الإرهابيين فى غزة، أى إلى حركة حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية!! وشرعت واشنطن فى حشد عدد من شركائها فى حلف الأطلنطى لمراقبة ومنع تهريب السلاح عبر البحر المتوسط وخليج عدن والبحر الأحمر وشرق أفريقيا.. بالرغم من الاعتراضات والتحفظات التى أبدتها مصر على هذه الاتفاقية، والتى اعتبرت عملاً خارجاً على نطاق القانون الدولى. فضلاً عن افتقارها لأهداف شاملة تتلاءم مع جهود السلام ومدى التزام إسرائيل بشروط الرباعية الدولية فى وقف العدوان والاستيطان. شهد هذا الاجتماع فى لندن مندوبون إسرائيليون. ورفضت مصر الذى أريد لها أن تشارك فى إحكام الحصار على غزة حضور هذا المؤتمر. كما لم يشهده مراقبون من السلطة الوطنية الفلسطينية. وليس شك فى أن هذه التحركات تأتى فى وقت بالغ الحساسية من الجهود المضنية التى تبذلها مصر للمصالحة بين الفلسطينيين، وتبدو بمثابة طعنة فى ظهر المساعى المبذولة لحل القضايا الخلافية بين الفصائل حيال التقدم نحو السلام، عن طريق ابتداع سياسات تسمح للسلطة بمواصلة جهود التسوية السلمية، ومن غير إجهاض لحق الشعب الفلسطينى فى المقاومة، وبالأخص فى ضوء الهجوم الإسرائيلى الوحشى الأخير على غزة. ومن التناقضات التى تميز هذه السياسات الغربية الملتوية، ما نراه من تدفق وفود وشخصيات برلمانية وسياسية غربية لإجراء لقاءات مع ممثلى حماس، لإقناعها بالاعتراف بإسرائيل وبشروط الرباعية الدولية مقابل الاعتراف بها طرفاً أساسياً فى مفاوضات الحل، والالتزام بنبذ العنف.. فى الوقت الذى أسفرت فيه إسرائيل عن وجهها اليمينى المتطرف برياسة حكومة لا تعترف بأى بند من بنود الرباعية الدولية. وذلك بفضل السياسات الغامضة غير العادلة التى تنتهجها واشنطن وتسايرها فيها دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا التى تدعى أنها تعمل من أجل السلام والاستقرار. يجازف أوباما الآن فى سبيل حل قضية أفغانستان بالسعى عن طريق اتصالات سرية مع الملا عمر بوساطة سعودية، وبالرغم من كل شىء.. ولكن السياسة الأمريكية تبقى أيضاً وبالرغم من كل شىء أسيرة للضغوط الصهيونية عاجزة عن الفكاك منها.