بعد أن لعب الأمن الدور الأساسى فى تحديد الفائز فى الانتخابات الأمريكية فى عام 2004، أصبحت الأوضاع الاقتصادية هى الورقة الأساسية فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى ستجرى بعد غد الثلاثاء القادم، والتى يتنافس فيها مرشح الحزب الديمقراطى باراك أوباما مع نظيره الجمهورى جون ماكين. فالاقتصاد الأمريكى واجه فى العام الأخير عدة ضربات موجعة بدأت بأزمة الرهون العقارية عالية المخاطر "سابريم" وانخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية فى العالم وارتفاع سعر النفط، ثم أخيرا الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من انهيار العديد من المؤسسات المصرفية الأمريكية العملاقة، وعلى رأسها بنك "ليمان براذرز". وأثرت كل هذه الضربات على النمو الاقتصادى الأمريكى حتى أن معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى تراجع خلال الربع الثالث من العام الجارى بنسبة 0.3%، ليسجل أسوأ مستوى له منذ عام 2001، وهو ما أدى بالتالى لارتفاع معدلات البطالة فى الولاياتالمتحدة التى وصلت فى شهر أغسطس الماضى إلى 6.1%، وهو أعلى معدل لها منذ خمس سنوات، وأصبح لسان حال المواطن الأمريكى يقول "أقتلنى وأعطنى عملاً" على حد قول نيكول جافالى، صحفية من نيويورك تدرس العربية فى القاهرة. ولا يبدى الناخب الأمريكى حاليا أى اهتمام بموقف المرشحين من القضايا الدولية كالشرق الأوسط والاحتباس الحرارى، مركزا اهتمامه حول ما يعرضه المرشحان من حلول للخروج الأزمة المالية. وفى هذا الإطار، تقول جافالى إنه خلال المناظرات الثلاث التى جرت بين أوباما وماكين، أظهر أوباما ردود أفعال أقوى من نظيره تجاه الأزمة الاقتصادية، على الرغم من قلة خبرة المرشحين فى الأمور الاقتصادية، مشيرة إلى أن ماكين حاول التنصل من مواجهة أوباما فى المناظرة الثالثة، متعللا بأنه سيتوجه لواشنطن لمناقشة الأزمة الاقتصادية مع المسئولين، إلا أنه بقى فى نيويورك حتى صباح اليوم التالى على الرغم من قيامه بإلغاء جزء كبير من جدول أعماله فى ذلك اليوم كما كشف القائمون على حملته الانتخابية. من ناحيتها، تقول جوليت بلاك، صحفية من كاليفورنيا مقيمة بالقاهرة، إن قضايا الإرهاب والأمن تراجعت إلى المرتبة الثانية فى ترتيب أولويات الناخب الأمريكى الذى يهتم حاليا بتأمين مستقبله المالى ويرغب فى الحصول على إجابة مقنعة عن تساؤلاته حول كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، مشيرة إلى أنه يجب الربط بين التكلفة التى تحملها المواطن الأمريكى بسبب الحرب على العراق. من جانبه، يرى عبدالله ذهينى، أمريكى من أصل مصرى، أن المواطن الأمريكى يصب اهتمامه حاليا على مستقبل الاقتصاد والخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم فى ظل مؤشرات الانكماش التى باتت تهدد الاقتصاد الأمريكى، موضحاً أن وسائل الإعلام الأمريكية تلقى الضوء بصورة أكبر على السياسات الاقتصادية لكلا المرشحين، وهو ما يؤكد تراجع الاهتمام بالمسألة الأمنية. ويرى جوهان باير، أحد الجنود الأمريكيين الذين أنهوا خدمتهم العسكرية فى العراق ويدرس العربية حاليا فى القاهرة، أن أحد أسباب تراجع دور المسائل الأمنية فى التأثير على الانتخابات هو أن الحرب على العراق أصبحت مرادفاً لفشل إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش وللأكاذيب التى ساقتها هذه الإدارة الجمهورية لإقناع المواطنين بجدوى الحرب، مؤكدا أن الأمريكيين لا يشعرون حاليا بأنهم مهددون من قبل العراق أو أفغانستان كما كان الحال فى عام 2004. ويشير باير إلى أن الوضع الاقتصادى الحالى فى الولاياتالمتحدة يساند ما يقوله الديمقراطيون "إن الجمهوريين تسببوا فى انهيار الدولة بسبب سياساتهم الاقتصادية والأمنية. إلا أن ديفيد داجنر، المصور الصحفى من ولاية جورجيا والذى ينتمى لعائلة غالبا ما تصوت للجمهوريين، فيرى أن الحرب على العراق وأفغانستان لن تؤثر فى تصويت الأمريكيين إلا فى نطاق ضيق جداً، وخاصة بين الأسر التى فقدت أبناءها فى هذه الحرب. وحول إعلان تنظيم القاعدة تأييده لجون ماكين، يتفق الأمريكيون أن هذا الإعلان لن يؤثر على فرص المرشحين، حيث إن الأمريكيين لا يعيرون أى اهتمام لما تبديه القاعدة من رأى فى الشأن الأمريكى الداخلى، بل على العكس يمكن للمعسكرين استخدام هذا الإعلان بما يقوى موقفه، فمعسكر أوباما سيستفيد منه على اعتبار أنه يساند حججه ضد الجمهوريين فيما سيستخدمها ماكين على أنها خدعة تلجأ إليها وسائل الإعلام لإضعاف موقفه أمام الرأى العام، حيث يشير جوهان باير إلى أن أغلب الأمريكيين لا يعرفون ما أعلنته القاعدة. غير أن نيكول جافالى ترى أنه إذا كانت القاعدة قد أعلنت تأييدها لأوباما وليس لماكين، لكان لذلك تأثير كبير على سير الانتخابات، لأن الناخبين كانوا سيربطون ذلك بالادعاءات التى تقول بأن أوباما يرتبط بجماعات اليسار الأمريكية، التى كانت رمزا للارهاب فى الولاياتالمتحدة فى حقبة سبعينيات القرن الماضى، فضلا عن أصوله المسلمة. ويعلق داجنر على هذا الإعلان بقوله ساخراً، إنه لا يعرف ما إذا كان ذلك يعنى أن يقوم الأمريكيون بالتصويت للإرهاب أم ضد الإرهاب. وفيما يتعلق بمدى تأثير وقوع هجوم إرهابى فى أمريكا أو ضد مصالح أمريكية فى الخارج قبل ساعات من الانتخابات على فرص أى من المرشحين، يرى عبد الله زهينى أن حدوث ذلك سيقوى من موقف الجمهوريين فى الانتخابات، حيث إن هناك شعورا سائدا لدى الأمريكيين بأن الجمهوريين يتبعون سياسات أمنية قوية فى حين يتمتع الديمقراطيون بالكفاءة فى السياسات الاقتصادية واستخدام الوسائل الدبلوماسية. وهو الرأى الذى يتفق معه دافيد داجنر، إلا أنه يرى أن التأثير لن يكون بالحجم المتوقع. من جانبها ترى جوليت بلاك و نيكول جافالى أن أى تأثير لمثل هذا الهجوم الإرهابى سيعتمد كلية على طريقة رد فعل كل معسكر.بينما يرى جوهان باير، أن وقوع مثل هذا الهجوم الإرهابى لن يكون له أدنى تأثير، مشيرا إلى أن أوباما قادر على حسم الانتخابات حيث إن الأمريكيين يشعرون بعدم الارتياح نحو الطريقة التى أدار بها ماكين حملته الانتخابية، خاصة بعد اختياره لسارة بالين لمنصب نائب الرئيس وردود أفعاله نحو الأزمة الاقتصادية، وهو ما يعنى أن الأمريكيين ليس لديهم ثقة فى حكمه على الأمور أو مدى خضوعه لتأثير مستشاريه، وهو ما كان يمثل مشكلة كبرى خلال فترة حكم بوش. وحول مخطط اغتيال أوباما الذى جرى إحباطه ومدى تأثير ذلك على مسيرة الانتخابات يرى ديفيد داجنر أنه لن يكون له أدنى تأثير، وهو الرأى الذى تتفق معه نيكول جافالى بقولها إن أى شخص يمكن أن يكون هدفا للاغتيال. إلا أن جوليت بلاك ترى أن مثل هذا المخطط قد يضعف موقف أوباما بالقدر الذى يمكن له أن يقويه، فمن ناحية قد يثير هذا المخطط مخاوف الأمريكيين من انتخاب رئيس قد يفقدونه وبالتالى يصوتون لصالح ماكين، ولكن من ناحية أخرى فإن ذلك يلفت نظر الأمريكيين إلى أهمية منصب نائب الرئيس وبالتالى عقد مقارنة بين المرشحين لهذا المنصب وهما جو بايدن من الجانب الديمقراطى وسارة بالين من الجمهوريين، وهى مقارنة تصب فى صالح أوباما نظرا لخبرة نائبه بايدن مقارنة ببالين. من جانبه، يرى عبدالله ذهينى أن هذا المخطط الذى يجب أخذه على محمل الجد على حد قوله، يدعم موقف أوباما حيث يوضح المشكلات التى يمكن أن يثيرها مؤيدو ماكين. إلا أن باير يرى الموقف بصورة مغايرة تماما، فهو يرى أن الثقافة الأمريكية تتسم بالتنوع فى وجهات النظر والميول حتى من حيث درجات الجنون، مشيرا إلى أن من قاموا بهذا المخطط ينتمون لهذه الفئة الأخيرة. وأوضح باير أن هذا المخطط قد يتواجد فى أى نظام سياسى بدءاً من الفاشية وحتى الشيوعية وموجودة فى أى مجتمع سواء كان مسيحيا أو مسلما، مشيرا إلى أن بعضا من هذه المحاولات قد ينجح مثل اغتيال مارتن لوثر كينج وجون كينيدى فى ستينيات القرن الماضى وانفجارات أوكلاهوما فى عام 1995 أو هجمات الحادى عشر من سبتمبر فى عام 2001، وأغلب الهجمات لم تتعد كونها فكرة تحدثت وسائل الإعلام عن إحباطها. وفيما يتعلق بشخصية أوباما وماكين، ترى جوليت بلاك أن أوباما يتسم بالكاريزما ويجيد فن الخطابة، إلا أنه لم يفصح عن تفاصيل الإجراءات التى يمكن اتخاذها للتعاطى مع المسائل المطروحة فى ذهن الناخب الأمريكى، مشيرة إلى أن الموقف الوحيد الواضح للمرشح الديمقراطى هو سحب القوات الأمريكية من العراق، أما بالنسبة لماكين فهى ترى أن عهده سيكون امتدادا لسياسات بوش، وهو ما تتفق معها فيه نيكول جافالى التى ترى أن أوباما سيقلص من السلطة التنفيذية. وقال عبدالله ذهينى إن شخصية أوباما تتسم بالحيوية والشباب، موضحا أن أفكاره الاقتصادية الخاصة بالطبقة الوسطى فى المجتمع الأمريكى تلقى جاذبية لدى الأمريكيين، بالإضافة إلى ميله لاستخدام الدبلوماسية بدلا من السلاح فى مواجهة الأزمات. ويرى ديفيد داجنر أن الفارق الأساسى بين المرشحين يكمن فى أن ماكين مثل "الطيار المقاتل"، موضحا أن شخصيته تتسم بالقدرة على تغيير موقفه وفقا للمعطيات اللحظية بمعنى أنه يمكن له تغيير خططه بتغير المعطيات، أما أوباما فيتسم بأنه يأخذ وقتا كافيا فى التفكير فى المشكلات وعندما يعطى رأيا يكون واثقا منه. وفى هذا الإطار، يقول شارل بليك، وهو أمريكى أفريقى من العاصمة واشنطن وطالب بقسم اللغة العربية ودراسات الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية، إن أهم ما يميز حملة أوباما الانتخابية أنه لم يلجأ أبدا إلى التركيز على لون بشرته، مشيرا إلى أنه إذا كان قد لجأ لذلك لكان قد فقد احترام المواطن الأمريكى. وحول مدى تأثير المرشحين لمنصب نائب الرئيس، هناك شبه إجماع على أن اختيار جون ماكين لسارة بالين كنائبة للرئيس قد أضر بحملته الانتخابية نظرا لأفكارها التى لا تلقى قبولا لدى أغلب الأمريكيين، فيما يتمتع جو بايدن المرشح نائباً من قبل أوباما، بخبرة أعمق خاصة فى مجال السياسة الخارجية. وفيما يتعلق بفرص كل معسكر فى الانتخابات، فإن هناك شعورا عاما بأن أوباما هو الأقرب فى الفوز لرغبة الأمريكيين فى التغيير بعد فشل الجمهوريين على مدار ثمانى سنوات فى تحسين الظروف المعيشية للأمريكيين، هذا فضلا عن سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس ومعظم مناصب حكام الولايات. وفى هذا الإطار يقول جوهان باير أن الأكاذيب التى ساقتها إدارة بوش بالإضافة إلى ما جرى من حد للحريات المدنية للمواطنين سيساعد الديمقراطيين على الفوز فى الانتخابات. كما أن جميع استطلاعات الرأى التى جرت حتى الآن تؤكد قرب أوباما من حسم السباق نحو البيت الأبيض لصالحه، إلا أن ديفيد داجنر يرى أنه لا يجب الانخداع بهذه الاستطلاعات، موضحا أن هناك عامل العنصرية حيث إن أغلب الأمريكيين الذين لا يريدون رئيسا أسود لن يعلنوا ذلك، خوفا من وصمهم بالعنصرية وبالتالى فإنهم يصوتون بشكل معين فى استطلاعات الرأى وبشكل مغاير تماما خلال الانتخابات. والسؤال الآن ماذا قد يحدث إذا فاز ماكين بالانتخابات على ضوء تهديد أنصار أوباما بإعلان "العصيان المدنى" فى حالة خسارة مرشحهم؟ فى هذا الإطار ترى جوليت بلاك، أن هذا التهديد لن يتم تنفيذه حيث إنه سبق أن هدد الأمريكيون فى عام 2004 بالهجرة لكندا إذا فاز بوش. بعد فوزه لم يهاجروا وهو الرأى الذى يوافق عليه جوهان باير. فيما يتفق كل من ديفيد داجنر ونيكول جافالى على أن فوز ماكين بالانتخابات لأسباب عنصرية وليس لأسباب موضوعية سيكون إهداراً للقيم الأمريكية القائمة على العدل والمساواة. إلا أن شارل بليك يعتقد أنه إذا فاز ماكين فإن هناك اعتقادا سيسود بين الناس بأنه قد تم التلاعب فى الانتخابات ومن ثم ستحدث بعض أعمال العنف، إلا أنه يرى أن الخطر الأكبر سيكون ردود الفعل على المستوى الدولى، مشيرا إلى أن فوز ماكين قد يؤدى إلى مزيد من الأزمات للاقتصاد العالمى، ولذلك يجب الانتظار لما ستسفر عنه الساعات الثمانى والأربعين المقدمة لمعرفة من سينتخبه الأمريكيون رئيسا لأقوى دولة فى العالم للسنوات الأربع القادمة. موضوعات متعلقة.. ◄ وزير الدفاع الإيطالى الأسبق يتهم ائتلاف اليمين بتأييد أوباما ◄ بوش يتابع باهتمام المعركة الانتخابية ◄ لغز أوباما يكشفه صحفى بلوس أنجلوس تايمز ◄ كوبا:واشنطن بحاجة إلى رئيس مثقف وليس مجنوناً ◄ عشرات الأندونيسيين يسعون لشراء منزل أوباما بجاكرتا ◄ كيف يفكر اوباما وماكين؟ ◄ بدء تصويت الأمريكيين بالخارج وأعلى نسبة إقبال منذ الستينيات ◄ أوباما وماكين ينهيان الطريق الطويل للسباق إلى البيت الأبيض ◄ استطلاع للرأى يظهر تقدم أوباما 11 نقطة على ماكين عشية الانتخابات ◄ جيش المتطوعين فى حملة أوباما يعمل بلا كلل لاجتذاب كل صوت ممكن ◄ سيناتور جمهورى: ماكين يواجه وضعاً صعباً فى الانتخابات الرئاسية ◄ سيناريوهات كتاب بريطانيين لليوم التالى للانتخابات الأمريكية ◄ علماء فلك هنود يتوقعون فوز أوباما .. لكن حياته فى خطر ◄ فيلمان عن الانتخابات الأمريكية على شرائط دى فى دى ◄ الأمريكيون يتخوفون من خلل يصيب نظام الاقتراع الإلكترونى نظراً لشدة الإقبال ◄ ساسة روس يفضلون فوز أوباما فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ◄أمريكا تحبس أنفاسها مع بدء العد العكسى لانتخابات رئاسية تاريخية ◄أوباما يقترب جداً وماكين يستعين بأرنولد شوارزنجر! ◄كيف ينتخب الأمريكيون رئيسهم؟ ◄أنظمة التصويت السارية فى الولاياتالمتحدة ◄صلاحيات رئيس الولاياتالمتحدة ◄زوجان أمريكيان يقطعان مسافة 15 ألف كلم للتصويت فى الانتخابات الرئاسية ◄النيويورك تايمز: أوباما يعيد الحقوق السياسية للأمريكان السود ◄فى 20 يناير ظهراً ينهى بوش ثمانى سنوات من المحن ◄هل تكون سيندى ماكين سيدة البيت الأبيض الجديدة؟ ◄أم ميشال أوباما هى التى ستفوز؟