أوباما.. شعبيته تنهار فى الداخل والخارج عام ونصف العام مضت علي تولي باراك حسين أوباما الرئاسة كأول رئيس أسود ومن أصل غير أمريكي جاء للحكم بعد معركة انتخابية رفع خلالها شعار (التغيير) الذي أسهم في نجاحه وعبر توافق القوي التي تحكم أمريكا وما يمكن تسميتهم المؤسسة الحاكمة من وراء الستار وتضم جماعات الضغط وأبرزها لوبيات السلاح والشركات الكبري وقيادات الكونجرس واليهود، ولكن ماذا فعل أوباما منذ دخوله البيت الأبيض وماالذي حققه في هذه الفترة علي المستويين الخارجي والداخلي وهل حقق تعهده الانتخابي بالتغيير؟ لايبدو أن أوباما كان علي مستوي الأمل المعقود عليه عند العرب والمسلمين بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة ولاعلي مستوي القدرة علي دفع جهود السلام في الشرق الأوسط ولاعلي القدرة علي تصحيح صورة بلاده بالخارج ولاتحقيق إنجاز لتلافي الانكسارات المتوالية في حربي العراق وأفغانستان ولاحتي علي مستوي الداخل والاقتصاد المتعثر ويبدو أنه يطيل ويمعن التفكير في مواجهة المشاكل ثم لايفعل شيئا يذكر، وهذا لايجعله أفضل ممن فعل الكثير دون أن يفكر في العواقب لبلده وللآخرين. في أحدث استطلاع للرأي العام الأمريكي أجرته صحيفة (الواشنطن بوست) مع شبكة (تي في نيوز) عبر 60٪من الناخبين عن فقدانهم الثقة في أوباما ويأتي هذا الاستطلاع ضمن العديد من المؤشرات علي تراجع شعبية الرئيس ال44 لأمريكا بعد عام ونصف العام في الحكم من بينها تصريحات حملت سخرية لاذعة من جانب الجنرال (ستانلي ماكريستال) قائد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان تجاه كبار المسئولين في واشنطن خاصة (جو بايدن) نائب الرئيس وهو ماكشف عن انقسامات حادة في صفوف القيادات العسكرية والسياسية حول جدوي استمرار الحرب في أفغانستان وإقالة ماكريستال وتعيين الجنرال (بترايوس) مكانه وكارثة التسرب النفطي من إحدي المنصات العائمة في خليج المكسيك وتأثيراته الخطيرة علي البيئة والاقتصاد بشكل عام رغم السيطرة مؤقتا عليه من جانب شركة (بريتش بتروليوم)، كما أن انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم ستكون مؤشرا علي قدرة أوباما علي الاستمرار لفترة رئاسية ثانية وشعبية الحزب الديمقراطي، كما لاتبدو علاقات أمريكا بحلفائها علي درجة من الاستقرار خاصة في مواجهة أسوأ الأزمات الاقتصادية التي مرت بالنظام الرأسمالي. الصدمة العربية لايبدو أن ثمة فوارق جوهرية بين بوش وأوباما لا في ثوابت السياسة الأمريكية ولا متغيراتها ربما تكون النبرة عند الثاني أهدأ من الأول ولكن لاجديد تحت الشمس وربما تصور العرب والمسلمون أن بشرة أوباما ومعاناة السود في أمريكا - وحتي الآن– وجذور أوباما المسلمة ستجعله قريبا من فهم معاناة شعوبهم مع الاحتلال الأمريكي لبعض دولهم والاحتلال الإسرائيلي الممتد منذ أكثر من ستة عقود من الزمن للأرض العربية كما كانت البدايات في شهور أوباما في الحكم تفتح بابا للأمل في إمكان حدوث تغيير ما في سياسات واشنطن العدائية تجاه العرب والمسلمين وماعانوه في فترتي رئاسة جورج بوش (الابن) وجاء خطاب أوباما في الرابع من يونيو العام الماضي بجامعة القاهرة حول بداية جديدة مع العالم الإسلامي والتحديات التي تواجه الطرفين وفرص تحسين هذه العلاقات علي كافة الأصعدة ، ولكن بعد أكثر من عام علي الخطاب ماذا حدث ؟ كل مافي الأمر أن أوباما أرسل عدة بعثات للعالم الإسلامي للتواصل وفتح القنوات وتغيير بعض المصطلحات التي كانت تثير غضب المسلمين مثل ربطهم بالإرهاب والفاشية كما أرسل مبعوثه للشرق الأوسط (جورج ميتشل) والذي قام بجولات مكوكية في المنطقة دون جدوي بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي بل وتحديه للإدارة الأمريكية بالمضي في بناء المزيد من المستوطنات وتهويد القدس ثم الاعتداء علي قافلة أسطول الحرية وتفهم واشنطن لحق إسرائيل في الدفاع عن أمنها ومابين مقابلة أوباما الأولي مع نتنياهو في البيت الأبيض في مارس الماضي والثانية بداية الشهر الحالي جرت في النهر مياه كثيرة صبت في صالح تل أبيب فالفتور الذي رافق المقابلة الأولي تحول في الثانية إلي دفء وتوافق ووعود بدعم إسرائيل عسكريا وأمنيا بصفقات ضخمة من الطائرات والأسلحة المتقدمة وصفت بأنها الأكبر في تاريخ علاقات البلدين وتعهد أوباما بالحفاظ علي سياسة الغموض النووي الإسرائيلي وحقها في الاحتفاظ بالسلاح النووي ليؤكد أن دعم إسرائيل من ركائز وثوابت السياسة الأمريكية التي لاتتغيرمهما اختلف الرؤساء وتباينت مواقفهم وتوجهاتهم ومن هنا أصاب أوباما العالم العربي والإسلامي بالإحباط وخيبة الأمل بسبب وعوده التي لم تتحقق علي أرض الواقع لأن القضية الفلسطينية هي القضية المحورية والمركزية التي تهم مليارا ونصف مليار عربي ومسلم وبدون تحقيق أي تقدم فيها بقيت وعود أوباما مجرد دخان في الهواء مايلبث أن يتلاشي سريعا وأنها خداع كبير لهم من رئيس أمريكي أحسنوا الظن به وإذا بهم يكتشفون أنه لايختلف كثيرا عن سابقيه من ترومان حتي بوش الذين اعتبروا دعم إسرائيل قدس أقداس السياسة الأمريكية ويكفي في هذا الصدد ماقالته (جنيفر لوينشتاين) المديرة المشاركة في برنامج الشرق الأوسط للدراسات بجامعة ويسكونسن الأمريكية بأن أوباما يحاول إظهار نفسه صعب التعامل مع إسرائيل لكنه سيواصل دعمها لتكون الحرس الأمامي وقاعدة أمريكية في الشرق الأوسط وأن عملية السلام لم تكن يوما علي جدول أعمال أمريكا ، ولاتقف الصدمات عند حدود فلسطين وقضيتها التي لن تجد حلا لها في واشنطن وأوراق اللعبة التي وضعت في أيدي ساسة أمريكا طويلا ولكن الحل هو في أيدي العرب والمسلمين فما يحدث في أفغانستان سبب آخر لغضب المسلمين بسبب حجم العنف والوحشية التي تمارسها قوات حلف الناتو ضد المدنيين العزل رغم أن أوباما اعتبر خلال حملته الانتخابية أن الهجمات ضد المدنيين عمل إجرامي وسعي أوباما لتحقيق إنجاز يخرج بلاده من نكساتها العسكرية ولكن حركة طالبان تزايدت شعبيتها بين الأفغان واتسعت رقعة تمددها وانتشارها علي امتداد البلاد رغم التعزيزات التي أرسلها أوباما ليصل عدد قوات الناتو إلي أكثر من 140 ألف جندي فإن العام الحالي حمل أكبر الخسائر لهذه القوات ويعد العام الحالي الأكثر دموية للأفغان وللقوات الأمريكية ولاتقف الخسائر عند حدود القتلي في المعارك وإنما وصل عدد المنتحرين من الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان إلي 1000 قتيل أما حجم الإنفاق علي الحروب بعد أحداث سبتمبر فوصل إلي أكثر من تريليون دولار كما تزايدت عمليات استهداف قوات الناتو من الجنود الموالين لطالبان داخل الجيش الأفغاني. أما العراق فما يزال يعيش في أسوأ أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية فربع الشعب العراقي يعيش تحت خط الفقر في بلد يعد من أكثر البلاد امتلاكا لاحتياطيات بترولية علي مستوي العالم وهناك مليون أرملة عراقية ممن فقدن أزواجهن بسبب الاحتلال والملايين من الأيتام كما لاتزال دوامة العنف الطائفي علي حالها وهجرة ملايين العراقيين للخارج في الوقت الذي تعد أمريكا العدة لسحب قواتها مرحليا في سبتمبرالقادم وبشكل كامل نهاية العام القادم بعد أن دمرت هذا البلد وتتركه لمصيره المجهول ويكفي ماقاله (نيك كليج) نائب رئيس الوزراء البريطاني مؤخرا أمام البرلمان بأن مشاركة بلاده في الاحتلال غير القانوني للعراق أكثر القرارات كارثية علي الإطلاق. وصدمات الداخل ولاتقف الصدمات للآخرين وإنما طالت الأمريكيين أيضا فمازالت معدلات البطالة عند مستويات مرتفعة كما لاتزال مؤشرات الاقتصاد الامريكي في حالة تراجع مما يعوق عملية استعادته لحيويته حيث لم تقم إدارة أوباما بإجراءات جذرية لتصحيح مسار النظام المالي العالمي والأمريكي تحديدا وحتي إنجاز أوباما الخاص بقانون الرعاية الصحية لم يواكبه إصلاح لأحوال المهاجرين ولايزال نظام الضرائب يقلق الأمريكيين الذين يخشون من تغطية قانون الإصلاح المالي الجديد الذي أقره الكونجرس مؤخرا بزيادة الضرائب ولايزال الهاجس الأمني يقض مضاجع الشارع الأمريكي نتيجة سياسات بلدهم الخارجية ونتيجة للحالة الاقتصادية وفقدان الملايين لوظائفهم حيث وصل حجم الدين الداخلي إلي أكثر من 9 تريليونات دولار والذي يزداد بحوالي 4,1 مليار دولاريوميا وهكذا يقف الوضع الداخلي فوق برميل من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة رغم أنه يستولي علي اهتمام هذه الإدارة بشكل شبه كامل ولكن أوباما لايملك عصا سحرية لحل هذه المعضلات الضخمة. ويبقي القول إن أوباما ورث تركة ثقيلة وربما لن ينجح خلال فترة رئاسته الأولي في إقالة اقتصاد بلاده من عثراته وقد لاينجح في سباق الرئاسة القادم لتظل أمريكا علي حافة الانهيار والذي سيبدأ من الداخل بانهيار أسس وأعمدة النظام الرأسمالي ونهاية العملاق الكبير الذي طغي في الأرض وعاث فيها فسادا ليصل إلي نهايته المحتومة والطبيعية.