أسعار اللحوم والدواجن والبيض اليوم 20 مايو    التلفزيون الإيراني: لا مؤشر على أي علامات للحياة في مكان تحطم مروحية رئيسي    تسنيم: قرارات جديدة لتسريع البحث عن مروحية رئيسي بعد بيانات وصور وفيديوهات الطائرة التركية    استشهاد عشرات الفلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على غزة ورفح    طلاب الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية يؤدون امتحاني الجبر وتكنولوجيا المعلومات اليوم    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    الجزيري: مباراة نهضة بركان كانت صعبة ولكن النهائيات تكسب ولا تلعب    بعد تهنئة للفريق بالكونفدرالية.. ماذا قال نادي الزمالك للرئيس السيسي؟    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    مصدر أمني يكشف تفاصيل أول محضر شرطة ضد 6 لاعبين من الزمالك بعد واقعة الكونفدرالية (القصة الكاملة)    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    ارتفاع تاريخي.. خبير يكشف مفاجأة في توقعات أسعار الذهب خلال الساعات المقبلة (تفاصيل)    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    تركيا: مسيرة «أكينجي» رصدت مصدر حرارة يعتقد أنه حطام مروحية رئيسي    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    سقطت أم أُسقطت؟.. عمرو أديب: علامات استفهام حول حادث طائرة الرئيس الإيراني    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    د.حماد عبدالله يكتب: العودة إلى الماضى والنظر إلى المستقبل    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    تقرير رسمى يرصد 8 إيجابيات لتحرير سعر الصرف    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏. أسامة‏ الغزالى‏ حرب يكتب: نحن‏ وإعصار‏ أوباما‏!‏
نشر في المصري اليوم يوم 10 - 11 - 2008

منذ‏ عشرة‏ شهور‏ تقريبا‏، وبالتحديد‏ فى‏ عدد‏ 16 يناير‏ 2008 من‏ جريدة‏ «‏المصرى‏ اليوم» وتحت‏ عنوان‏ «‏بين‏ مصر‏ وأمريكا‏»، كتبت‏ مقالا‏ جاء‏ فى‏ بدايته:‏ «‏أميل‏ كثيرا‏ إلى المقارنة‏ بين‏ مصر‏ والولايات‏ المتحدة‏ الأمريكية‏! وربما‏ كان‏ أقوى‏ ما‏ لفت‏ نظرى‏ -‏ مبكرا‏ نسبيا - إلى‏ تلك‏ المقارنة‏ عبارة‏ ذكية‏ قرأتها‏ منذ‏ أكثر‏ من‏ عشرين‏ عاما‏ لعالم‏ مصر‏ العظيم‏ د‏. جمال‏ حمدان‏، فى‏ كتابه‏ الفريد‏ «‏شخصية‏ مصر‏» يقول‏ فيها‏ - فى‏ معرض‏ تقديمه‏ للحديث‏ عن‏ شخصية‏ مصر‏ السياسية‏ - «‏لقد‏ كانت‏ مصر‏ سنة‏ 2000 قبل‏ الميلاد‏ هى‏ أمريكا‏ العالم‏، بمثل‏ ما‏ أن‏ أمريكا‏ سنة‏ 2000 ميلادية‏ هى‏ مصر‏ العصر‏»!
‏ومنذ‏ ذلك‏ الوقت‏، أصبحت‏ تلك‏ المقارنة‏ نوعا‏ من‏ الممارسة‏ الذهنية‏ أو‏ الفكرية‏ المستمرة‏، التى‏ مثلت‏ لدى‏ دوما‏ تطبيقا‏ مثيرا‏ للقول‏ العربى‏ المأثور‏ «‏بضدها‏ تتمايز‏ الأشياء‏»! فالنقيض‏ الكامل‏ لأمريكا‏ هو‏ مصر‏، والنقيض‏ الكامل‏ لمصر‏ هو‏ أمريكا»‏ (‏انتهى‏ ا‏لاقتباس‏).
 ‏اليوم‏، فى‏ نوفمبر‏ 2008، تفرض‏ هذه‏ المقارنة‏ نفسها‏ بقوة‏ على‏ّ بعد‏ نجاح‏ باراك‏ حسين‏ أوباما‏ فى‏ انتخابات‏ الرئاسة‏ الأمريكية‏، ليس‏ لمجرد‏ المقارنة‏، وإنما‏ لاستخلاص‏ مغزى‏ ودلالة‏ هذا‏ التطور‏ التاريخى‏ بالنسبة‏ لنا‏ هنا‏ فى‏ مصر‏، فى‏ نهايات‏ العقد‏ الأول‏ من‏ القرن‏ الحادى‏ والعشرين.
وقبل‏ أن‏ أتناول‏ هنا‏ أهم‏ دلالات‏ تلك‏ المقارنة‏، أحب‏ أن‏ أبدأ بذكر‏ ملاحظتين‏ أساسيتين، أولاهما: أننا‏ فى‏ مصر‏، وفى‏ العالم‏ العربى‏، اعتدنا‏ أن‏ ننظر‏ للولايات‏ المتحدة‏ من‏ منظور‏ الصراع‏ العربى‏ - الإسرائيلى‏ أساسا‏. فالولايات‏ المتحدة‏ الأمريكية‏ كانت‏ أول‏ من‏ اعترف‏ بقيام‏ إسرائيل‏ عام‏ 1948 وكانت‏ ولا‏‏تزال‏ مصدر‏ الدعم‏ الأساسى‏ لها‏ اقتصاديا‏ وسياسيا‏ وعسكريا.
 ‏لقد‏ ارتبط‏ ذلك‏ بحقيقة‏ النفوذ‏ اليهودى‏ الهائل‏ فى‏ السياسة‏ الأمريكية‏، خاصة‏ أن‏ الولايات‏ المتحدة‏ تضم‏ أكبر‏ عدد‏ من‏ اليهود‏ فى‏ العالم‏. ولكن‏ هذه‏ الحقيقة‏ المؤسفة‏ لا‏ تلغى‏ واقع‏ أن‏ الولايات‏ المتحدة‏ كانت‏ ولا‏تزال‏ هى‏ القوة‏ العظمى‏ فى‏ عالم‏ اليوم‏ اقتصاديا‏ وعلميا‏ وتكنولوجيا‏ وعسكريا‏، وأنها‏ -‏ منذ‏ ظهورها‏ بقوة‏ على‏ المسرح‏ الدولى‏ -‏ هى‏ التى‏ تقود‏ التقدم‏ فى‏ تلك‏ المجالات‏ جميعها‏ إلى‏ إشعار‏ آخر‏، مع‏ صعود‏ القوى‏ المتحدية‏ البازغة:‏ أوروبا‏ الغربية‏ والصين‏ وروسيا‏... إلخ‏. كما‏ أن‏ حيوية‏ المجتمع‏ الأمريكى‏، وقدرته‏ على‏ التطور‏ واستيعاب‏ عناصر‏ وقوى‏ التجديد‏ والإبداع،‏ مسألة‏ لا‏ شك‏ فيها‏.‏
الملاحظة‏ الثانية: أننى‏ لا‏ أعتقد‏ أن‏ تغييرا‏ جذريا‏ أو‏ دراميا‏ سوف‏ يطرأ‏ على‏ السياسة‏ الخارجية‏ الأمريكية‏ فى‏ ظل‏ رئاسة‏ أوباما‏، خاصة‏ فى‏ الشرق‏ الأوسط‏. إن‏ التغيير‏ الكبير‏ قد‏ حدث‏ بالفعل‏، وهو‏ واقعة‏ تولى‏ أوباما‏ الرئاسة‏ الأمريكية. ذلك‏ هو‏ الإعصار‏ الهائل‏ الذى‏ هب‏ من‏ أمريكا‏ وسوف‏ تصل‏ آثاره‏ المباشرة‏ وغير‏ المباشرة‏ إلى‏ بقية‏ أنحاء‏ العالم‏. ومن‏ هنا‏، فإن‏ وصف‏ ما‏ حدث‏ بأنه‏ تطور‏ تاريخى‏ مهم‏، على‏ مستوى‏ أمريكا‏ والعالم‏ كله‏، لا‏ ينطوى‏ على‏ أى مبالغة‏.
ما‏ هى‏ - بعد‏ ذلك‏ - أهم‏ دلالات‏ انتصار‏ أوباما‏، أو‏ إعصار‏ أوباما، بالنسبة‏ لنا‏ هنا‏ فى‏ مصر‏، خاصة‏ فى‏ ضوء‏ ما‏ أعتقده‏ من‏ تضاد‏ تاريخى‏ وثقافى‏ مثير‏ بين‏ النموذج‏ الأمريكى‏، والنموذج‏ المصرى؟ إننى‏ أطرح‏ هنا‏ ثلاثة‏ جوانب‏ لمغزى‏ انتصار‏ أوباما‏ لنا‏ هنا‏ فى‏ مصر، أو‏ ثلاثة‏ دروس:‏
* الكرامة‏ الإنسانية‏:‏
عندما‏ يصل‏ شاب‏ أسود‏، ابن‏ لأب‏ إفريقى‏ مسلم‏، من‏ أسرة‏ بسيطة‏ فى‏ منتصف‏ الأربعينيات‏ من‏ عمره، إلى‏ رئاسة‏ أقوى‏ دولة‏ فى‏ العالم‏، من‏ خلال‏ انتخابات‏ حرة‏ وتنافس‏ مفتوح‏، فتلك‏ حقائق‏ تحمل‏ لنا فى‏ عام‏ 2008 دروسا‏ لا‏ يمكننا‏ إنكارها‏ أو‏ تجاهلها.
فمن‏ الصحيح‏ أن‏ الدستور‏ المصرى‏ ينص‏ -‏ فى‏ مادته‏ الأربعين - على‏ أن‏ «‏المواطنين‏ لدى‏ القانون‏ سواء‏، وهم‏ متساوون‏ فى‏ الحقوق‏ والواجبات‏ العامة‏، لا‏ تمييز‏ بينهم‏ فى‏ ذلك‏ بسبب‏ الجنس‏ أو‏ الأصل‏ أو‏ اللغة‏ أو‏ الدين‏ أو‏ العقيدة‏». ذلك‏ هو‏ مبدأ‏ المواطنة‏، الذى‏ نتغنى‏ به‏ ونرفعه‏ شعارا‏ براقا‏.
ولكن‏ شتان‏ ما‏ بين‏ تطبيقه‏ فى‏ أمريكا‏ (حيث وصل‏ إلى‏ ذروة‏ تجسيده‏ فى‏ وصول‏ أوباما‏ للرئاسة‏ هناك) وبين‏ ما‏ يحدث‏ فعليا‏ فى‏ مصر. فنحن‏ نتحدث‏ صباح‏ مساء‏، ويتحفنا‏ بالذات‏ الحزب‏ الوطنى‏ بشعارات‏ جميلة‏ عن‏ العدالة‏ الاجتماعية‏، والفرص‏ المتكافئة‏، ولكن‏ الحقيقة‏ المرة‏، والمؤلمة‏، فى‏ مصر‏ العقد‏ الأول‏ من‏ القرن‏ الحادى‏ والعشرين‏ تتناقض‏ مع‏ كل‏ تلك‏ الشعارات‏:‏
فالمواطنون‏ المصريون‏ اليوم‏ يحول‏ بينهم‏ وبين‏ حقوق‏ المواطنة‏ الحقيقية‏ التفاوت‏ الاجتماعى‏ والطبقى‏ الهائل‏ الذى‏ لم‏ تعرفه‏ مصر‏ فى‏ تاريخها‏ الحديث‏ كله.
 ‏والحلم‏ أو‏ الأمل‏ المنطقى‏ الذى‏ يمكن‏ أن‏ يراود‏ أى‏ طفل‏ من‏ بين‏ نحو‏ 30 مليون‏ مصرى‏ يعيشون‏ فى‏ العشوائيات‏ وتحت‏ خط‏ الفقر‏، ليس‏ أن‏ يرشح‏ نفسه‏ ليكون‏ رئيسا‏ للبلاد‏ (!) ولكن‏ فقط‏ أن‏ يعيش‏ حياة‏ كريمة‏ كآدمى،‏ أى‏ أن‏ يجد‏ «‏مسكنا‏» شديد‏ البساطة‏ يؤويه‏ مع‏ أسرته‏، وتعليما‏ حقيقيا‏ فى‏ مدرسة‏ متواضعة‏، وحدا‏ أدنى‏ من‏ الرعاية‏ الصحية.
‏غير‏ أن‏ الحقيقة‏ الأشد‏ مرارة من‏ هذا‏ هى‏ أن‏ تلك‏ الأوضاع‏ تنطبق‏ - فى‏ جوهرها - على‏ الفئات‏ الاجتماعية‏ الأفضل‏ حالا‏ من‏ الطبقات‏ الفقيرة‏ والمتوسطة.
فالتعليم‏ العام‏، والرعاية‏ الصحية‏، وفرص‏ السكن‏.. والحد‏ الأدنى‏ من‏ متطلبات‏ الحياة‏ الآدمية‏ الكريمة،‏ مثل‏ مياه‏ الشرب‏ النقية‏ والصرف‏ الصحى‏... إلخ كلها‏ أمور‏ تعانى قصورا‏ لا‏ يمكن إنكاره. وفى‏ الواقع‏ -‏ وللأسف‏ الشديد - فإن الذين يتمتعون بحقوق «المواطنة» من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، بشكل يعتد به، لن‏ يتعدوا‏ نسبة‏ 10 أو‏ 15% من‏ السكان. ومع‏ ذلك‏ -‏ ويا للسخرية - فإن‏ طموح‏ أى‏ من‏ أبنائهم‏ فى‏ أن‏ يرشح‏ نفسه‏ رئيسا‏ للبلاد‏ يظل‏ أيضا‏ مجرد‏ أحلام‏ يقظة‏ أو‏ أضغاث‏ أحلام‏!
‏والمواطن‏ المصرى‏ يحول‏ أيضا‏ بينه‏ وبين‏ تطبيق‏ المواطنة‏ الحقيقية‏ (‏وليس‏ الحلم‏ بالترشيح‏ للرئاسة‏) سرطان‏ تسرب‏ إلى‏ ثقافته‏ اسمه‏ التفرقة‏ الدينية‏ أو‏ التمييز‏ الدينى!‏ إن‏ باراك‏ حسين‏ أوباما‏ لم‏ يحل‏ دون‏ فرصته‏ فى‏ الترشح‏ للرئاسة‏ الأمريكية‏ أن‏ أباه‏ كان‏ مسلما‏، ولم‏ يكترث‏ الأمريكيون‏ كثيرا‏ بأن‏ الاسم‏ الأوسط‏ له‏ هو‏ «‏حسين‏» -‏تماما‏ مثلما‏ كان‏ الاسم‏ الأوسط‏ ل‏ «‏صدام‏ حسين‏ التكريتى‏!»، مع‏ أن‏ كثيرين‏ من‏ المتعصبين‏ هناك‏ شددوا‏ على‏ تلك‏ الناحية‏، ولكنهم‏ فشلوا‏ فى‏ مسعاهم،‏ لأن‏ الرأى‏ العام‏ هناك‏ واع‏ ومستنير‏ ومتحضر.
وللأسف،‏ فإننا‏ هنا‏ فى‏ مصر‏ نصحو‏ بين‏ الفينة‏ والأخرى‏ على‏ فتنة‏ طائفية‏ هنا‏، وتمييز‏ دينى‏ أو‏ عقيدى‏ هناك‏ .. ونشغل‏ أنفسنا‏ بمسائل‏ التحول‏ بين‏ الأديان‏ أو‏ باستشعار‏ الخطر‏ من‏ البهائيين‏ أو‏ الشيعة‏ أو‏ المتصوفة‏! مع‏ أننا‏ نعلم‏ جميعا‏ أن‏ أحكام‏ الدين‏ الإسلامى‏ قاطعة‏ فى‏ احترامها‏ لحرية‏ الدين‏ والعقيدة‏: «‏لكم‏ دينكم‏ ولى‏ دين‏» (‏الكافرون‏ - 6)، و‏«لا‏ إكراه‏ فى‏ الدين‏ قد‏ تبين‏ الرشد‏ من‏ الغى‏» (‏البقرة‏ - 256)، و«.. فمن‏ شاء‏ فليؤمن‏ ومن‏ شاء‏ فليكفر‏» (‏الكهف‏ - 29).‏
والمواطن‏ المصرى‏ يحول‏ بينه‏ وبين‏ المواطنة‏ الحقيقية‏ - ثالثا‏ - انتشار‏ وباء‏ اسمه‏ المحاباة‏ والمحسوبية‏، حيث‏ الكثير‏ من‏ الوظائف‏ والمناصب‏ يتولاها‏ ليس‏ الأكثر‏ موهبة‏ وخبرة‏ وكفاءة، وإنما‏ الأقارب‏ والمعارف‏ والأنصار، وقبلهم‏ أو‏ بعدهم‏ عملاء‏ الأمن‏ والمخبرون‏! وهو‏ الأمر‏ الذى‏ أدى‏ -‏ من‏ ناحية - إلى‏ تدهور‏ مستوى‏ هيئات‏ ومؤسسات‏ اقتصادية‏ وخدمية‏ وإعلامية، والهبوط‏ بها‏ إلى‏ الحضيض‏.
 ‏كما‏ أدى‏ - من‏ ناحية‏ أخرى -‏ إلى‏ هجرة‏ مئات‏ الآلاف‏ من‏ أفضل‏ العقول‏ المصرية‏ إلى‏ الخارج‏، خاصة‏ الولايات‏ المتحدة، حيث‏ برز‏ وسطع‏ نجم‏ العشرات‏ من‏ المصريين،‏ ربما‏ كان‏ أبرزهم‏ د‏. أحمد‏ زويل‏، وكان‏ آخرهم‏ الدكتور‏ مصطفى‏ السيد‏ الذى‏ حظى‏ مؤخرا‏ بتكريم‏ خاص‏ من‏ الرئيس‏ الأمريكى.
 ‏غير‏ أنه‏ من‏ المهم‏ أن‏ نذكر‏ هنا‏ أن‏ مصر‏ عرفت‏ أوقاتا‏ فى‏ تاريخها‏ المعاصر‏ أتيحت‏ فيها‏ الفرصة‏ للموهوبين‏ من‏ أبنائها‏، على‏ أسس‏ عادلة‏ ومشرفة. فهل‏ كان‏ طه‏ حسين‏ أو‏ أم‏ كلثوم‏ مثلا‏ من‏ أبناء‏ الطبقات‏ الموسرة؟‏ وهل‏ يمكن‏ إنكار‏ الفرص‏ الهائلة‏ التى‏ أتيحت‏ فى‏ الحقبة‏ الناصرية‏ لأبناء‏ الفلاحين‏ والعمال‏ والطبقات‏ الوسطى‏ للتعلم‏ والترقى‏ وتولى‏ أرفع‏ المناصب؟‏!.. ذلك‏ تاريخ‏ علينا‏ أن‏ نتذكره، وأن‏ نتمسك‏ بإحياء‏ تقاليده.
‏* الديمقراطية‏:‏
الدرس‏ الثانى‏ العميق‏، الذى‏ ينطوى‏ عليه‏ إعصار‏ أوباما‏ بالنسبة‏ لنا‏، لا‏ يتعلق‏ ب‏ «‏أوباما‏» كفرد‏ وكرمز‏، وإنما‏ يتعلق‏ بالمجتمع‏ الأمريكى‏ والنظام‏ الأمريكى‏ الذى‏ مكن‏ أوباما‏ الفرد‏ من‏ تحقيق‏ هذا‏ الإنجاز. وربما‏ كانت‏ تلك‏ هى‏ الحقيقة‏ الأهم‏، لأنه‏ لو‏ لم‏ يكن‏ هناك‏ أوباما‏، فإن‏ الظروف‏ والبيئة‏ التى‏ أنجبت‏ أوباما‏ كانت‏ وستظل‏ قادرة‏ على‏ إنجاب‏ غيره.
والواقع‏ أنه‏ ليس‏ هناك‏ محل‏ لأى‏ مقارنة‏ جادة‏ بين‏ النظامين‏ السياسيين:‏ المصرى‏ والأمريكى. ومع‏ ذلك،‏ فإن‏ انتصار‏ أوباما‏ يغرينا‏ ببعض‏ المقارنات:
فظاهرة‏ أوباما‏ هى‏ نتاج‏ لنظام‏ ديمقراطى‏ حقيقى‏، يقوم‏ على‏ أحزاب‏ سياسية‏ حقيقية‏، تمثل‏ - فعليا‏ - دعائم‏ النظام‏ السياسى‏! أحزاب‏ لا‏ تجرؤ‏ ولا‏ يخطر‏ ببال‏ سلطة‏ تنفيذية‏ أن‏ تضع‏ قيودا‏ على‏ إنشائها‏، ولا‏ على‏ أن‏ تحصرها‏ فى‏ مقارها‏!
‏أحزاب‏ لا‏ تعانى انشقاقات‏ ومعارك‏ داخلية‏، وعملاء‏ يزرعهم‏ الأمن‏ لتمزيقها‏ وتخريبها‏! أحزاب‏ متفرغة‏ لتقدم‏ أفكارها‏ وسياساتها‏ للرأى‏ العام‏ والبرلمان،‏ ولا‏ تشغلها‏ معاركها‏ الداخلية‏ ومعاركها‏ مع‏ النظام‏ السياسى‏ ومراوغاتها‏ مع‏ أجهزة‏ الأمن‏! أحزاب‏ استطاعت‏ عبر‏ الوقت‏، وفى‏ إطار‏ صحى‏ موات‏، أن‏ تبنى‏ آلياتها‏ الداخلية‏ للتنافس‏ الديمقراطى داخلها.
 ‏فلم‏ يتحول‏ صراع‏ أوباما‏ وهيلارى‏ كلينتون‏ إلى‏ معركة‏ تشق‏ الحزب‏ الديمقراطى‏، ولا‏ إلى‏ حرب‏ عصابات‏ يستخدم‏ فيها‏ البلطجية‏ وزجاجات‏ المولوتوف‏، خاصة‏ أن‏ هيلارى‏ كانت‏ زوجة‏ لرئيس‏ سابق.
 ‏وعندما‏ هزمت هيلارى‏ كلينتون‏، فإنها‏ لم‏ ترفع‏ قضية‏ على‏ الحزب‏، ولم‏ تتعقبه‏ فى‏ المحاكم‏، وإنما‏ -‏ويا‏ للعجب‏- صافحت‏ منافسها‏ وأعلنت‏ -‏عقب‏ هزيمتها‏ مباشرة‏- دعمها‏ للمرشح‏ الذى‏ اختاره‏ الحزب‏، ووقوفها‏ -‏هى‏ وأنصارها‏- معه‏ فى‏ معركته‏ للرئاسة.
وظاهرة‏ أوباما‏ هى‏ نتاج‏ لنظام‏ سياسى‏ حيوى‏ مكنه‏ من‏ تمويل‏ حملته‏ الانتخابية‏ من‏ تبرعات‏ آلاف‏ وملايين‏ المواطنين‏ له من‏ الأثرياء‏ ومن‏ الناس‏ العاديين‏ على‏ السواء‏. ومن‏ حسن‏ حظ‏ أوباما‏ أن‏ الأثرياء‏ ورجال‏ الأعمال‏ هناك‏ لم‏ يهرعوا‏ إلى‏ دعم‏ الحزب‏ الجمهورى‏ الحاكم‏، مثلما‏ يتسابق‏ أثرياء‏ ورجال‏ أعمال‏ عندنا‏ لدعم‏ حزبنا‏ الوطنى‏ الديمقراطى‏.
 ‏بل‏ إن‏ الدولة‏ هناك‏ - ويا‏ للعجب‏! - ترفع‏ من‏ وعاء‏ الضريبة‏ المبالغ‏ والتى‏ يجرى‏ التبرع‏ بها‏ للأحزاب‏ السياسية‏ دعما‏ للأحزاب‏ وللنشاط‏ الحزبى. غير‏ أننا‏ فى‏ مصر‏ لا‏ نصل‏ فى‏ أحلامنا‏ إلى‏ حد‏ أن‏ نطالب‏ بذلك‏ الدعم‏ السخى‏ لتمويل‏ الأحزاب‏، فقط‏ نتمنى‏ ونرجو‏ ألا‏ يفرطوا‏ فى‏ تحذير‏ وتخويف‏ رجال‏ الأعمال‏ والأثرياء‏ من‏ الاقتراب‏ من‏ أحزاب‏ المعارضة‏.‏
وبعد‏ هذا‏ كله‏ وقبله‏، فقد‏ نجح‏ أوباما‏ نجاحا‏ حقيقيا،‏ لأنه كانت هناك‏ انتخابات‏ حقيقية‏! انتخابات‏ تذكرنا‏ بحالنا‏ البائس‏ هنا‏ فى‏ مصر،‏ حيث‏ لا‏ قوائم‏ انتخابية‏ صحيحة‏، ولا‏ رقابة‏ محايدة‏، ولا‏ ألاعيب‏ مذهلة‏ تجعل‏ بضع‏ عشرات‏ من‏ الناخبين‏ يظهرون‏ فى‏ النتائج‏ عشرات‏ الآلاف‏، أو‏ تجعل‏ عدة‏ آلاف‏ من‏ الناخبين‏ يظهرون‏ فى‏ النتائج‏ مجرد‏ عشرات‏ الأفراد.
* ‏التغيير‏!‏
أما‏ ثالث‏ دروس‏ إعصار‏ أوباما‏، وأكثرها‏ إثارة‏ بالنسبة‏ لنا‏ فى‏ مصر،‏ فهو‏ أن‏ شعاره‏ الانتخابى‏، وجوهر‏ حملته،‏ إنما‏ دار‏ حول‏ كلمة‏ «‏التغيير‏»! نعم‏ التغيير‏! ألم‏ أقل‏ إن‏ مصر‏ هى‏ النقيض‏ لأمريكا؟‏!! إن‏ جوهر‏ خطب‏ أوباما‏ فى‏ حملته‏ الانتخابية،‏ هو‏ أن‏ الولايات‏ المتحدة‏ الأمريكية‏، التى‏ تقود‏ العالم‏، والتى‏ يتمتع‏ اقتصادها‏ ومؤسساتها‏ العلمية‏ والبحثية‏ والصناعية‏ بأعلى‏ درجات‏ التميز‏، هى‏ الآن‏ فى‏ حاجة‏ ماسة‏ إلى‏ التغيير؟‏!! وإحدى‏ المقولات‏ الثابتة‏ فى‏ خطبه‏ هناك‏ هى‏ تأكيد‏ إرادة‏ التغيير‏، والتشديد‏ على‏ أنهم‏ -‏ هو ومعه‏ الشعب‏ الأمريكى‏- قادرون‏ على‏ تحقيق‏ التغيير‏، وتكرار‏ كلمة‏ «‏نعم‏.. نحن‏ نستطيع‏»‏؟‏!!.‏
والمثير‏ فى‏ الأمر أنهم‏ يقولون‏ ذلك،‏ مع‏ أن‏ النظام‏ الأمريكى‏، والمجتمع‏ الأمريكى‏، والنخبة‏ الأمريكية‏، أثبتوا‏ دائما‏ -‏خاصة‏ فى‏ نصف‏ العقد‏ الأخير‏- قدرة‏ مذهلة‏ على‏ التطوير‏ والتغيير. ويكفى‏ فقط‏ -‏على‏ سبيل‏ المثال-‏ المقارنة‏ بين‏ أوضاع‏ السود‏ فى‏ أمريكا،‏ عندما‏ أعلن‏ مارتن‏ لوثر‏ كينج‏ عن‏ حلمه‏ الكبير‏ لتحقيق‏ المساواة‏ وتكريس‏ الحقوق‏ المدنية‏، وبين‏ وصول‏ شاب‏ أسود‏ لرئاسة‏ أمريكا‏ فى‏ غضون‏ أقل من نصف القرن‏!‏
ألا‏ يدفعنا‏ هذا‏ إلى‏ أن‏ نتأمل‏ - بكل‏ أسى‏ وحسرة‏ - ولعنا‏ فى‏ مصر‏ «‏بالاستقرار‏» و«‏الاستمرار‏» إلى‏ أن‏ وصلنا‏ إلى‏ الركود؟‏! غير‏ أن‏ ما‏ هو‏ أكثر‏ مدعاة‏ للتأمل، بل‏ للسخط‏ على‏ تلك‏ الأوضاع،‏ ليس‏ فقط‏ موقف‏ النظام‏ السياسى‏ -‏فهو‏ المستفيد‏ من‏ هذا‏ «‏الاستمرار‏»!، أو‏ موقف‏ «‏الرأى‏ العام‏» أو‏ «‏الجماهير‏» التى‏ أصيبت‏ بدرجة‏ هائلة‏ من‏ اليأس‏ واللامبالاة -‏ وإنما‏ موقف‏ «‏النخبة‏» أو‏ بعض‏ عناصر‏ النخبة‏ التى‏ كرست‏ أفكارها‏ وعقولها‏ وتعليمها‏ لتبرير‏ وتجميل‏ هذا‏ الركود‏ الموحش‏، بل‏ لدعم‏ مشروعات‏ استمرارية‏ هذا‏ الوضع‏ تحت‏ أوصاف‏ «‏جديدة‏» ومزيفة.
غير‏ أنه‏ لحسن‏ الحظ‏ - وكما‏ يحدث‏ فى‏ كل‏ إعصار‏ - أن‏ يومض‏ البرق‏ وسط‏ أصوات‏ الرعد‏ الجبارة،‏ فيكشف‏ بنوره‏ الساطع‏ ملامح‏ الحقيقة‏ بحلوها‏ ومرها،‏ لعلنا‏ نتعلم ونتحرك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.