إيناس جوهر رئيسًا لجنة إعلام الخدمة العامة.. وعمرو خفاجي مقررًا    تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتسريع الاستثمار والتحول الصناعى    مسئولية الولايات المتحدة    بعد الفوز على الاتحاد| موعد مباراة الأهلي المقبلة    مصرع رسام الشارع الاخرس صدمه قطار بالمنيا    إحالة «أم مكة» للمحاكمة بتهمة نشر فيديوهات خادشة.. و30 أكتوبر أولى الجلسات    صور| مصرع شابين سقط بهما مصعد كهربائي بطنطا    تامر حبيب يشيد بفيلم «السادة الافاضل» بعد عرضه في مهرجان الجونة    المتروبوليتان يحتفى ب «آلهة مصر القديمة»    على خطى السيسي في التسوّل..مؤيدون بالأجرة يتظاهرون لمطالبة الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن 4 مليار يورور لمصر    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    هاري كين يقود هجوم بايرن ميونخ أمام كلوب بروج في دوري الأبطال    أنغام تحيي حفلا غنائيا في أوبرا الكويت نوفمبر المقبل    نجم برشلونة: نريد تسجيل أكبر عدد من الأهداف في الكلاسيكو    إعلام عبري: حماس لا تزال تمتلك مئات الصواريخ القادرة على الوصول إلى وسط إسرائيل    «الساعة 12 تصبح 11» موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025    مصر تستضيف تنصيب الرئيس الجديد لبنك التصدير الأفريقي «أفريكسيم بنك»    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    نائب وزير الصحة يبحث مع محافظ شمال سيناء جاهزية المنشآت الصحية ويتفقد مستشفى الشيخ زويد ووحدة طب أسرة البشلاق    «جهار»: 26 منشأة صحية حصلت على الاعتماد الكامل أو المبدئي    ماذا يحدث للكوليسترول في الدم عند تناول التفاح يوميًّا؟    وكيل تعليم القاهرة يتفقد مدارس حدائق القبة    مرور القاهرة يعلن إغلاق كوبري الأزهر السفلي لإجراء أعمال الصيانة    تجديد حبس والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته بمنشار فى الإسماعيلية 15 يوما    ننشر منطوق حكم كروان مشاكل بسب وقذف ريهام سعيد    مدبولي: لا تهاون في حماية نهر النيل من التعديات    وزير السياحة: افتتاح المتحف المصري الكبير الأول من نوفمبر    فى ذكرى تدمير المدمرة ايلات ..اسرائيل : "ضربة موجعة" لإسرائيل في أعقاب حرب 1967    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم للسيدات    تكريم خالد جلال بختام ملتقى شباب المخرجين بمسرح السامر.. الليلة    بعد أزمة مواجهة برشلونة وفياريال.. الدوري الإيطالي يتمسك بإقامة مباراته في أستراليا    انطلاق دوري الأنشطة الرياضية لتلاميذ المدارس بالمحافظات الحدودية بجنوب سيناء    بعد تصاعد جرائم القتل.. شيخ الأزهر يوجه رسالة حاسمة إلى المجتمع    محكمة العدل الدولية تجدد الدعوة إلى إعمال حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنشاء دولته المستقلة ذات السيادة    مخاوف داخل إسرائيل بعد الكشف عن عبور سرب مقاتلات صينية متقدمة إلى الأراضي المصرية    تركيب 1662 وصلة مياه مجانية للأسر الاولى بالرعاية بالفيوم    رئيس الوفد البرلماني الدنماركي: خطة السلام بغزة لم تكن لتنجح دون الجهود المصرية    ننشر لائحة النظام الأساسى للزمالك بعد عدم اكتمال نصاب الجمعية العمومية    الكنيست الإسرائيلي يقر مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية    مبابي وفينيسيوس على رأس قائمة الريال ضد يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا    توقف محطة مياه في الأقصر بعد ظهور مواد بترولية في مجرى النيل.. مباشر    مجلس كنائس مصر: مؤتمر الكهنة والرعاة جسد رسالة الكنسية في خدمة الإنسان والمجتمع    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    وزير التعليم العالي يؤكد ضرورة توجيه البحث العلمي لخدمة التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل للشباب    حبس المتهم بإنشاء كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بمدينة نصر    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    بيراميدز يواجه التأمين الإثيوبي ذهابا وإيابا في القاهرة    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    نائب ترامب: واشنطن تعمل على ضمان ألا تشكل حماس تهديدا مرة أخرى    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة يوليو 1952 ومتلازمة فبراير 1942
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 07 - 2020

تتوافق غالبية الأدبيات السياسية والروايات التاريخية التى انبرت فى سبر أغوار حركة الجيش فى يوليو 1952، على أن حرب فلسطين عام 1948، كانت الشرارة الأولى التى أشعلت جذوتها بعدما هيأت الأجواء لتشكيل تنظيم الضباط الأحرار، قبل أن تتكاتف انتخابات نادى ضباط الجيش فى ديسمبر من عام 1951، ثم حريق القاهرة بعدها بشهر واحد، ليضعا اللمسات الأخيرة لعملية التحضير المعقدة والمحفوفة بالمخاطر لذلك الحراك المصيرى.
لكن قراءة سوسيولوجية متأنية ومعمقة لوقائع تلك الحقبة الحرجة والمفصلية من تاريخ مصر الحديث، تشى بأن الإرهاصات الحقيقية لاختمار حركة الضباط، التى أسماها مفجروها كما قطاع عريض من المصريين حينئذ ب«الحركة المباركة»، قبل أن ينعتها عميد الأدب العربى طه حسين فى مقال نشره بعد انطلاقها ب 13 يوما، ب«الثورة»، إنما تعود إلى ما قبل اندلاع تلك الحركة بما ينيف على عقد كامل من الزمن، حيث واقعة الرابع من فبراير عام 1942. ففى كتابه المعنون «سقوط نظام.. لماذا كانت ثورة يوليو لازمة؟!» أورد الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل أن «ما حدث فى هذا اليوم كان أكبر من زهو السفير البريطانى لدى القاهرة، وقتذاك، السيد مايلز لامبسون بقوته، وخوف الملك فاروق على عرشه، وأكبر من تلقف النحاس باشا لرئاسة الحكومة من وسط العاصفة، حيث كانت ليلة 4 فبراير 1942 هى الطريق إلى 23 يوليو1952».
فلقد استبدت بالمحتل الإنجليزى فى ذلك اليوم العصيب، رغبة عارمة فى التخلص من حكومة على ماهر، بعدما جنحت لإعلان حياد مصر خلال الحرب العالمية الثانية، التى اعتبرها الشيخ المراغى، شيخ الأزهر فى حينها «حربا أوربية لا ناقة لمصر فيها ولا جمل»، فى الوقت الذى كان الموقف العسكرى بميادين القتال بالغ الحساسية ويمضى فى غير مصلحة بريطانيا وحلفائها بعد اجتياح هتلر لبولندا وفرنسا، بالتزامن مع وصول قوات الألمان بقيادة ثعلب الصحراء روميل إلى مدينة العلمين بصحراء مصر الغربية.
وبجريرة ما اعتبروه توجها عدوانيا لحكومة ماهر، سعى الإنجليز إلى إقالتها وتعيين حكومة بديلة أكثر تفاهما معهم وأشد تقديرا لحساسية موقفهم الميدانى، كما تحظى فى ذات الوقت، بظهير شعبى. وبينما كانت تعم البلاد شعارات من قبيل «لو رشح الوفد حجرا لانتخبناه»، و«الاحتلال على يد سعد زغلول خير من الاستقلال على يد عدلى يكن»، فقد اتجهت بوصلة الإنجليز تلقاء حزب الوفد والنحاس، ومن ثم وجه لامبسون إنذارا شديد اللهجة للملك فاروق، جاء فيه: «إذا لم أعلم قبل الساعة السادسة من مساء اليوم أن النحاس باشا دعا إلى تأليف الوزارة، فستتحمل تبعات ما يحدث». وتحت وطأة ذلك التهديد، الذى تأكدت جديته بحصار الدبابات والمدافع الإنجليزية لقصر عابدين، اضطر الملك الشاب مرغما إلى تكليف النحاس بتأليف الوزارة، والذى لم يتردد بدوره طويلا فى القبول بعد الموافقة على شرطيه، بسحب الإنذار الإنجليزى، وأن يترأس حكومة وفدية غير ائتلافية.
ولما كان فاروق، الذى ظل ينظر إليه مصريون كثر فى حينها بعين مغايرة خلافا لباقى ملوك الأسرة العلوية، يتطلع لمد الجسور مع الجماهير أملا فى إنهاء حالة الجفاء التى كانت تكتنف علاقتها بالقصر طيلة عقود مضت، مستغلا حداثة سنه كشاب عصرى مثقف، فقد هرع إلى تحرى السبل الكفيلة بتعزيز شرعيته وتعظيم صلاحياته متوسلا الخلاص التدريجى والناعم من ربقة الحصار المزدوج المتمثل فى جماهيرية النحاس وقهر الإنجليز. فبعدما تلقى إنذار لامبسون، حاول فاروق، قدر استطاعته، أن يبدو متماسكا وصامدا وأن يتصرف كملك لدولة مستقلة بموجب تصريح 28 فبراير 1922، غير أن خطورة الموقف العسكرى لبريطانيا وحلفائها خلال الحرب لم تكن لتسمح له بالمضى قدما على هذا الدرب، ومن ثم جاء حادث 4 فبراير 1942 ليطيح بتطلعات الشاب الحالم، بعدما أظهرته وقائعه وتداعياته المريرة كسلطة شكلية يجسدها ملك ضعيف منزوع الصلاحيات، يتحكم فى مصيره المحتل الانجليزى، بعدما سد عليه لامبسون جميع السبل للمراوغة والتحايل حفاظا على ما تبقى من هيبة العرش، حينما قال له: «لا تحاول أن تلعب بالنار عليك الاستجابة فورا للإنذار».
بمنأى عن ضغوط لندن المتوالية عليه لكبح جماح النزعات الاستقلالية والشطحات التمردية للملك الغر، والتى تكللت باللوم العنيف الذى وجهه إليه السير «الكسندر كادوجان» الوكيل الأول لوزارة الخارجية البريطانية، ومسئول التنسيق بين رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية، كان لامبسون على المستوى الشخصى، يضيق ذرعا بفاروق ولا يثق به، خصوصا بعدما تكشفت له صلاته المريبة والمبطنة بالألمان أثناء الحرب، حتى أن السفير البريطانى الساخط كان يتمنى ألا يستجيب فاروق للإنذار لتتم الإطاحة به، إذ تملكه الندم لاحقا لأنه لم ينتهز الفرصة ويتخلص من الملك المراوغ، ألمانى الهوى، بإجباره على التنازل عن العرش فى تلك الليلة المشئومة، حتى بعدما رضخ للإنذار البريطانى قبيل دقائق من انقضاء مهلته.
ومثلما كان متوقعا، لم يكن ذلك الحادث الجلل ليمر مرور الكرام على المصريين، ملكا وجيشا وطبقة سياسية. فمن جانبه، وبعد هذا الأمر المدوى، استسلم فاروق لشعوره المؤلم بالمهانة والانهزام حتى انجرف إلى غياهب التخبط فى مسارين متوازيين: أولهما، الاستغراق فى حياة المجون، التى أجهزت على ما تبقى له من رصيد شعبى حتى مهدت السبيل لإزاحته إثر اندلاع حركة الضباط فى بضع سنين. أما ثانيهما، فكان الجنوح للانتقام من النحاس والانجليز، والسعى قدر المستطاع لترسيخ دعائم حكمه، عبر آليتين: تمثلت أولاهما فى العمل على النيل من شعبية الوفد وضرب وحدته وتقليص دوره بإذكاء خلافاته الداخلية وإفساح المجال أمام صعود تيارات يمينية منافسة كالشيوعيين والإخوان، والسماح فى أغسطس من ذات العام بإطلاق صحيفة «الإخوان المسلمين»، التى صدَر الإخوان أولى صفحاتها بصورة للملك ممسكا بمسبحة، تعلوها عبارة «القدوة الصالحة». بينما تجلت ثانيتهما فى السعى لتقوية الحرس الملكى، ليتعزز توجه فاروق نحو الاستعانة بالجيش وتسخيره لحمايته والحيلولة دون تكرار مأساة اجتراء الدبابات البريطانية على محاصرة القصر. وتوخيا لهذا المقصد، طفق الملك الشاب يحشد المعدات والأسلحة والذخيرة للحرس الملكى، فى خطوة فاقمت قلق سلطات الاحتلال، كما أثارت حفيظة باقى أفرع ووحدات الجيش، خصوصا الوطنيين المستاءين من وصفه ب«جيش المحمل» والرافضين لاختزال دوره فى تقوية شوكة الملك والذود عن عرشه فى مواجهة صلف الإنجليز فقط، لاسيما بعد أن غدا هذا التوجه سببا رئيسا لاهتزاز صورة ومكانة الجيش لدى جموع المصريين، خصوصا عقب الهزيمة المروعة فى حرب فلسطين عام 1948.
فى المقلب الآخر، وبينما بدأت شعبية حكومة النحاس فى التراجع التدريجى، جراء سياساتها المهادنة نسبيا للإنجليز، على نحو ما تجلى فى فرض الأحكام العرفية واعتقال منتقدى الملك ومناهضى الحلفاء، الأمر الذى أفضى إلى تعاظم الغضب الشعبى من الثالوث المتمثل فى الانجليز والقصر والأحزاب، التى تبارت بدورها فى كيل الانتقادات والاتهامات للنحاس جراء قبوله تولى وزارة على أسنة رماح الاحتلال، على حد وصف أحمد ماهر، اعتبرت الطبقة السياسية ذلك الصلف البريطانى عدوانا صارخا على استقلال مصر المعلن عام 1922، وانتهاكا سافرا لنص معاهدة 1936 المبرمة بين البلدين، بما يعرض العلاقات المصرية البريطانية لخطر محقق، حتى أقدم على ماهر فى صباح الخامس من فبراير 1942، بوصفه رئيسا لمجلس النواب، على توجيه رسالة إلى السفير البريطانى ندد فيها بما حدث ليلة 4 فبراير، وبإصرار الحكومة الإنجليزية على انتهاك سيادة مصر وتقويض تجربتها الديمقراطية عبر فرض شخص بعينه ليشكل الحكومة ومصادرة حق المصريين فى الانتخاب.
أما على مستوى الجيش، فقد هيأ الحادث الأجواء لاختمار جنينى ومتنام لحركة الضباط بعدما تأكد لأعضائها، بما لا يدع مجالا للشك، أن الوطن لن يعرف طريقه إلى الحرية والنهضة طالما بقى الاحتلال والملك والنخب الهشة والأذناب الفاسدة، ومن ثم دفع حادث 4 فبراير 1942 ومن بعده مآسى حرب فلسطين عام 1948، الضباط الأحرار إلى الالتئام فى تنظيم سرى، لاسيما بعد أن سمحت معاهدة 1936 لعناصر وطنية تنتمى إلى مختلف شرائح الطبقة الوسطى، بالانضمام لصفوف الجيش عبر الالتحاق بالكلية الحربية حينئذ. ورويدا رويدا، اتسعت دائرة تأييدهم، ليس فقط داخل صفوف الجيش ولكن فى مؤسسات شتى وعلى مستوى الجماهير، الأمر الذى شجعهم على التحضير لحركة، تباينت آراء المراقبين والمؤرخين بشأن توصيفها اصطلاحا فى بادئ الأمر، حتى حسم الجدل، عقب تأييد جموع الشعب لها، وما أحدثته لاحقا وتدريجيا من تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية شاملة وعميقة فى المجتمع المصرى على مدى عقد آخر من الزمن، ليتم إدراجها فى مصافى الثورات الشعبية.
من ثنايا ظلمات أهوال الرابع من فبراير 1942، انبلج نجم الضابط الشاب محمد نجيب، الذى كان فى حينها برتبة صاغ «رائد»، بينما دفعته حماسته الوطنية الجارفة واستياؤه البالغ من محاصرة قوات الاحتلال الإنجليزى لقصر عابدين وتهديد ملك البلاد بالعزل حالة عدم إذعانه لإملاءاتها، إلى الذهاب مغاضبا صوب القصر ليتقدم باستقالته من الجيش احتجاجا على مذلة العجز المخزى عن البر بقسم الولاء بالذود عن سيادة واستقلال البلاد وحماية شرعية ملكها. بيد أن مسئولى القصر وجهوا له الشكر على مشاعره الوطنية المتوهجة ورفضوا قبول استقالته، غير مدركين أن القدر كان يدخر الضابط الواعد ليوم موعود، ودور مشهود، بعد أن يبلغ أشده ويصبح لواء أركان حرب، كى يتجشم مغامرة قيادة حركة الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو 1952، ويوجه الإنذار للملك بالتنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد فى موعد غايته الثانية عشرة من ظهر يوم 26 يوليو، ومغادرة البلاد بالطريقة التى يختارها فى موعد غايته السادسة من مساء ذات اليوم، ثم ليغدو فى عقبها أول رئيس للجمهورية المصرية، التى أعلنت فى 18 يونيو 1953.
بيد أن الجمهورية الوليدة ظلت كما الثورة الجنينية المتفاعلة، أسيرة لمتلازمة 4 فبراير 1942، إذ لم تبرأ من أعراضها وتداعياتها، إلا بعدما تجاوزت مصر الجديدة محنة العدوان الثلاثى الغاشم نهاية عام 1956، والتى عانت خلالها مجددا، ويلات إنذار أنجلو فرنسى، تلاه اعتداء عسكرى بريطانى فرنسى إسرائيلى، يتوخى عبثا كسر الإرادة الوطنية لأمة، أبت إلا النهوض وعبور الأزمة على وقع إنذار سوفيتى أيده العالم بعدما سطره المصريون ببسالتهم وصمودهم ودمائهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.