نجحت الصناعة المصرية فى تجاوز الأزمة المالية محققة معدل نمو إيجابيا، فى الوقت الذى حققت فيه معدلات النمو الصناعى لكثير من دول العالم معدلات سلبية، ولكن لايزال أمامها مشوار طويل لتخرج من الأزمة. الصناعة المصرية «شالت الشيلة فى السنة الأولى من الأزمة العالمية»، كما جاء على لسان أدهم نديم، المدير التنفيذى لمركز تحديث الصناعة، شارحا أنه على الرغم من «تصلب شرايين السوق الداخلية»، نتيجة للأزمة العالمية وتداعياتها مثل انهيار الصادرات فإن الشركات المصرية، بعكس غيرها من الشركات العالمية صمدت و«لم تنكسر» أمام رياح الأزمة ولم تقم بتسريح عمالها، بل نجحت فى أن تعبر الأزمة محققة معدل نمو إيجابيا. وتشير أرقام وزارة التنمية الاقتصادية إلى أن معدل النمو الصناعى بلغ 4.2% فى العام المالى 2008/2009، وهذا الرقم، على الرغم من كونه يوازى نصف المعدل المحقق فى العام السابق عليه فإنه لايزال إيجابيا، وهذا خير دليل، وفقا لنديم، على أن الصناعة المصرية قد صمدت فى وجه الأزمة. فعلى سبيل المثال، قامت الصين، التى اكتسبت مكانة كبيرة فى المجال الصناعى، بإغلاق آلاف المنشآت الصناعية وقامت بتسريح أكثر من 30 مليون عامل، والصين لا تمثل استثناء، فهناك العديد من الشركات الأوروبية والأمريكية، «والتى تبلغ ميزانياتها أكبر من ميزانية دول»، انهارت وأعلنت إفلاسها. ويرى نديم أن السوق المصرية من الأسواق الوحيدة التى صمدت أمام الأزمة، ودلل على ذلك بقطاع البناء والتشييد الذى شهد خلال الربعين الأخيرين من العام المالى الماضى طفرة ملحوظة قادت نمو الناتج المحلى الإجمالى، فوفقا لوزير التنمية الاقتصادية، عثمان محمد عثمان، نما هذا القطاع بنسبة 11.4% خلال العام المالى 2008/2009، قائدا إجمالى النمو إلى 4.7%. اللعب مع الكبار وعلى الرغم من إيمان نديم بعدم انهيار «المعمار الصناعى» فى مصر بحسب توصيفه للصناعة، فإنه اعترف بأن ردود أفعال القطاعات الصناعية المختلفة كانت متفاوتة، كل وفقا لملاءته المالية وحجمه فى السوق. «الأكفأ هو الذى صمد أمام الريح والباقى غرق»، كما جاء على لسانه مشيرا إلى أن هذا الوضع الجديد فرض على الصناعة المصرية منهجا وشروطا جديدة، «فنحن الآن نلعب مع الكبار»، بحسب تعبيره. ويذكر المدير التنفيذى لمركز تحديث الصناعة أنه مع احتداد المنافسة فإن «الأزمة طردت خارج الحلبة السيئ والضعيف»، ومن ثم فإن الشركات المتبقية فى السوق العالمية أصبحت «أكثر شراسة» من السنوات الماضية، ولن تقبل قوى السوق بأى تقاعس أو تنازل من قبل الشركات، ومن هنا سيقع اختيار العاملين فى السوق على «الأكثر التزاما والأحسن جودة، والأكثر كفاءة». وهذه الشروط الثلاثة، التى ذكرها نديم، دفعت بالشركات الصناعية فى السوق المصرية إلى سلك منهج مختلف فى الأشهر الأخيرة، فقد اتجهت إلى اتباع سلسلة طويلة من التدريب تمكنها من تطوير المنتج، لكى تحافظ على بقائها فى الأسواق. «المرحلة المقبلة لن تكون من نصيب الأحسن سعرا، بل الأكثر جودة»، يقول نديم. ووفقا لمركز تحديث الصناعة، قد حدث منذ بداية الأزمة نوع من التحول فى أنواع الخدمات التى تقبل عليها الشركات والمصانع المختلفة، فقد بدأت الشركات تتجه إلى الإنفاق على التدريب وعلى تحسين كفاءة العمالة. فقد ارتفعت نسبة هذه الخدمات التى يقدمها المركز إلى الشركات ليمثل إجمالى الخدمات المخصصة للتدريب وتحسن الكفاءة 57.7% من إجمالى الخدمات المقدمة من قبل المركز فى 2008/2009 مقابل 52% خلال عام 2007/2008. ويضيف نديم أنه نتيجة الكساد الذى ضرب العالم، تغيرت الخريطة الصناعية فى العالم، وهو ما دفع الشركات المصرية إلى البحث عن أسواق بديلة، ولكن هذه «مهمة صعبة»، وفقا لنديم، فكل سوق له متطلباته، وتلبيتها يتطلب استثمارات إضافية، وهذا كبلها بحمل «مضاعف»، بجانب الحفاظ على العمالة. لم تعد السوق الأوروبية والأمريكية، المستهلك الأكبر فى الوقت الحالى، فدول جنوب شرق آسيا وغيرها تتطلب اهتمام من السوق المصرية، تبعا لنديم مدللا على كلامه بالسوق السويدية، التى على الرغم من صغر حجمها تمثل مجالات عديدة وجديدة للشركات المصرية. معايير جديدة للمنافسة الأزمة وضعت معايير جديدة للمنافسة، فلن يكون هناك أى تهاون فى مواعيد التسليم على سبيل المثال، كما أن توافر البضاعة أيضا أصبح عنصرا منافسا قويا، خصوصا أن كثيرا من الدول قامت بمساندة شركاتها من خلال إنشاء مخازن فى الأسواق التى توزع بها، وهذا ما بدأت الحكومة المصرية أيضا فى اتباعه، وإن كان فى حدود أضيق نتيجة للتكلفة التى تتحملها الحكومة والمصانع. «يجب أن تكون الشركة لديها من الإمكانيات والملاءة المالية ما يمكنها من الإنتاج والتصنيع وتحصيل العائد بعد فترة طويلة»، يقول نديم مشيرا إلى أن الحكومة بدأت فى إنشاء أماكن للتخزين فى الشارقة والسودان. ويضيف «نحن لا نتخذ أى خطوة فى هذا الاتجاه إلا بناء على طلبات من الشركات المصرية». وتتحمل الحكومة تكلفة إيجار المكان والبنية الأساسية، وهى تكلفة ليست بالضخمة تبعا لنديم الذى يرى أن التكلفة أكبر على أصحاب المصانع «الذين يجازفون ويتحملون تكلفة الإنتاج وتكلفة تكدسها فى المخازن إلى أجل غير مسمى»، كما جاء على لسان نديم مشيرا أن تكلفة الحصول على تمويل فى مصر والتى تتراوح بين 10 و15%، مقابل 0.5% فى أى مكان آخر، يرفع بقيمة التكلفة لدى الشركات المصرية لتكون «خارج المنافسة». الأزمة لن تنتهى.. صمدت المصانع المصرية أمام تداعيات الأزمة المالية، واستطاعت أن تحقق نموا إيجابيا نتيجة لتنوع قطاعات الصناعة مثل مواد التشييد والبناء، والطاقة المتجددة، المواد الغذائية العضوية، وفقا لنديم، ولكن «لا أحد يعلم ما إذا كانت الأزمة قد انتهت بالفعل»، يقول نديم بثقة، مشيرا إلى أن الأزمة العالمية أفقدت الصناعة المصرية سنة من عمرها»، أى أن الصناعة تحقق اليوم ما كانت تحققه السنة الماضية.» كما جاء على لسانه. «لا يوجد لدينا بدائل، فالصناعة المصرية الآن فى مفترق الطرق، لتنجو أم تموت»، يقول نديم مشيرا إلى أن الصناعة المصرية لكى تستطيع أن تخرج من الأزمة، عليها مضاعفة مجهوداتها، والبحث عن تحقيق الأحلام الصعبة والبعيدة، لأن «من لا يكبر يصغر»، بحسب تعبيره. مضاعفة الصادرات الصناعية من 95 إلى 200 مليار جنيه خلال السنوات الأربع المقبلة، وهى الخطة التى أعلنها وزير التجارة والصناعة، أمام مؤتمر اليورومنى، هو أحد تلك الأحلام تبعا لنديم. ولكن هذا يحتاج إلى تضافر جهود القطاع الخاص وجهات التمويل من أجل مضاعفة حجم الاستثمارات والصناعات الموجودة فى الوقت الحالى. «المهمة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة»، يقول نديم مسترجعا التاريخ حينما لم يكن أحد يتوقع أن تصل صادراتنا الصناعية إلى 60 مليار جنيه. وكان نديم قد أجرى فى الأسبوع الماضى اجتماعات مكثفة مع ممثلى القطاعات الصناعية المختلفة بهدف الخروج بخطة متكاملة يتم تطبيقها على مدار السنوات الأربع المقبلة للوصول إلى المستهدف من مضاعفة الصادرات، محددا إحدى عشرة نقطة تمكنه من تحقيق هذا الهدف من أهمها الاعتماد على الاتفاقيات الدولية، والتسويق، والتدريب ورفع الكفاءة، والجودة، والشحن، والتواجد اللوجستيكى فى الخارج. «لو كنا نريد الخروج من هذه الأزمة وإنقاذ الصناعة علينا أن نعمل بجدية»، ينهى كلامه نديم مستبعدا إمكانية أى بديل آخر لحل المشكلة.