تراجع نمو الصناعة إلى ما يقرب من النصف خلال العام المالى 2008/2009، وبالرغم من ذلك يرى البعض أن أمامها فرصة كبيرة للتحرك للأمام، إذا اتخذت الحكومة مزيدا من الإجراءات لدعمها. ضحايا الأزمة العالمية كُثر، وكلهم مؤثرون فى النمو الاقتصادى، ولكن قطاع الصناعة، الذى تراجع نموه إلى ما يقرب من النصف خلال العام المالى الماضى، كان ضربة قوية، خاصة لما كانت تعول عليه الدولة من أن يكون قاطرة النمو خلال السنوات المقبلة، بعد تحقيقه معدل نمو قياسيا فى العام المالى 2007/2008، السابق على الأزمة وصل إلى 8.2%. «بالرغم من أن تراجع معدل نمو الصناعة خلال العام المالى الماضى كان متوقعا، فى ظل ظروف الأزمة، إلا أنه مثل ضربة قوية»، كما تقول نهال المغربل، أستاذة الاقتصاد فى جامعة القاهرة، إلا أن «هذا لا يعنى نهاية المطاف»، بحسب تعبيرها، متوقعة أن تعاود الصناعة النمو خلال العامين المقبلين، لتسجل معدل ال8% مرة أخرى. ويوافقها الرأى أدهم نديم، رئيس برنامج تحديث الصناعة، الذى قال إن «هذا التراجع لا يعنى انتهاء عصر الصناعة، بل بالعكس فإن هذه الانتكاسة قد تمثل انطلاقة جديدة وأقوى للصناعة المصرية»، على حد تعبيره، مستندا فى ذلك إلى ما ستتيحه الأزمة من تغيير لاتجاهات ومفاهيم الصناعة فى مصر، حيث «سيكون التركيز خلال الفترة المقبلة على تقديم منتج أكثر جودة، حتى وإن كان أعلى سعرا، مقابل الاتجاه الذى كان سائدا من قبل، والمتمثل فى تقديم منتج رخيص فقط»، تبعا لقوله. واعتبر نديم أن هذا الأمر «سيسمح بتحسين جودة الصناعة المصرية، ممهدا الطريق أمامها لتغيير موقعها على الخريطة العالمية». ومن أهم القطاعات الصناعية التى قد تسهم فى دفع نمو القطاع، وفقا لنديم، الصناعات الغذائية والترفيهية ومواد البناء، بينما «ستشهد صناعات أخرى مثل النسيجية والهندسية تراجعا ملحوظا، نتيجة استغناء الناس عنها فى محاولة منهم لترتيب الأولويات»، كما توقع نديم. من وجهة نظر نديم، المتهم الأول فى التدهور الذى شهده القطاع الصناعى هو حالة الانكماش، التى شهدتها أغلبية الأسواق العالمية، الأمر الذى نجم عنه تراجع فى إنتاج الكثير من المصانع المصرية، التى كانت تصدر للخارج»، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن الشريكين التجاريين الأساسيين لمصر، أمريكا وأوروبا، واللذين يستحوذان على الغالبية العظمى من صادراتنا، هما اللذان «شهدا الضربة الأقوى من الأزمة». ووفقا لأرقام البنك المركزى، انخفضت الصادرات المصرية بنسبة 14.3%، لتصل إلى 25.2 مليار دولار فى العام المالى 2008/2009، مقارنة بالعام السابق عليه. إلا أن إبراهيم فوزى، وزير الصناعة السابق، يرى أن السبب الرئيسى لتراجع النمو الصناعى، إلى جانب عامل الأزمة، هو «خروج الصناعة من أولويات الحكومة فى الوقت الحالى، بعد أن كانت فى الثمانينيات تستحوذ على مزايا عديدة، مثل الحصول على قروض مخفضة من بنك التنمية الصناعية وغيرها من البنوك بالإضافة إلى إعفاءات المشروعات الصناعية من الضرائب، وتسهيلات فى الحصول على الأرض، وغيرها». «كل هذه المزايا كانت تسمح بخلق كيان صناعى قوى، ولم تكن من نصيب فئة محددة من المستثمرين، مثلما يحدث الآن»، يقول فوزى، موضحا أن «جميع الإجراءات التى تفتخر بها الحكومة الآن لا تخص سوى الكيانات الصناعية القائمة بالفعل، مما يساعدها على أن تكبر على حساب أى كيانات أخرى جديدة». وكان وزير التجارة والصناعة قد أشار، فى تصريحات صحفية سابقة ل«الشروق»، إلى أن الوزارة تركز فى الوقت الحالى على تعميق الصناعة المصرية، ولذلك قامت بتكوين لجنة مختصة فى هذا الأمر منذ ثلاثة أشهر، تضم كبار المعنيين بأمر الصناعة فى مصر من أجل تطويرها. «هذا هو التدرج الطبيعى لتطوير الصناعة، لقد كنا فى بادئ الأمر بحاجة إلى خلق كتلة صناعية، والآن نحن لدينا هذه الكتلة، وحان الوقت لتطويرها»، تبعا رشيد، متوقعا أن «تبلى الصناعات التصديرية بلاء حسنا» العام القادم، وأن تزيد الصادرات الصناعية بنسبة تتراوح ما بين 10 و15%. إجراءات محفزة ولكنها غير كافية اتخذت الحكومة، منذ بداية الأزمة، العديد من الإجراءات بهدف دعم الصناعة، مثل زيادة الدعم الموجه إلى المصدرين، الذى خصصت له 2 مليار جنيه إضافية فى موازنة عام 2008/2009، بالإضافة إلى تأجيل الأقساط بالنسبة للمستثمرين الحاصلين على أراضٍ من هيئة التنمية الصناعية، إلى جانب تجميد خفض دعم الطاقة للمصانع لمدة عام. «هذه الإجراءات غير كافية لدفع النمو الصناعى»، من وجهة نظر فوزى، معتبرا أنه «حتى الآن لا توجد سياسة صناعية تضمن أن يشهد الإنتاج الصناعى فى الفترة المقبلة زيادة حقيقية، فلا يكفى فقط أن تحقق بعض المصانع زيادة فى الإنتاج، بل يجب زيادة تنافسية القطاع بأكمله»، بحسب تعبيره. ويرى فوزى أن «جميع الإجراءات التى تتخذها الحكومة تهدف إلى دعم الكيانات الصناعية الموجودة، دون السماح لظهور لاعبين جدد فى السوق يساهمون فى إنعاش الصناعة»، مشيرا إلى تعويل الحكومة على هذا القطاع ليكون قائدا للنمو المحلى خلال الفترة المقبلة. وكان رشيد قد أعلن، منذ أيام، عن نية الحكومة فى استئناف خطتها لإلغاء الدعم المقدم للطاقة فى 2010، مشيرا إلى أن هذه الخطة كانت قد تم الإعلان عنها ضمن قرارات مايو 2008، والتى تقضى بأن ترفع الحكومة الدعم بشكل تدريجى خلال خمس سنوات، وقد تم إلغاء 20% من الدعم بالفعل فى عام 2008، إلا أنه عندما جاءت الأزمة العالمية توقفت الحكومة عن استكمال خطتها فى 2009. الصناعة قاطرة النمو من وجهة نظر المغربل، تعد الصناعة أكثر القطاعات أهمية وقدرة على قيادة النمو فى الفترة القادمة، باعتبارها الأكثر قدرة على التشغيل من بين باقى القطاعات، وهو ما جعل أنظار العالم تتجه إلى التركيز على هذا القطاع، «الاعتماد على الصناعة بات اتجاها دوليا»، بحسب تعبيرها. ويوافقها الرأى فوزى الذى قال إن «الصناعة ترتبط بالاستقرار، لأنها تخلق فرص عمل دائمة، وليست مؤقتة مثل قطاع البنية الأساسية، الذى يوظف عددا من العمال لوقت ما حتى ينتهى المشروع»، كما أن الصناعة تخدم جميع القطاعات الأخرى، تبعا لفوزى، وتمكنهم من تحقيق نمو حقيقى. «مساهمة قطاع السياحة فى النمو، على سبيل المثال، كانت ستنخفض، بدون وجود قطاع صناعات غذائية قوى، لأن الفنادق كانت ستضطر إلى شراء منتجات غذائية من الخارج لتلبية احتياجات السياح، مما كان سيحملها فاتورة كبيرة تقلل من عوائدها»، أضاف فوزى. سجلت الصناعة معدلات قياسية العام الماضى وفقا لتقرير الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الصادر فى سبتمبر الماضى، حول تطور قطاع الصناعة خلال السنوات الخمس الماضية، بلغت قيمة الناتج الصناعى فى مصر 162 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى، بزيادة نسبتها 80% عن ما تحقق خلال العام المالى 2004 /2005. كما أشار التقرير إلى أن نسبة مساهمة قطاع الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى بلغت 17.1% فى العام المالى الماضى، مسجلا أكبر معدل بين القطاعات فى ذلك العام. وأوضح التقرير أنه تم تسجيل زيادة فى قيمة الاستثمارات الصناعية نسبتها 235.4% خلال الفترة ما بين العامين الماليين 2004 2005 و2007 2008، كما زاد نصيب قطاع الصناعة من إجمالى الاستثمارات خلال نفس الفترة بنسبة 8.4%، وارتفعت قيمة الصادرات الصناعية بنسبة 70% فى الفترة ذاتها، مستحوذة على 46% من إجمالى الصادرات المصرية.