نتائج الحصر العددي لأصوات الناخبين بالدائرتين الأولى والثالثة في الإسماعيلية    تدخل حيز التنفيذ في يناير، تفاصيل وثيقة وقعها بوتين لجعل 95 % من سكان أوكرانيا روسا    مقتل مطلوبين اثنين من حملة الفكر التكفيري في عملية أمنية بالأردن    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالغربية تعلن الحصر العددي لأصوات الناخبين    مهرجان شرم الشيخ يعلن اختيار رومانيا ضيف شرف دورته القادمة    31 دولارا للأوقية.. ارتفاع أسعار الذهب في البورصة العالمية    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    في ذكرى ميلاده.. محطات في حياة طلعت حرب: رجل صنع استقلال مصر الاقتصادي ونهضتها الثقافية    مرتضى منصور قبل الأخير، ننشر الحصر العددي لأصوات الناخبين بميت غمر في الدقهلية    سيارة كيا EV5.. إضافة متميزة لعالم السيارات الكهربائية    بلاغ يكشف تلاعبًا في التسجيلات بقضية «سيدز الدولية»    الطب الشرعي في تركيا يكشف مفاجأة عن "الوفاة الغامضة" لسياح إسطنبول    مصطفى عبده يكتب: إرادة تختصر الزمن    مدحت عبدالدايم يكتب: عبدالمنعم إبراهيم كوميديان جاد.. تثيره مخالفة قواعد المرور    النائب العام يبحث التعاون مع الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    مادورو: سندافع عن فنزويلا ضد أي تهديد والنصر سيكون حليفنا    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ستارمر: زيلينسكى قَبِل أغلب بنود الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأخيرة تعتبر الأسوأ في تاريخ مدربي منتخب مصر    الفيوم تحتضن مهرجان البيئة وجامعة الفيوم تشارك بفاعلية في الحدث    وعكة صحية تُدخل والدة رضا البحراوى المستشفى    عودة "Stray Kids" إلى البرازيل كأول فرقة كيبوب في مهرجان روك إن ريو 2026    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    مؤشرات أولية.. الإعادة بين 4 مرشحين بدائرة شبين الكوم في المنوفية    تقدم مرشح حزب النور ومستقبل وطن.. المؤشرات الأولية للدائرة الأولى بكفر الشيخ    ننشر المؤشرات الأولية لفرز لجان السويس في انتخابات مجلس النواب    ثقف نفسك | الأرض تغضب وتثور.. ما هو البركان وكيف يحدث ؟    قانون العمل الجديد | زيادة سنوية بنسبة 3%.. تعرف على ضوابطها    عاجل.. قائمة الأهلي لمواجهة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    خمسة لطفلك | كيف تكتشفين العدوى الفيروسية مبكرًا؟    محمد صبحي يكشف تفاصيل إصابته ب«الوسواس القهري»    دراسة تكشف عن 3 مخاطر من إيقاف أدوية إنقاص الوزن قبل الحمل    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بيان رسمي.. الاتحاد السكندري: لم ننسحب من نهائي مرتبط السلة    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بحدائق أكتوبر    ب8 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مصنع تدوير القطن والأقمشة بالقليوبية| صور    القبض على 3 متهمين بسرقة مصوغات ذهبية من شقة في الطالبية    ترتيب دوري أبطال أوروبا.. تشيلسي يقترب من المربع الذهبي وبرشلونة ال15    بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس    بمشاركة مرموش.. السيتي يخسر على ملعبه أمام ليفركوزن في دوري الأبطال    لجنة السيدة زينب تعلن محاضر فرز اللجان الفرعية للمرشحين بانتخابات النواب    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    كريم الدبيس: أي حد أفضل من كولر بالنسبالى.. وجالى عرضين رسميين للاحتراف    بالأرقام.. مؤشرات اللجنة الفرعية رقم 44 بدائرة المطرية محافظة القاهرة    مصرع طفل 15 سنة في تصادم دراجة وسيارة نقل خلال حفل زفاف غرب الأقصر    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الخميس والسبت فى دور ال32 بكأس مصر    الفقي: نجاح البرلمان لن يتحقق إلا بوجود معارضة قوية ورجل الأعمال لا يصلح للسياسة    جامعة المنيا: اعتماد استراتيجية الابتكار والأمن السيبراني    رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو يبدأ تنفيذ حكم بالسجن 27 عاما بتهمة التخطيط لانقلاب    إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"    الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض    تطوير 5 عيادات صحية ومركز كُلى وتفعيل نظام "النداء الآلي" بعيادة الهرم في الجيزة    مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور    رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة    مواجهة نارية في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وتشيلسي لايف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشبع البطون وتجوع الخلايا
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 04 - 2019

جسم الإنسان مكون من ملايين الخلايا، كل خلية لها شكل ووظيفة، هذه الخلايا تشكل الجلد والعظم والعضلات أو الأعضاء الداخلية من جهاز هضمى وتنفسى وكلى وكبد.. إلخ.
المخ به مركز معنى بالجوع والشبع، هذا المركز يتلقى إشارات عصبية من المعدة إذا كانت خاوية أو مليئة كما أنه يقرأ نسبة السكر فى الدم سواء كانت كافية أو منخفضة، وبناء عليه يحس الإنسان بالجوع فيبحث عن الأكل أو الشبع فيتوقف عنه. هذا المركز لا يقرأ القيمة الغذائية للطاقة التى تصله، أى أنه لا يفرق بين ما إذا كانت هذه الإشارات نابعة من غذاء يحتوى على عناصر الأكل التى تحتاجها كل خلية فى جسمنا من بروتين ونشويات ودهون صحية وأملاح ومعادن مثل الحديد والزنك وفيتامينات أم لا، فالإحساس بالشبع يحدث بمجرد امتلاء الأمعاء بالأكل وارتفاع مستوى السكر فى الدم.
«سوء التغذية» هو مصطلح علمى يستخدم فى الطب وأيضا فى الاقتصاد لدراسة الأمراض المرتبطة بجودة وكمية الغذاء المتاح للأفراد فى العالم خصوصا الأطفال. وتستخدم لتحديد تأثيرهما على الصحة والنمو والقدرة على العمل والإنتاج وعلى العبء المحمل على الدولة نتيجة للأمراض المرتبطة بسوء الغذاء سواء لتأثيرها على الإنتاجية أو على العبء المحمل على ميزانية الدولة فى قطاع الصحة.
هذا المصطلح يشمل «الجوع» وهو نقص الطاقة الحاد والذى يؤدى إلى نحافة وهزال شديد ومعه ألم نفسى حقيقى بسبب هذا الإحساس ومعاناة جسدية بسبب فشل الجسد من خلايا وأنسجة فى العمل بشكل عام، وهى الصورة الإعلامية المرتبطة فى ذهننا بضحايا الجفاف فى إفريقيا والذين رأيناهم خصوصا فى أوائل الثمانينيات فى التليفزيون والجرائد وما زلنا نراهم فى ظروف الحرب والتهجير.
«الجوع المستتر» وهو اكتفاء من الطاقة فلا يحس الشخص بالجوع لكن يصاحبه نقص شديد فى واحد أو أكثر من عناصر الغذاء الأساسية، عادة ما تكون البروتين والحديد والزنك وبعض الفيتامينات مثل فيتامين أ فى الأكل اليومى للفرد، وبالتالى خلاياه وأنسجته وجسمه بشكل عام حجمها قريب من الطبيعى ويقومون بوظيفتهم بدرجة ما لكن ليس بالكفاءة المطلوبة. يندرج تحت هذا البند «الأنيميا» الناتجة عن نقص الحديد والمسئولة عن حمل الأكسجين إلى أنسجة الجسم ويندرج أيضا «التقزم» (قصر القامة) أى أن الطفل لا يصل إلى طوله المتوقع لسنه وجيناته وهو مقياس ليس للطول وإنما لوصول المخ والجهاز المناعى وأجهزة أخرى إلى أفضل حجم ووظيفة ممكنة لها.
أما «السمنة» فهى إحدى أمراض سوء التغذية التى زادت نسبتها كثيرا فى آخر عقد فى العالم كله والتى تعنى زيادة فى كمية الطاقة المستهلكة للفرد عن احتياجه بحيث تترسب الدهون بشكل غير صحى فى خلايا الجسم وينتج عنها أمراض فى الكبار والصغار على حد سواء فى القلب وضغط الدم والسكر والجهاز المناعى والتنفسى وغيرها، وهذه الزيادة فى استهلاك الطاقة لا تعنى بالضرورة سد احتياجات الطفل من البروتين والمعادن والفيتامينات الأساسية التى يحتاجها الجسد. وبالتالى فالفرد قد يعانى من سمنة وجوع مستتر وتقزم منفردين أو مجتمعين دون أن يصاحبه الجوع الذى ينبه الشخص إلى وجود مشكلة فى غذائه إلا بعد ظهور الأمراض عليه.
العالم ما زال به 800 مليون شخص يعانون من الجوع يعيش 90 بالمائة منهم فى 36 دولة من دول العالم ال 195، للأسف مصر تقع ضمن هذه الدول، وما زال ثلاثة ملايين طفل فى العالم يموتون قبل سن الخامسة سنويا بسبب سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة به معظمها مرتبطة بالنزلات المعوية أو النزلات الشعبية والالتهاب الرئوى القاتل. وقد صدر فى عام 2017 تقرير الغذاء العالمى عن الأمم المتحدة ليعلن أن كل بلاد العالم بدون استثناءات تعانى من أحد أمراض سوء التغذية (الجوع، الجوع المستتر، التقزم، السمنة) إلى درجة أن واحدا من كل ثلاث من سكان العالم مصاب بأحد هذه الأمراض.
استطاعت مصر أن تحارب الجوع، ونزلت معدلات النحافة الشديدة إلى أقل من 8٪ والأطفال ناقصى الوزن إلى 14٪ من الأطفال دون الخامسة فى العقود الأخيرة، وبالرغم من كونها ما زالت عالية فإنها تحسنت بسبب سد الاحتياج للغذاء عالى الطاقة، لكن واكبها ارتفاع فى معدلات التقزم وهو ما يعانى منه 21٪ من الأطفال المصريين دون الخامسة ونقص الحديد ونسبته 25٪ من الأطفال والسمنة تتعدى ال33٪ من الأطفال أقل من 15 عاما وذلك بسبب سوء القيمة الغذائية لهذا الأكل. مشكلة التقزم لا تكمن فى طول الطفل ولكنها انعكاس لنمو المخ وحجمه وتعنى أن هؤلاء الأطفال لن يحصلوا على فرصهم العادلة فى نموهم الذهنى وأدائهم الأكاديمى.. والأبحاث أثبتت أن هذا ينعكس على فرصهم فى العمل وقدرتهم على الارتفاع بمستوى المعيشة لأسرهم وتقلل من إنتاجية الشعب المصرى بحوالى 37٪ (التقرير السنوى للبنك الدولى لعام 2017 حول التكلفة الاقتصادية للتقزم). نفس هذا التقرير يربط التقزم (وهو أحد المعايير المستخدمة لقياس تنمية الدول) بظروف أسرية: الرضاعة الطبيعة فى الستة أشهر الأولى، كمية وجودة الغذاء عند دخوله للطفل عند ستة أشهر من العمر، صحة الأم وغذائها، الرعاية النفسية والجسدية التى يحصل عليها الطفل فى أول 3 أعوام من حياته. ومجموعة ظروف مجتمعية تؤثر مباشرة على نسب التقزم فى مجتمعات بعينها: نسب التعليم وجودته، الاستقرار الاقتصادى، وفرة المياه والتلوث البيئى، شبكة الرعاية الصحية وجودتها، تمكين المرأة. وكلها عوامل تفسر وجود التقزم فى مجتمعات دون أخرى.
أول 1000 يوم من عمر الطفل منذ التكوين داخل الرحم (حيث يعتمد على غذاء الأم وصحتها) مرورا بأعوامه الاثنين الأولى فاصلة فى تحديد تكوينه الجسمانى والذهنى ومعتمدة فى الأساس على غذائه وهى الفترة التى يمكن فيها التدخل لإصلاح أمراض سوء التغذية وهى التى يجب فيها متابعة وزن وطول الطفل وتوعية الأسرة بأهمية الغذاء السليم بشكل دورى والاستثمار فيه هام، حيث إن الطفل إذا تخطى عامه الرابع يصبح إصلاح ما فسد شبه مستحيل.
الأسرة المصرية كانت وما زالت فقيرة، والقدرة المالية لها ما زالت ضعيفة، لكن أضف إلى الفقر تغييرا خطيرا فى الثقافة الغذائية سببها إلى جانب الفقر استبدال الغذاء المصرى التقليدى من بقول وخضراوات والأرز بكميات كبيرة من الكيك والبطاطس المحمرة والعصائر المصنعة كلها عالية الطاقة بما فيها من سكريات والنشويات المشبعة المليئة بالمواد الحافظة والألوان والطعم الصناعى والتى أصبحت أكلا يوميا لكل طبقات المجتمع ووجدت فيها الأسرة المصرية مع كثرة عدد الأطفال وقلة الموارد مخرجا لسد جوع بطون أبنائها.
النتيجة أننا بالرغم من تغلبنا على جوع البطون بشكل جزئى فإن خلايا أجسام أطفالنا جائعة للبروتين والحديد والزنك والفيتامينات وعقولهم محرومة من الغذاء الذى يستحقونه. ويظل الفقراء أسيرى فقرهم، حيث أبناؤهم محرومون من فرصهم العادلة فى نمو أذهانهم ومقاومة جهازهم المناعى للأمراض وقدرتهم على الإنتاج والإبداع.
إلى أن ندرك أن الاستثمار فى التغذية هو استثمار اقتصادى وتنموى لا يقل فى أهميته عن بناء المجتمعات الجديدة والطرق والكبارى وأن حتى بناء المصانع والمدارس لن يأتى بنتائج اقتصادية وتنموية كافية إلا إذا بنينا الإنسان المصرى منذ كونه نطفة فى رحم أمه فلن نرى مصر كما نحلم وكما تستحق أن تكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.