البشري: الثورة نجحت في تشكيل تنظيم سياسي شعبي قوي ومؤثر لمدة 30 عاما.. ومصرية الجهاز الإداري للدولة أعاقت الإنجليز الشلق: الثورة مرت بثلاث موجات قبل انفجارها في مارس.. وفكرة التوكيلات وراءها مصريون مثقفون تلقوا تعليما جيدا قال المؤرخ المستشار طارق البشري إن مصر مرت ب 5 ثورات خلال تاريخها الحديث الذي بدأ مع حكم محمد علي في عام 1805، كانت منها ثورة 1919، معتبرًا أنها اختلفت عن باقي الثورات، في أنها الثورة الوحيدة التي حدث بها حراك شعبي لم تهيمن الدولة عليه فيما بعد، ونشأ عنه تشكيل تنظيم سياسي يمثل عينة تلقائية من الشعب المصري، هو حزب الوفد، الذي استطاع الترعرع والانتشار بعيدا عن أجهزة الدولة، واستمر حيا ومؤثرا على المستوى الرسمي والمجتمعي لأكثر من 30 عاما، حتى قامت ثورة 1952. وأضاف البشري خلال كلمته بندوة «ثورة 1919.. وصف وتقييم» والتي أقيمت، أمس السبت، بمجمع اللغة العربية بالقاهرة؛ بمناسبة مرور 100عام على الثورة، أن محمد علي أول من أسس جهاز دولة مصري مكون من المصريين، بعد أن استبعد العنصر المملوكي، ومن ثم عندما احتل الإنجليز مصر في عام 1882 كان يوجد بها جهاز إداري عفي وحديث، ورغم هزيمة العرابيين، الذين كانوا جزءا من الدولة، تدخلت إنجلترا في مصر باستدعاء من الخديو وليس كمستعمرين، واستمر الجهاز الإداري المصري هو ذراع الاحتلال في إدارة شئون الحكم، فلم ينشأ جهاز بريطاني للإدارة، ولم يستطع الإنجليز تحريك هذا الجهاز ضد الثورة، بل اعترفوا باستحالة إدارة شئون البلاد في وجوده نظرا لإضراب الموظفين والعاملين بمختلف الهيئات. وتابع بأنه الثورات المصرية اتسمت بأنها تبدأ بانتفاضة شعبية ثم استجابة من داخل جهاز الدولة، ثم الاستقرار على وضع معين. وفي حديثه عن تكوين «الوفد»، أكد البشري أن هذا الحزب يعد أول تنظيم سياسي شعبي استطاع اختراق القرية المصرية، باستثناء الطرق الصوفية التي استطاعت ذلك أيضا، وذلك لأنه تكون بطريقة أهلية وليست سلطوية سياسية، وساعده في ذلك الزعيم سعد زغلول الذي تكونت شخصيته الجامعة المعبرة عن "التيار الأساسي للشعب المصري" من نشأته في القرية ودراسته في الأزهر وفي كلية الحقوق الفرنسية، وجلوسه في صالونات الباشوات، لذلك جمع في تكوينه مزيج من كل ألوان الشعب، استطاع من خلاله مخاطبة الجماهير بمختلف فئاتها. وأشار إلى أن سعد زغلول استطاع أن ينظم استفتاء شعبيا ناجحا، من خلال التوكيلات الشعبية، بعيدًا عن نظام الدولة الذي كان يحتكر الانتخابات والاستفتاءات الشعبية، مؤكدا أن أهم خطوة حدثت بعد الثورة هي اعتراف الإنجليز باستقلال مصر، وأنه لا نستطيع الحكم على ثورة 19 بالنجاح أو الفشل الكامل، لأنها استمرت حتى عام 1952، وأنه «إذا لم تفعل الثورة شيئًا سوى إنجاب ظهير شعبي قوي هو حزب الوفد، فهذا خير ويكفي» لافتا إلى الدور الذي استمر يلعبه حزب الوفد في الحياة السياسية رغم حل برلماناته وحكوماته، ورغم عدم مشاركته في كتابة دستور 1923. ومن جانبه قال أحمد زكريا الشلق، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، وعضو المجمع، إن ثورة 19 لم تنشب في عام 1919 فقط؛ بل إنها تكونت مع نهايات القرن ال19 ومرت بثلاثة موجات لتنفجر في مارس 1919، مضيفًا أن «الموجة الأولى للثورة كانت من خلال الجيل الذي عاصر انكسار عرابي، ولم يستطع المقاومة مرة أخرى، وبدأت الموجة الثانية مع بدايات القرن العشرين، مع ظهور جيل جديد يكافح من خلال الأحزاب كحزبي الوطني والأمة». وأشار الشلق إلى أن الحزب الوطني كان يطالب بالاستقلال وكان «ريدكاليًا» في مطالبه، على عكس حزب الأمة «حزب الواقعية السياسية» الذي كان يطالب بإعداد الشعب وتجهيزه حتى يستطيع تحقيق الاستقلال بشكل تدريجي، مؤكدًا أن الموجة الثالثة من الثورة كانت بعد ظهور جيل جديد نال تعليما جيدا، أغلبه من دارسي القانون، كانت أدواته في الكفاح «سلمية» من خلال الصحف والمظاهرات وبعض الجماعات السرية، ما ساعد في يقظة الوعي القومي والروح الوطنية المصرية التي تجلت في ثورة 19 مع رفع شعار الاستقلال والدستور. واستطرد أستاذ التاريخ المعاصر في شرح حالة مصر مع بدايات الحرب العالمية الأولى وإعلان الحماية البريطانية عليها في عام 1914، وخلع الخديو عباس حلمي الثاني، وإعلان السلطنة المصرية، مشيرًا إلى مصر في ذلك التوقيت أصبحت مليئة بوحدات جيوش الإمبراطورية البريطانية. وعن فكرة جمع التوكيلات من أجل سفر «الوفد» إلى لندن لعرض قضية استقلال مصر، أكد الشلق الفكرة لم تكن ملكًا لشخصا واحدا، ولكنها خرجت من عقول كل من انشغلوا بالحركة الوطنية، مشيرًا إلى أن المطابع توقفت، في هذه الفترة، عن الإنتاج التجاري وتحركت لطبع التوكيلات التي وصلت إلى السطات البريطانية في زكائب. ويرى الشلق أن سعد زغلول كانت لديه «كاريزما» وقدرة على مخاطبة الجماهير، لكنه بشر أصاب وأخطأ، وكان يتمنى أن يخرج أي إنجاز من تحت يديه، ودلل على ذلك بأن «سعد باشا استخدم دستور 1923 في الوصول للسلطة عبر الانتخابات بالرغم من مهاجمته له». وأكد أن المظاهرات بدأت في مارس 1919 بتظاهرات الطلاب، وبعدما رأى الموظفون الشباب، تحركوا وأضربوا عن العمل، وهز ذلك عرش بريطانيا؛ بعدما تعطلت الدولة وأصبحت بريطانيا غير قادرة على تسير أمور الشعب، مشيرًا إلى النشاط السياسي حل مكان النشاط الثوري في عام 1924.