فكرة رائعة تلك التي أطلقها الدكتور أسامة الغزالي حرب في الزميلة الكبيرة «الأهرام» لماذا لا نحتفل باليوبيل الذهبي لثورة 1919 بعد خمسة أعوام؟! قال الدكتور أسامة ردا علي زميله الدكتور وحيد عبدالمجيد بأن ثورة 19 هي الثورة الأم لمصر المعاصرة لأنها الثورة التي انبثقت عنها الأمة المصرية في إطار مفهوم الدولة القومية الحديثة وأدت في النهاية الي إرغام الإنجليز علي الاعتراف باستقلال مصر عام 1922، لذا قام دستور 1923. وأكد الدكتور أسامة، ضرورة وضع الزعيم الكبير سعد زغلول بما يستحق من مكانة والتعامل مع تاريخه وصفاته بقدر كبير من الحرص والدقة.. ودعا في النهاية لضرورة الاحتفال بمئوية أول ثورة رسمت الطريق لمصر - ليس حزب الوفد وحده بل كل القوي السياسية لتشترك في الاحتفال باعتباره يهم مصر كلها - انتهي كلام الأخ أسامة الغزالي حرب.
ما أشبه الليلة بالبارحة التاريخ يعيد نفسه تماما عندما طلب الرئيس «السيسي» من المخلوع «مرسي» إجراء استفتاء علي بقائه رئيسا ورفض لجأ «السيسي» الي الشعب وقال إنه يريد توكيلا من الشعب.. لن يعمل من تلقاء نفسه.. إنه يريد أن يعمل بتوكيل من الشعب.. فكان يوم 30 يونية 2013 بعد الميلاد.. هذا التاريخ المجيد الذي أعطي «السيسي» توكيلا وأي توكيل.. توكيل بالقلب والجسد لا توكيلا بالقلم والورق. نفس الحكاية عندما سأل رئيس وزراء بريطانيا سعد زغلول: هل أعطاك الشعب المصري توكيلا لكي تتحدث باسمه؟ قام الشعب كله من أسوان الي مرسي مطروح والعريش يكتب توكيلات بل انشغلت كل مطابع مصر بطبع صورة التوكيل وبدأ الناس يوقعون في البيوت وعلي المقاهي وفي الشارع وعلي مكاتب العمل الحكومي وغير الحكومي.. وقعت مصر كلها علي التوكيل لسعد لأن يتكلم باسمها.. هنا شعر الانجليز بخطورة سعد زغلول علي وجودهم بمصر فقرروا نفيه خارج البلاد.. هنا قامت ثورة 1919.
نفس الحكاية أيضا.. ثورة 1919 لم يدع اليها أحد ولم ينظمها أحد.. الناس حدث لهم ما يشبه الجنون خوفا علي حياة سعد في المنفي فثاروا وبدأوا بتحطيم السكك الحديدية ورفع القضبان باعتبار أن انجلترا هي التي أدخلت وسيلة الانتقال هذه قبل كل العالم.. وكانت مصلحة السكك الحديدية كلها انجليز حتي انهم أقاموا أقدم نادي كرة قدم في مصر وأفريقيا وهو نادي السكة الحديد داخل الورش. قام الشعب المصري كله من تلقاء نفسه دون أي دعوة.. قام كل الشعب في كل أنحاء مصر دون دعوة أو تنظيم.. خاف الشعب علي سعد زغلول في المنفي.. لقد مات نابليون بونابرت في المنفي. قام الشعب من نفسه حتي إن سعد زغلول أرسل خطابا الي القاهرة يسأل عن قادة هذه الثورة.. ومن الذي دعا لها!!! فكانت الإجابة مفاجأة كبيرة له هزته من الأعماق.. ويقول المؤرخون إن هذه الثورة كانت لها أكبر تأثير وأثر علي شخصية وأفكار وباقي حياة سعد زغلول. نفس الحكاية قولوا لي من دعا لثورة 25 يناير 2011؟! أي حزب أو جماعة أو حتي جريدة أو أي وسيلة إعلام دعت للثورة؟! أبدا قام الشباب من تلقاء نفسه فانضم إليهم الشعب كله.. منه لله الأخ محمد البرادعي الذي خلا بنا وتركنا وانضم للأعداء.. مجرد عودته الي مصر وإعلان ترشيح مجرد ترشيح نفسه ضد مبارك حرك المياه الراكدة وكانت التليفونات تنهال علي قنوات التليفزيون يصرخون «نحن معك لا تتركنا».. لقد خسر كثيرا البرادعي وأنهي حياته بطريقة مؤسفة.. ولكن المهم أن الشعب كان قد وصل الي ذروة الثورة الداخلية التي تريد أن تنطلق.. فكانت ثورة 25 يناير.. تماما مثل ثورة 19.
ليس هذا فقط كانت شفافية سعد زغلول وزهده في المناصب والمال والجاه.. هو نفس شفافية «الفريق» السيسي وزهده في المناصب والمال والجاه.. وعلم الإنجليز بذلك فلم يعرضوا منصب ملك البلاد علي سعد زغلول وعرضوه علي محمود سليمان باشا والد السياسي الكبير محمد محمود باشا رئيس الوزراء أكثر من مرة ولكنه رفض.. لذا كان محمد محمود يقول دائما: أنا ابن من عرضوا عليه الملك فرفض!! وعلي «الوفد» أن يبدأ من الآن في تنفيذ الفكرة الرائعة للزميل أسامة الغزالي حرب.. لأن خمس سنوات ليست طويلة للتجهيز لسنوية تليق بمصر كلها.. في البداية يجب تكوين لجنة عليا تتفرع منها لجان للبحث والتنقيب عن آثار ومنجزات ثورة 1919 والتفكير في أسماء المدعوين من كل أنحاء العالم وإقامة مباراة دولية كبري طرفها النادي الأهلي الذي رأس سعد زغلول أول جمعية عمومية له.. وإقامة سرادق ضخم كبير جدا ليخطب كل رؤساء العالم وبعض الزعماء.. وحفلات فنية، ودعوة لزعماء العالم لسهرة وعشاء في بيت الأمة.. الأفكار كثيرة جدا ولكن المهم البدء من الآن في العمل.. مجرد تشكيل اللجنة العليا واللجان الفرعية سيستغرق شهورا!! ثم وضع البرامج والبحث عن المخطوطات القديمة وغير ذلك.. لا تكونوا مثل الأندية الكبري التي احتفلت بمئويتها في آخر لحظة.. فشلت أيما فشل.. والله الموفق.