تصفيات كأس العالم – بوركينا فاسو تنتصر وتنتظر نتائج المنافسين لحسم مقعد الملحق    الخامس.. غانا تفوز على جزر القمر وتتأهل إلى كأس العالم    بلال مظهر يسجل أول أهدافه ويقود رديف أولمبياكوس للفوز على كاليثيا    منتخب مصر يهزم غينيا بيساو بهدف نظيف في تصفيات كأس العالم    ترامب: الصراع في غزة انتهى والإدارة الجديدة ستباشر عملها قريبًا    استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال في مدينة خان يونس    بعد تجاوزات إثيوبيا غير القانونية.. مصر تكشر عن أنيابها في أزمة سد النهضة.. متخصصون: ندافع عن حقوقنا التاريخية في نهر النيل والأمن المائي خط أحمر    الأولى على القسم الجامعي "تمريض": التحاقي بالقوات المسلحة حلم الطفولة وهدية لوالدي    رئيس الوزراء البريطانى يصل إلى شرم الشيخ للمشاركة فى قمة شرم الشيخ للسلام    فرنسا تُعلن تشكيل حكومة جديدة برئاسة لوكورنو لتجاوز الأزمة السياسية    منتخب مصر ينتصر على غينيا بيساو بهدف نظيف في تصفيات كأس العالم 2026    عبد الظاهر السقا: تنظيم أكثر من رائع لاحتفال المنتخب بالتأهل لكأس العالم    بوركينا فاسو تختتم التصفيات بفوز ثمين في ختام مشوار إفريقيا نحو المونديال    نائب محافظ قنا يتفقد عددًا من الوحدات الصحية لمتابعة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين    ترامب: الحرب في غزة انتهت ووقف إطلاق النار سيصمد    خبير تربوي يضع خطة لمعالجة ظاهرة العنف داخل المدارس    حبس رجل أعمال متهم بغسل 50 مليون جنيه في تجارة غير مشروعة    القائمة الكاملة لأسعار برامج حج الطبقات البسيطة ومحدودي الدخل    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    إعلام عبري: إطلاق سراح الرهائن من غزة بداية من الساعة 8 غدا على دفعتين    زيلينسكي: بحثت مع ترمب تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك وأنظمة باتريوت    باحث فلسطينى: زيارة ترامب لمصر محطة مفصلية لإحياء مسار السلام    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    البنك المركزي يقبل سيولة بقيمة 125.6 مليار جنيه في عطاء أذون الخزانة اليوم    وزير الصحة يلتقي الرئيس التنفيذي لمعهد WifOR الألماني لبحث اقتصاديات الصحة    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    نوفمر المقبل.. أولى جلسات استئناف "سفاح المعمورة" على حكم إعدامه    ابن النادي" يتصدر تريند "إكس" بعد تصاعد الأحداث المثيرة في الحلقات الثالثة والرابعة (صور)    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    خاص للفجر.. يوسف عمر يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل فيلمه الجديد مع أحمد عز    بعد مصرع الطفل " رشدي".. مديرة الامراض المشتركة تكشف اساليب مقاومة الكلاب الحرة في قنا    محافظ القليوبية يقود حملة مفاجئة لإزالة الإشغالات بمدخل بنها    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    الضرائب: الفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني شرط أساسي لإثبات التكاليف ورد ضريبة القيمة المضافة    وزارة الصحة: 70% من المصابين بالتهاب المفاصل عالميا يتجاوز عمرهم ال55 عاما    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مشروع الفستان الأحمر    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن «الإنسان» .. الذي اختفى
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 10 - 2018

هذا مقال ليس بوسع كاتبه أن يستبق تحقيقات تجرى، أو ربما لا تجرى أبدا. كما أنه يحاول ألا ينجرف إلى هاوية استقطاب صفري مرير ضاعت معه ليس فقط إنسانية المعلقين، والمعنيين، والمُصرحين، بل ضاع معه كل منطق.
اختُطف أم قُتل؟
قُتل أم لم يُقتل؟
عمدا، مع سبق «الاستدراج» والإصرار والترصد (كما يقول التعبير القانوني) أم خطأ بعد أن فشلت عملية تخديره (كما تقول تقارير استخباراتية غربية)؟
مُثل بجثته (كما سمعنا من البعض)، أم كُرمت (كما يقضي ديننا الحنيف)؟
من المسؤول عن «الجريمة»؟
حتى كتابة هذه السطور، لم يتأكد (بالدليل القاطع) أىٌّ من ذلك كله. ولكنها تبقى الإجابات في النهاية، أيا ما كانت في باب التفاصيل.
لم ينجح الصخبُ المتعمد حول ما لم يتأكد إخفاءَ ما تأكد: هناك إنسان اختفى. ليس في قفار بادية، ولا محيط متلاطم، بل بعد أن دخل قنصلية بلاده في مدينة أوروبية إسلامية كبرى في وضح النهار في يوم من أيام العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. حيث لا شيء يختفي هكذا، ولا الحقيقة مهما كان ركام البيانات الرسمية.. والأكاذيب.
غاب المنطق عن كثير من الجدل الذي بات عقيما (ولا إنسانيا)، وحضرت ألاعيب السياسة؛ تصفية للحسابات، أو بحثا عن صفقات. ولكن وسط كل هذا الضجيج حول ماذا جرى، ومن فعلها. وهي أسئلة مشروعة وضرورية بلا شك. بقيت الحقيقة «المرة» التي لا جدال حولها، والتي أخشى أنها ضاعت وسط كل هذا الصخب:
1 أن هذا «كاتبٌ» كان يحمل قلما لا قنبلة.
2 أن هذا «إنسانٌ» قُتل أو على الأقل اختفى دون أثر.
وفي الحقيقتين ما لا يصح «أخلاقيا» أن نتجاهله، مهما كانت حساباتنا أو انحيازاتنا المسبقة.
وأحسب أن مما لا يحتاج «البشر» أن نذكرهم به: أن لك أن تتفق أو تختلف مع سياسات هذا النظام أو ذاك، ولك أن تتفق أو تختلف مع آراء هذا الكاتب أو ذاك، ولكنك قطعا، «كإنسان»، لن ترضى بأن يختفي هذا «الإنسان» أو ذاك.
عن «الإنسان» الذي اختفى، أكتب.
***
في تاريخنا العربي (الحديث، كما القديم)، والمتميز بوحشية أنظمته وأجهزته الأمنية هناك دائما متشابهات (ومفارقات). اختفى موسى الصدر (الإمام)، ومنصور الكخيا (الوزير)، وراج أن أصابع القذافي وأجهزته كانت في الإناء. وأن ذلك، وغيره لم يتم إلا تحت رعاية (الأخ العقيد) الذي كانت «الألسنة الحداد» لخلافه مع الأسرة المالكة السعودية من العلامات المميزة لتاريخ نظامنا العربي (التقدمي/ الرجعي) في عقود ما بعد التحرر الوطني التي اكتشفنا فيها بالتجربة المؤلمة والدموية أن «هذا واقعيا لم يختلف فيها عن ذاك». فكلنا في الهم شرق، مهما تباينت النظم «واللافتات». وكلنا أوفياء، لا لعمر، الذي نام تحت الشجرة، أو الذي حاججته امرأة وهو أمير المؤمنين؛ «بلا وجل ولا خوف»، بل للحجاج الذي أجلس الناس، وكأن على رءوسهم الطير ليسمعهم: «أرى رءوسا قد أينعت، وحان أوان قطافها». هل كان أوان رأسك قد حان يا جمال؟ وهل هناك من تأله ليحدد بنفسه (التي لا يملكها أصلا) هذا الميعاد؟ الله وحده يملك الإجابة.
***
عرفت جمال خاشقجي قليلا. واختلفت معه كثيرا.
أخذت على جمال رهانه على إصلاح بن سلمان. وعلى صلاح الإخوان المسلمين. فلا إصلاح بن سلمان حقيقي، مادامت قد غابت عنه المؤسسية وحكم القانون «المجرد»، ولا صلاح الإخوان المسلمين سياسي، مادامت قد بقيت عقيدتهم هرمية فوقية تقوم على بيعة السمع والطاعة.
وأخذت على جمال يقينه الطوباوي أن بإمكانه أن يبني وسيلة إعلامية مستقلة، وحرة. في زمن عربي استقطابي استدعى من القبيلة أسوأ ما فيها؛ «عصبيتها، وعنصريتها». فكان أن توقفت قناته بعد يوم واحد من البث وعام كامل من الإعداد.
بتفاؤله الطفولي، جاب جمال يومها بلدان الجوار ظنا منه أن أحدها يتحمل استقلاله، فخذله أردوغان، وخذله رأس مال «صديق» هو بحكم قوانين رأس المال، يعرف كيف يتراجع خطوتين إلى بر الأمان، حين تعلو أمواج المخاطرة.
كان جمال طوباويا مثاليا، وطفلا جميلا بريئا.
لم ألتق الرجل غير مرة واحدة، وإن لم تخني الذاكرة فأظنها كانت على الساحل الإماراتي للخليج، وقت أن كان الخليج «العربي» واحدا، أو كنا نظن. كان أمام تشاؤمي متفائلا. وبدا أمامي كعادته، يضع ثقته «متفائلا» في غير محلها. بالضبط، كما فعل حين خطا خطوته الأخيرة «وحيدا» نحو باب قنصلية بلاده في ذلك اليوم الملبد بالخيانة.
«كلهم قتلوك يا جمال»، ثم وقفوا كما في حكايا شكسبير يتبادلون الاتهامات.
كلهم قتلوك؛ بالسلاح، أو بالصمت، أو متاجرة إعلامية بقضيتك، أو بمقايضة دمائك على طاولة صفقات سياسية، أو اقتصادية قذرة.
بعض من يعرف يقينا ما جرى لك (بحكم موقعه، أو بحكم المنطق) لم ينطق. والبعض الآخر لم يتردد في أن يكذب.
أعرف شخصيا عشرات ممن صمتوا (أو أجبروا واقعيا على ذلك) على الرغم من أن في فمهم ماء. وأعرف شخصيا من كذبوا (أو أجبروا واقعيا على ذلك) على الرغم من أنهم يعرفون الحقيقة.
وأتذكر أن جمال لا غيره لطالما كان يعذر هؤلاء.
كلهم خانوك يا جمال، إلا جريدتك تلك (التي تنتمي للأسف لعالم غير عالمنا) والتي تعرف معنى أن يقتل صاحب قلم لا لشيء إلا بسبب آرائه.
***
كأنها سطور في دراما / تراجيديا إغريقية. خسر خاشقجي عائلته، بعد أن اضطر للمنفى. ثم خسر فرصة تكوين عائلة جديدة، بعد أن اضطر للذهاب إلى قنصلية بلاده، لإنهاء الأوراق اللازمة لزواجه. فذهب، ولم يعد.
كان خاشقجي واعيا إلى حقيقة أنه يمثل ما ربما أمكن تسميتهم، في القرن الحادى والعشرين «بعرب الشتات». أولئك الذين اضطروا بحثا عن أمانهم، وعن حرية كلمتهم إلى مغادرة أوطانهم وأهاليهم، وشعورهم بالاستقرار والأمان.
عاش جمال حياة صحافية وسياسية ثرية وخطرة. حملته من جبال أفغانستان الوعرة، إلى دهاليز القصور المتقاطعة الحسابات. ومن رئاسة تحرير لصحف كبرى في بلاده، إلى كاتب رأي في صحيفة عالمية كبرى. وفي كل محطة صحفية له، كان في حبر قلمه ما أغضب هذا أو ذاك.
ثم كان أن مات الرجل (أو هكذا يُعتقد)، ليس في أرض المعركة التي عاصر أوارها في أفغانستان، ولا في واشنطن التي اختارها منفى «إجباريا» لم يكن أمامه غيره، بل في إسطنبول حيث لا مكان لحرية الصحافة، أو لقلم يخرج عن طوع السلطان. كأنها رسالة ربانية: «كلنا في الهم مسلمون، أو عرب». ولا فارق بين خليفة أو سلطان أو أمير أو زعيم مفدى أو ملك.
كان جمال ليبراليا، ولذا كرهه المتشددون الذين يَرَوْن الدنيا من منظار واحد، والذين لم يطيقوا «انفتاحه»، فأقصوه عن رئاسة التحرير مرتين لاتهامه بمناوأة أفكارهم، إلا أنهم، سرعان ما شرعنوا لما سمى «انفتاحا»، عندما جاءت تعليماته من القصر. فقهاءُ الحاكم المتغلب هم، وأبواقه الذين يدعون على المنابر لعلي في الصباح ثم لمعاوية آخر الليل، إذا ما تأكدوا أنه الخليفة.
كليبرالي «حقيقي» لم يتردد جمال يوما في الدفاع عن من أخذته منهم غضبة القصر. ثم كان أن عشنا لنرى ليبراليين آخرين (أو يقولون إنهم كذلك) يغضون الطرف هكذا عن مأساة ما جرى له.
من عرف جمال، أو قرأ له، يعرف أنه لم يكن معارضا بالتعبير الاصطلاحي للمعارض السياسي، لكنه كان صحفيا مستقلا، أو يحاول أن يكون كذلك في منطقة لا تعرف للصحافة أن تكون مستقلة، بل أن تكون بوقا للحاكم، كما كان الحال عبر أربعة عشر قرنا من الدعاء للحاكم، أيا من كان الحاكم من على منابر المساجد. وظيفة الخطباء القديمة تلك التي ورثها الإعلاميون.
لم يكن جمال معارضا بل كان مستقلا، حاول الإصلاح «من الداخل» قبل أن تجبره «الاستحالة» إلى المنفى الذي قد يسميه البعض اصطلاحا «اختياريا» في حين نعرف جميعا أنه بحكم الواقع «إجباري».
وعلى الرغم من وقوفه، «كإنسان» ضد الجور على حقوقهم (كمواطنين وبشر) لم يكن جمال «إخوانيا»، كما هو التوصيف الذي يريدون له أن يكون «تهمة» يلصقونها هكذا بهذا أو ذاك. بل يعرف من قرأه دعوته الواضحة لعودة الإخوان إلى «ثكنات الدعوة»، واعتزال السياسة «التي كانت ممارستهم لها كارثية» كما كتب، ناصحا: ليتهم يرفعون شعار «الديمقراطية هي الحل» مثلما رفعوا يوما شعار «الإسلام هو الحل»
***
ذهب جمال إذن، إلى حيث لا نعرف (حتى الآن على الأقل)، فأين ستذهب قضيته؛ «كرة الثلج» التي تكبر كل يوم؟
أخشى ألا تستقر في النهاية في ساحة العدل «النقية» التي يرجوها المتفائلون.
فالبعض يراهن على الوقت والنسيان.
والبعض يراهن على «محفظته».
وفي هذا العالم الميكيافيلي / الترامبي يحكم النفوذ والمال المعادلة.
سيعود القس برانسون إلى بيته. وستتحسن الأزمة الاقتصادية في تركيا. وسيدفع السعوديون كل ما يطلبه ترامب، الذي لم يخف أبدا نواياه ولا نهمه لثرواتهم. وستظل السيدة «كارين عطية»؛ محررة الواشنطن بوست تذرف دموعها الصادقة كلما تذكرت أن كاتبا لا يحمل غير قلمه دفع وحده ثمن كل ذلك.
«هل ستتراجع أهمية تحقيق مصالح شركات النفط والأسلحة وتحل محلها أولوية حقوق الإنسان؟» يتساءل جمال حزينا فى مقال مؤثر كتبه قبل أشهر في «رصيف 22». وأخشى أن يؤكد ماجرى له الإجابة التي حذرنا منها في مقاله.
يذكرنا جمال بصورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يحتفي بالرئيس الأذري (الديكتاتور) إلهام علييف والتي تشرح «كيف تقهر المصالح والبراجماتية قضايا حقوق الإنسان بغض النظر عن عدالتها». إنها المصالح التي «تجعل أردوغان يهتم بحقوق الإنسان هنا ويتجاهلها هناك». يذكرنا جمال (المتهم بأردوغانيته) مردفا: أنها «ذات المصالح التي تجعل آلافا، بل ملايين اللاجئين العرب، الذين لم يجدوا لهم مأوى غير تركيا، يصفقون كل يوم لأردوغان، غير معنيين بنحو خمسين ألف تركى معتقل منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة.
تعلم جمال الدرس. ولكن، كما «يشقى ذو العقل بعقله»، كذلك ذوو المبادئ والضمائر الحية. الذين لا يطيقون الظلم، مهما كان المبرر. والذين يؤمنون بأن «المبادئ لا تتجزأ».
***
وبعد..
فلولا أقلام حرة في صحافة حرة، تدفع أصحاب القرار قسرا إلى اتخاذ ما يلزم نحو إقرار العدالة «والإنسانية»، أخشى أن لا تذهب أزمة ما جرى مع جمال خاشقجي، على الرغم من مأساويتها إلى أبعد كثيرا مما ذهبت إليه أزمة ما جرى مع سعد الحريرى قبل نحو العام. فالحسابات أكبر وأكثر تعقيدا مما يتصور أولئك المثاليون، الذين يفكرون بالطريقة ذاتها التي كان يفكر بها جمال. فميكيافيللي لم يمت، بل جمال هو الذي ربما مات. وما تحت الطاولة من أوراق «وصفقات» أكثر بكثير مما فوقها. كل العزاء للرجل / الإنسان، ولطوباويته، ولما كان يمثل من قيم.
لمتابعة الكاتب:
twitter: @a_sayyad
Facebook: AymanAlSayyad.Page
روابط ذات صلة:
الملك (الشروق: 12 نوفمبر 2017)
الكتابة في الزمن الصفري (افتتاحية الاتحاد: 26 أكتوبر 2017)
مما كتب جمال خاشقجي:
تحاشوا السجن ما استطعتم .. عن الحرية والسجن والاكتئاب
أنا سعودي ولكن مختلف
السعودية لم تكن قمعية الى هذا الحد. حاليا غير محتملة
أيها الإخوان ما لكم والسياسة؟
الصور:
1 جمال وأسرته
2 صفحة الواشنطن بوست التي تركت فيها عمود الكاتب فارغا
3- «قل كلمتك .. وامش» صفحة خاشقجي علي تويتر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.