عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب تنخفض 1200 للجنيه اليوم الأربعاء 25 يونيو بالصاغة    إعلان النتيجة النهائية لعضوية مجلس إدارة البورصة    مي عبد الحميد: الدولة تدفع منحة لا ترد تصل إلى 120 ألف جنيه في شقق الإسكان الاجتماعي    344 صوتا مقابل 79، تصويت في مجلس النواب الأمريكي على تحرك لعزل ترامب بسبب إيران    دول "بريكس" تدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    مندوب إيران بالأمم المتحدة: لن نتخلى عن برنامجنا النووي.. وإسرائيل وأمريكا خالفتا القانون الدولي    كتائب القسام تُعلن مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال في كمين بخان يونس    روسيا: واشنطن وتل أبيب تنتهكان معاهدة حظر الانتشار النووي وحق طهران في الطاقة النووية السلمية    موعد مباراة الوداد ضد العين في كأس العالم للأندية 2025 والقنوات الناقلة 2025    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    مواعيد مباريات كأس العالم للأندية اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025 والقنوات الناقلة    أول صورة للأب المتهم بإنهاء حياة طفليه "ذبحا" في المنوفية    تصدرت تريند السوشيال ميديا، قصة صورة أعادت الفنانة عبلة كامل إلى الأضواء    «واخدلي بالك» على مسرح قصر ثقافة العريش    «عمتي حبيبتي».. ظهور نادر ل عبلة كامل يثير الجدل على السوشيال ميديا    النواب الأمريكي: الأعضاء سيتلقون إحاطة سرية بشأن الوضع في إيران الجمعة المقبلة    واشنطن تفتح سفارتها في القدس اليوم مع انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران    حملات مسائية وفجرية على المخابز البلدية والمنافذ التموينية بالإسكندرية    الدولار ب50 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 25-5-2025    طقس اليوم الأربعاء.. تحذير من ارتفاع الحرارة والرطوبة    مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: إيران حاولت صنع قنبلة نووية ومن السابق لأوانه تأكيد تدمير مواقعها النووية    السيطرة على حريق سيارة نقل محمّلة بالتبن بالفيوم دون إصابات    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام استقلال الدول وسيادتها    خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة.. وكان يحب مكة    طريقة عمل الزلابية الهشة في البيت أوفر وألذ    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    مهيب عبد الهادي ل محمد شريف: «انت خلصت كل حاجة مع الزمالك».. ورد مفاجئ من اللاعب    جدول ترتيب مجموعة الترجي في كأس العالم للأندية قبل مباريات اليوم    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    مُعلم يصنع التاريخ.. جراى نجم أوكلاند الأفضل فى مواجهة بوكا جونيورز    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    عصام سالم: الأهلي صرف فلوس كتير وودع المونديال مبكرًا    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    حسام بدراوي: أرفع القبعة لوزير المالية على شجاعته.. المنظومة تعاني من بيروقراطية مرعبة    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    اقتراب الأسهم الأمريكية من أعلى مستوياتها وتراجع أسعار النفط    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    حفل غنائي ناجح للنجم تامر عاشور فى مهرجان موازين بالمغرب    التسرع سيأتي بنتائج عكسية.. برج الجدي اليوم 25 يونيو    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    ميل عقار من 9 طوابق في المنتزة بالإسكندرية.. وتحرك عاجل من الحي    كان بيعوم.. مصرع طالب ثانوي غرقا بنهر النيل في حلوان    سعر الزيت والدقيق والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شركات التيفود
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 09 - 2009

يأتى فى أزمنة القذارة، ومن أوساط القذارة، لهذا يتمتع بقدرة غير عادية على المراوغة، وعلى الإفساد لنشر المزيد من الفساد، فميكروب التيفود، المكون من بكتيريا سالمونيلا التيفود عصوية الشكل، وبعد أن يتسلل إلى الجهاز الهضمى للإنسان ويصل إلى الأمعاء الدقيقة، يسارع باختراق جدران هذه الأمعاء عبر النقاط الرخوة المؤدية إلى القنوات والغدد الليمفاوية المحيطة، ومنها يرتحل حتى يصل إلى تيار الدم ناشرا فيه تلوثه. ولأن عُصيّاته البكتيرية ذات أهداب تشبه السياط تمكنه من الحركة، فإنه لا يتوانى عن أخبث أنواع الحركة!
تسعى عُصيات التيفود إلى مخابئ الكبد والطحال ونخاع العظام لتتكاثر وتحتشد متأهبة لضربتها الكبيرة التالية، لكن الجهاز المناعى يواجهها بطلائع مقاومته، يطلق عليها سيلا من الخلايا البالعة الكبيرة، لتلتهمها وتدمرها وتهضمها فى النهاية. لكن شيئا غريبا مُريبا يحدث. فعصيات بكتيريا التيفود بدلا من مواجهة الخلايا البالعة، تسارع بالقفز إلى داخلها كأنها تنتظر هذا البلع وتُرحِّب به. وبدهاء خبيث كما كل الفَسدَة والمفسدين، تحوِّر بكتيريا التيفود نفسها، فلا تتعرض للتدمير ولا للهضم فى جوف الخلايا البالعة، ربما بسبب الخداع، وربما لسبب آخر أشبه ما يكون بالرشوة أو التواطؤ، فالخلايا البالعة بدلا من أن تكون حامية للجسد ضد الميكروب، تتحول إلى حامية للميكروب ضد الجسد، وتصير بمثابة عربات مصفحة يتحرك فى جوفها التيفود، آمنا من أى هجوم مضاد لمكونات الجهاز المناعى الأخرى التى لم تنخدع، أو ترتشى، أو تتواطأ.
بقواه الحاشدة الغالبة المستجدة، يوجِّه التيفود ضرباته لأعضاء غير مُتوقَعة كالكلى والقصبات الهوائية، كما يعاود الهجوم ويركزه على الأمعاء الدقيقة، ينخرها ويُقرِّحها ويُدميها ويثقبها ليصل بتلوثه إلى الغشاء البريتونى، فتكون القاضية أو شبه القاضية . وإن لم يتحقق للتيفود مبتغاه فى هذه الدورة، فإنه يبحث عن دورات أخرى، يبدأها من داخل هذا الجسد المُمانِع المُعافىَ حامل الميكروب، ويبثها فى أجساد أخرى تتلقى رسائله الملغومة بالعدوى، وفى هذا الطور البليد العنيد، تكون الحوصلة المرارية هى قلعة التيفود الرسمية الحصينة وبؤرة استمرار أذاه. بها يتحصن، ومنها يواصل نشر العدوى، فيستمر الوباء. وباء القذارة!
وهى ليست القذارة بمعناها العضوى فقط، بل أيضا بكل المعانى السياسية والاجتماعية والحضارية، وهذا مما ارتبط دائما بوباء التيفود ونوبات اجتياحه، خاصة فى مصر. ففى أبريل 1862 ظهر مرض التيفود بين العمال المصريين فى ساحة حفر قناة السويس رقم 6، ثم اتخذ المرض شكل الوباء، وانتشر بسرعة فى بقية ساحات الحفر، وفتك بأفواج وراء أفواج من هؤلاء العمال البائسين.
كانت فضيحة أخلاقية ترددت أصداؤها فى أوروبا، واستغلها المعارضون لشق القناة ذريعة للمطالبة بإيقاف المشروع، وحتى تُبعد الشركة الفرنسية عن نفسها مسئولية تفشِّى الوباء، وضع كبير أطباء هذه الشركة تقريرا طبيا مليئا بالمغالطات والأكاذيب ليثبت أن العمال جاءوا بالتيفود من قراهم البعيدة قبل أن يصلوا إلى منطقة القناة.
وكانت الحقائق المخفية وراء هذه الأكاذيب تؤكد أن جريمة متعددة الأركان ظلت تُرتكب فى حق هؤلاء العمال مما أدى لظهور الوباء وانتشاره بينهم، فقد كانوا يُجلَبون من قراهم بالإكراه، مصفّدى الأيادى ومغلولى الأعناق، ويُساقون كالقطعان تحت تهديد السياط والبنادق، وبعد أن تنتهى بهم رحلة السفر الطويلة المريرة إلى ساحات الحفر فى القناة، يُكرَهون على العمل الشاق تحت الشمس الحارقة وفرقعات الكرابيج، ولم يكونوا يتلقون أجرا لقاء هذا العمل، فقد كانوا يعملون بالسُخرة، مقابل كسرة خبز لا تُشبِع وشربة ماء لا تَروى، وبديهى أنه لم تكن هناك حمامات ولا نظافة ولا رعاية طبية، فكان التيفود!
ثم عاد التيفود، عاد بعد 147 سنة، وعادت معه الأكاذيب وكأن الشركة الفرنسية حلت بمكانها شركة أخرى، مصرية وشاملة هذه المرة، حاولت إلقاء مسئولية ظهور الوباء على المصابين أنفسهم، لأنهم يستخدمون الطلمبات «الحبشية» التى تجلب مياها جوفية ملوثة بمياه الصرف، يشربون منها ويطبخون ويغتسلون. وفات مروجى هذه الحجة أنهم بذلك يكشفون عورة الحُكم الفاشل فى توصيل مياه شرب نقية إلى القرى فى مصر القرن الحادى والعشرين. ولعل هناك من أهل الحكم من انتبه لهذه المفارقة الفاضحة، فتم الكشف عن شبكة مياه شرب جديدة بالقرية المنكوبة ومحيطها، نفذتها شركة كُبرى بنظام المقاولات من الباطن، ولم تكن مطابقة للمواصفات، وتسببت فى خلط مياه الشرب بمياه المجارى!
كان المطلوب تطويق الفضيحة بحصرها فى كبش فداء ضعيف، بدأ بالأهالى ضحايا القُرى المصابة، ولما كان ذلك سخيفا وغير معقول، تم ترشيح مقاول الباطن الصغير، لكن يبدو أنه دافع عن نفسه، وحدث ما يحدث عادة فى أجواء الجرائم الكبرى، تبادل الجناة الاتهامات، وراحت تتكشف خبايا فساد أكبر لمنتفعين متعددين، وصار الانطباع الغالب هو أن هناك شبكة من الفساد يتشارك فيها جناة كثيرون. شركة فساد مصرية لا تقل سوءا فى طواياها ونواياها عن شركة الأجنبى الأفّاق ديليسبس.
شركة ديليسبس كانت شركة فرنسية ومدبّرها كان باغيا علينا، لكنه كان وفيا لبلاده وحالما بمجد شخصى يسجل اسمه فى التاريخ بإنجاز ضخم. آذانا ديليسبس بمعاونة أكثر من خديو سفيه، لكنه أفاد بلاده، ونجح مشروعه الذى كان لابد من تأميمه، ولو لمجرد الثأر لمائة ألف شهيد مصرى قضوا قهرا، بالتيفود وغير التيفود، وهم يحفرون القناة. فماذا تفعل شركة ديليسبس المصرى واسعة النفوذ كثيرة الأذرع والذيول وقدرات البطش؟ إنها تحفر وتحفر وتواصل الحفر، فيكشف حفرها الردىء عن فساد تكوينها وأدائها وأهدافها فى أرض تواصل الهبوط ثم الهبوط، فهل يؤدى كل هذا الهبوط، قياسا على ما حدث بعد تيفود شركة ديليسبس، إلى إفلاس جديد لمصر؟ واحتلال من نوع مختلف؟ قطعا لا نتمنى ذلك.
وللتيفود عودة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.