الحمى أو ارتفاع درجة الحرارة على المألوف هو أول خطوط الدفاع التى يلجأ إليها جسم الإنسان ليحمى نفسه من غزو الفيروسات والبكتيريا وأول إعلان عن بدء المقاومة واستنفار الجهاز المناعي لكل أدواته فى الدم والأنسجة، ولأن ارتفاع درجة الحرارة عامل مشترك فى كل الأمراض التى نطلق عليها الحميات نسبة إلى الحمى فإن سرعة التشخيص تعتمد على إدراك السبب الحقيقى المسبب، لها إذ إن الأمراض تتشابه فى أعراضها وعلاقتها المرضية وإن اختلفت جذريا فى مسبباتها وبالتالى طرق علاجها. الحميات المعوية التى تصيب الأمعاء من الأمراض المتوطنة التى تعرفها بلادنا وإن زادت حالاتها فى فصل الصيف فارتبطت به رغم وجودها على مدار العام وأهمها التيفود والباراتيفود بأنواعه. الميكروب المسبب للمرض هو بكتيريا السالمونيلا وهى مجموعة معروفة من أنواع عديدة من البكتيريا التى تصيب الأمعاء، تصيب السالمونيلا الإنسان حينما يتناول طعاما أو شرابا ملوثا بها فيكون من نصيبه إما الإصابة بحمى التيفود أو الباراتيفود التى يعرف منها ثلاثة أنواع أ، ب، ج. حينما يصل الميكروب الشرس إلى الدم تبدأ معركة المناعة وما يتبعها من مظاهر لها كارتفاع درجة الحرارة الشديدة وفقا لضراوة الميكروب وإعداده يشارك الكبد والطحال فى المعركة فينفخهما وتحظى الأمعاء بالقدر الأكبر من الهجوم خاصة الأمعاء الدقيقة منها فتهاجم البكتيريا جدرانها وأوعيتها الليمفاوية فتحدث بها قروحا ينتج عنها نزيف معوى أو التهاب فى غشاء البريتون الذى يحتوى الأمعاء بكاملها. التوازن بين ضراوة الميكروب وكفاءة جهاز المناعة إلى جانب العلاج تحدد مسار المعركة التى قد تسفر عن عواقب وخيمة يعانى منه الإنسان والتى قد تصل إلى تأثر الكلى والقلب أيضا. يعلن المرض عن نفسه فى ثلاث صور مختلفة أحيانا متداخلة النزلة المعوية الحادة حمى التيفود الحادة حمى التيفود المزمنة التى قد تشترك مع الإصابة بالبلهارسيا التى تصيب المجارى البولية أو المستقيم. النزلة المعوية الحادة نتيجة الإصابة ببكتيريا السالمونيلا تضرب الأمعاء بقسوة فإلى جانب ارتفاع درجة الحرارة تتكرر نوبات الإسهال الحادة التى يفقد فيها الإنسان الكثير من الماء الذى يعرضه للجفاف أو الهبوط الحاد فى الدورة الدموية.. كما تتناوب عليه أعراض ارتباك الجهاز الهضمى من غثيان وقىء وإحساس بالهبوط العام. عادة ما يرتكز التشخيص على أبحاث الدم التى تشير إلى ارتفاع نسبة كرات الدم البيضاء إلى جانب المزارع البكتيرية للبراز والدم والتى تشير إلى وجود باكتيريا السالمونيلا. الحمى التيفودية الحادة تتشابه أعراض التيفود مع الباراتيفود بأنواعه وقد درج البعض على الاعتقاد بأن حمى التيفود أبلغ ضررا من الباراتيفود. الواقع أنهما لا يختلفان فى النتيجة فهما متشابهان إلى حد يصعب التمييز بينهما إلا بتحاليل الدم، الأعراض تنبئ بمعاناة الجسد بكامله. صداع قاس. فقدان للشهية وإحساس بالغثيان. نوبات إسهال وإمساك متعاقبة. احتقان وآلام فى الزور. سعال جاف. نزيف من الأنف. يبدو المريض فى حالة من الإعياء لا تخطئها العين وقد تتبدل ملامحه إلى تلك الملامح التى يصفها العلم بالملامح المسمة نتيجة هجوم البكتيريا الضارى وسمومها التى تسرى فى دم المريض وأنسجته. كيف يمكن تشخيص حمى التيفود؟ يعتمد التشخيص على الصورة الإكلينيكة التى يحدثها المرض إلى جانب الفحوص المعملية: 1 صورة كاملة للدم. 2 مزرعة من الدم تظهر فيها باكتيريا السالمونيلا. 3 اختبار فيدال الذى يظهر وجود أجسام مناعية مضادة لبكتيريا السالمونيلا. 4 اختبار ريازو من البول. الوقاية والعلاج تعتمد الوقاية من حمى التيفود على اتباع قواعد النظافة العامة والتى من أهمها الحرص على النظافة الشخصية وتفادى تناول الأطعمة المكشوفة أو التى يحتمل تلوثها خاصة فى موسم الصيف ومع انتشار الحشرات والذباب. إلى جانب مراعاة القواعد الصحية لإعداد الطعام فى البيت: غلى اللبن لفترة طويلة وتقليبه، غسيل الخضراوات النيئة وربما إضافة الخل لدقائق قبل إعدادها وتقطيعها بعيدا عن المكان الذى يستخدم لإعداد اللحم والدجاج. يتوافر أيضا طعام للوقاية من حمى التيفود والباراتيفود يحسن تناوله. قبل بدايات الصيف يتم تحضيره من خليط من بكتيريا السالمونيلا التى يتم تدميرها بالحرارة ويعطى بالحقن تحت الجلد وتنتج عن مناعة قد تقى من الإصابة بالمرض أو تخفيف حدة أعراضه إذا ما قدر للإنسان التعرض لميكروب السالمونيلا بطريقة أو أخرى. علاج التيفود لا يعتمد فقط على المضادات الحيوية المناسبة بعد عزل ميكروب السالمونيلا إنما هو علاج أيضا لما يفقده الإنسان من طاقة فى مقاومة المرض ومواد مهمة وحيوية يفقدها فى نوبات الإسهال والقىء المتكررة. لذا يجب أن يلتزم بالراحة التامة والغذاء الصحى الخفيف الذى يوفر الطاقة بصورة سهلة مثل أنواع الحساء المختلفة والزبادى والعسل والفواكه. والبعد عن أنواع الطعام التى تفقد طاقة الإنسان وتؤدى لمزيد من الإجهاد للجهاز الهضمى والكبد مثل الأطعمة المطهوة بالزبد أو المقلية أو المضاف إليها التوابل الحراقة. الاحتفاظ بالمريض فى غرفة جيدة التهوية ومراعاة عدم اختلاطه بالآخرين طوال فترة مرضه من أهم العوامل التى تساعد على شفائه وتحمى المحيطين به. حمى التيفود لا تصيب الإنسان السليم ليكنها أيضا تضاعف من هموم مريض البلهارسيا بنوعيها «التى تصيب الجهاز البولى أو تصيب الجهاز الهضمى» لذا يجب توقع حدوثها بصورة أكبر لمريض البلهارسيا وعلاجها أمر واجب قد يدفع عن تفاقم مشكلات ومضاعفات قد تودى بحياته. حمى التيفود قضية صحة عامة تستلزم جهدا للتوعية بسبل الوقاية منها ووسائل كافية لعلاج المرضى ورصد الظروف البيئية التى تستشرى فى ظلها.