«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالهادى مصباح يكتب: كيف تدور المعركة بين الجهاز المناعى وفيروس الأنفلونزا؟

لكى نضرب مثلا لكيفية عمل جيش الدفاع الإلهى المسمى بجهاز المناعة، ولكى نعرف كيف تعزف خلاياه هذه السيمفونية المتكاملة الرائعة فى تناغم وانسجام لكى تدافع عن الجسم، تعالوا نصف بشىء من التفصيل رد فعل الجهاز المناعى عندما يصاب الإنسان بفيروس الأنفلونزا سواء العادية الموسمية، أو أنفلونزا الخنازير أو أنفلونزا الطيور، فهل نعرف شيئاً عن المعارك التى تحدث داخل أجسامنا حينئذ؟ تعالوا نراقب هذه المعركة ونسجل أحداثها عن قرب.
1- الهجوم الفيروسى ومقدمات الإصابة بالأنفلونزا:
تنتقل عدوى فيروس الأنفلونزا من كائن إلى آخر عن طريق بروتين على سطحه يسمى «هيماجليوتنين» ويرمز له بحرف H، بينما يتكاثر وينتشر فى الجسم عن طريق بروتين آخر يسمى «نيورامنيديز» ويرمز له بالرمز N، ويدخل فيروس الأنفلونزا الجسم من خلال فتحات الجهاز التنفسى حيث ينتقل عن طريق الرذاذ من شخص إلى آخر، أو من خلال الهواء، أو تلوث اليدين، ويهاجم الفيروس الخلايا المبطنة للغشاء المخاطى للأنف أو البلعوم أو الحنجرة وكذلك العين،
وكعادة الفيروسات بشكل عام فإن فيروس الأنفلونزا يوظف الخلية التى يهاجمها لكى يتكاثر بداخلها حتى تنفجر، ويخرج منها العديد من الفيروسات التى تهاجم الخلايا الأخرى وتحاول أن تتكاثر بداخلها، ويحدث هذا أثناء فترة الحضانة (1- 7 أيام) وهى الفترة ما بين التقاط العدوى، وظهور الأعراض المرضية،
وهكذا نجد أن الفيروس يتكاثر ويسبب أعراضا مختلفة تبدأ من الرشح ثم الدموع ثم السعال مع الإحساس بالتعب والإجهاد والصداع، ثم تنزل العدوى إلى الرئة، التى إن لم يتم علاجها يتحول الالتهاب إلى نزلة شعبية ثم التهاب رئوى، ويكون الإنسان معدياً للآخرين قبل ظهور الأعراض المرضية بيوم، وحتى اختفاء الأعراض تماماً.
2- التوتر والانفعال يؤثران على كفاءة الجهاز المناعى القتالية:
هل يسبب التوتر والانفعال أعراضاً مرضية تؤثر على جهاز المناعة ؟ كان هذا هو موضوع البحث الذى نشره د. «ستيفين ماير» أستاذ علم النفس فى جامعة « كلورادو»، وألقاه فى الاجتماع السنوى للجمعية الأمريكية عام 2006، وخلاصة البحث أن التوتر والانفعال يسببان أعراضا مرضية جسدية، ولقد تعودنا أن نقول ذلك حتى فى تراثنا الشعبى والثقافى، ولكننا الآن توصلنا إلى تفاصيل هذه العلاقة، وعلمنا أن القلق والتوتر بكل أنواعهما - حتى القلق من أن تمرض وتصاب بالأنفلونزا - يسببان ضعف المناعة والإصابة الفعلية بها وبأعراضها المرضية.
والعلاقة التبادلية بين خلايا المخ وخلايا الجهاز المناعى، تجعل كل ما يؤثر بالسلب على مناعة الإنسان، يؤثر أيضا على سلوك ومزاج الإنسان، والعكس صحيح، وربما كان مثلاً التعرض لهذه النسب العالية من التلوث الذى يؤثر على جهاز المناعة، هو أحد الأسباب التى تزيد من نسبة حدوث الأمراض النفسية والعصبية على اختلاف أنواعها.
وتناول «ماير» فى بحثه رد فعل الجسم والجهاز المناعى الأول عند التعرض لشىء يهين الجهاز المناعى ويهاجمه مثل العدوى بفيروس الأنفلونزا مثلاً،
وماذا يحدث فى الساعات الأولى من التعرض له، قبل أن تخرج من الجهاز المناعى الخلايا المتخصصة والأجسام المضادة لمواجهة العدو، فالبحث ينصب أساساً على رد الفعل الذى يحدث عندما تضرب صفارات الإنذار من رادار الجهاز المناعى معلنة عن وجود خطر أو هجوم خارجى من عدو يريد أن يعتدى على الجسم، ولكنه لا يشمل الأسلحة المتخصصة التى سوف يتم الرد بها على هذا المعتدى،
 وهو ما يطلق عليه فى المناعة Non specific Immune Response، أما رد فعل المتخصص فيأتى فيما بعد عندما تصل المعلومات إلى مركز القيادة، وتبدأ فى الرد من خلال الجناح الخلوى من خلال الخلايا التائية، وقذائف المدفعية من خلال الخلايا البائية، وباستخدام الحرب الكيماوية للتصدى للسموم والكيماويات التى يحاول العدو غزو حصون الجسم من خلالها.
وربما شعر الكثيرون منا برد الفعل الأوّلى للجهاز المناعى فى الساعات الأولى من التعرض للعدوى بالأنفلونزا مثلاً، والذى يبدأ بما يسمى برد الفعل المرضى Sickness Response وهو عبارة عن مجموعة من الأعراض التى تكون بمثابة صفارة الإنذار للجسم، التى تعلن عن غزو كائن غريب ينبغى التصدى له،
وتشمل هذه الأعراض تغير فى المزاج وفى الحالة النفسية للإنسان، وظهور بعض الأعراض المرضية مثل ارتفاع درجة الحرارة، واضطراب التمثيل الغذائى فى الكبد، وانسداد الشهية عن الأكل والشرب، وانخفاض الرغبة والنشاط الجنسى، وزيادة التوتر والتعب لأقل مجهود، مع زيادة إفراز هرمونات الانفعال مثل الكورتيزول والأدرينالين وغيرهما.
والهدف من كل هذه الأعراض السابقة _ إلى جانب الإعلان عن الخطر _ هو توفير الطاقة اللازمة للحرب من أجل مواجهة المعتدى، وتوفير أكبر قدر من الطاقة التى تستنفدها سلوكيات الإنسان عندما يكون طبيعياً ولا يتعرض لأى خطر، ومن الملاحظ أن كل هذه الأعراض التى تعتبر وسائل دفاعية عن الجسم عند تعرض الجهاز المناعى للعدوى، تصدر من المخ، وبالذات من منطقة ما تحت المهاد المسماة «هيبوثلاموس»، لذلك فمن المنطقى أن يتبادر إلى الذهن سؤال وهو : كيف علم المخ بوجود كائن غريب يهدد الجهاز المناعى ؟ لابد إذًا أن هناك اتصالاً مباشرًا وغير مباشر بين كل من الجهازين.
والعناصر الأولى التى تقوم بهذا الدور هى مجموعة من الموصلات المناعية تفرزها الخلايا الأكولة التى تسمى «ماكر وفاج»، التى تمثل المخابرات وأيضاً حائط الصد الأول للدفاع عن الجسم، وتسمى «سايتوكاينز» Cytokines، وتشمل «إنترليوكين -1»، «إنترليوكين -6»، وعامل تليف الأورام ألفا TNF-X،
وقد تبين أن هذه المواد المناعية هى التى تنقل الرسائل الأولى من أخبار الهجوم إلى خلايا المخ، فتكون هذه الأعراض المرضية هى رد الفعل المبدئى تجاه ما يحدث، حتى يتبين الجهاز المناعى أيًا من الأسلحة المتخصصة سوف يستخدمها لوقف هذا الهجوم.
ولأن جزيئات هذه المواد المناعية ال«سيتوكاينز» كبيرة نسبيا بحيث لا تستطيع أن تعبر الحاجز الدموى للمخ، فقد بدأ فريق البحث بقيادة «ماير» يبحث عن ساعى بريد آخر يأخذ الرسالة من هذه المواد لكى يوصلها لخلايا المخ، وتوصلوا إلى أن هذه الرسالة تصل من خلال موصلات عصبية توجد فى مخازن على العصب الحائر، وتحتوى على مستقبلات لمادة «إنترليوكين - 1».
والحقيقة أن هذا الأداء الأوركسترالى الربانى يثير الدهشة، فالخلايا الأكولة تتصدى للمعتدى، وتحاول التهامه، وفى نفس الوقت تأخذ بصمته وتبلغها للقيادة، ثم تفرز مادة «إنترليوكين - 1» فى الدم، التى تنبه المستقبلات الموجودة على العقد العصبية الموجودة على العصب الحائر، الذى يرسل بدوره الإشارة إلى خلايا المخ، التى تفرز بدورها مادة « إنترليوكين -1» الخاصة بها، التى ينتج عنها ظهور هذه الأعراض المرضية، وإرجاع الإشارة إلى قيادة الجهاز المناعى لكى تتولى الأسلحة المتخصصة التصدى للمعتدى، ومن خلال هذا يتضح بجلاء أن هناك علاقة تبادلية ذهابًا وإياباً بين المخ والجهاز المناعى، وأن هناك توزيعًا للأدوار وتكاملاً تامًا بينهما من أجل سلامة الجسم والدفاع عنه.
3- جيش المناعة يرد الهجوم بأسلحة متخصصة:
بعد ذلك تحمل هذه الخلايا الأكولة المسماة «ماكروفاج» الفيروس وتقدمه الى الخلايا الليمفاوية التائية المساعدة (مايسترو أو قائد الجهاز المناعى)، ثم تقدم الخلايا الأكولة الجزىء المعدى للميكروب المسمى ب«الأنتيجين» مصاحبا للبصمة الجينية لها HLA للخلايا التائية المساعدة، ويكون هذا بمثابة العلم الأحمر الذى يدل على الخطر، أو جهاز الإنذار لكل خلايا الجهاز المناعى بأن هناك كائنًا غريب، نوعه كذا، وتركيبه الجينى كذا،
والمطلوب : قوات دفاع إضافية للقضاء على هذا الفيروس، وفى هذه الحالة يكون الصراع والسباق على أشده بين الفيروس وخلايا الجهاز المناعى، وهذه هى المرحلة التى ينبغى تناول دواء «تاميفلو» خلالها كمضاد للفيروس من أجل إضعاف قواته ومنع انتشاره وتكاثره داخل الجسم، وتمكين الجهاز المناعى منه.
4- انطلاق قذائف المدفعية:
وحيث إن الخلايا الأكولة (المخابرات) قد أبلغت القيادة العامة لجيش الدفاع الإلهى المسمى بالجهاز المناعى بالغزو ومواصفاته ومدى قوته وفاعليته، وتلك القيادة ما هى إلا الخلايا التائية المساعدة T-helper cells -
وهى بالمناسبة الهدف الذى يدمره فيروس الإيدز حين يلتقط الإنسان عدواه - فإن قيادة جيش المناعة تصدر الأمر إلى الخلايا الليمفاوية البائية وهى بمثابة قوات المدفعية المسؤولة عن إفراز الأجسام المضادة التى تتطابق فى تركيبها مع تركيب الجزء المعدى فى الفيروس «الانتيجين»، بناء على الفيش والتشبيه الذى تم أخذه لبصمته الجينية عند دخوله للجسم، وتلك الأجسام المضادة هى بمثابة قذائف المدفعية التى تنطلق فى جميع الاتجاهات التى يمكن أن يتواجد الفيروس فيها حتى توقف زحفه ثم تقتله وتقضى عليه.
5- الحرب الكيماوية:
وفى هذه الأثناء تفرز الخلايا الأكولة «الماكروفاج» مجموعة من المواد الكيماوية، التى تسمى «ليمفوكاينز» وهذه المواد بعضها يستخدم لتكملة وظيفة أو نضج بقية خلايا الجهاز المناعى وبعضها الآخر له تأثير مباشر على الجسم الغريب، سواءا كان فيروسًا أو حتى خلايا سرطانية فيتوقف نشاطها ويقتلها، ومن أمثلة هذه المواد «انترليوكين - 1» والذى يعمل كثرموستات للجسم فيسبب ارتفاعًا فى درجة الحرارة وحمى لكى يقلل من نشاط وتكاثر الفيروس وسرعة انتشاره، وفى نفس الوقت ينبه وينشط بقية خلايا الجهاز المناعى.
وهكذا نجد أن الحمى أو الحرارة التى تصيب الانسان فى حالة إصابته بالأنفلونزا أو بأى عدوى أخرى إنما هى من ضمن وسائل الدفاع التى يستخدمها الجهاز المناعى للدفاع عن الجسم.
وبالطبع تحدث خسائر نتيجة لهذه المعركة ويكون هناك ضحايا فى ميدان المعركة فتجد أن مادة «جاما انترفيرون» التى سبق أن أشرنا الى تأثيرها فى قتل الفيروسات والخلايا السرطانية تحول الخلايا الأكولة الى مسؤولة النظافة الأولى فى ميدان المعركة، حيث تلتهم كل الضحايا التى خلفتها هذه المعركة حتى لا يحدث أن يموت الفيروس،
ويتحلل غلافه الخارجى ويخرج الحامض النووى المكون له من الغلاف ليؤثر على خلية أخرى، فهو بمثابة الحبة التى لو تركت فإنها سوف تنبت وتصبح شجرة كبيرة، لذا فإن الجهاز المناعى يعهد للماكروفاج أو الخلايا الأكولة بتنظيف ميدان المعركة تماما، مثلما يحدث فى المعارك الحربية عندما نترك جثث الضحايا فإنها سوف تصيب الأحياء من الجنود بالطاعون والأوبئة مثلما حدث مع نابليون وجيشه فى حملته على الشام.
6- التفتيش الذاتى:
والآن ترى هل انتهت المعركة وتخلصنا من فيروس الأنفلونزا نهائيا ؟ والاجابة بالطبع لا، لأن الفيروسات التى توجد داخل الخلايا لا تستطيع الأجسام المضادة أو قذائف المدفعية الوصول اليها فى هذا الوضع والقضاء عليها بشكل نهائى ؟ فكيف يمكن الوصول إلى الفيروس فى هذا الوضع ؟
بعد أن تقضى الأجسام المضادة أو قذائف المدفعية المتخصصة على الفيروس فى ميدان المعركة أى فى الدم، فإننا نريد أن نتأكد أن جنود الأعداء لا يختفون داخل منازل المدنيين، وبالطبع لا نستطيع أن نقذف منازل المدنيين بالمدافع حتى يخرج الأعداء منها، أو نقضى عليهم وعلى المدنيين من شعبنا معهم فما الحل؟
نجد أن الحل يكمن فى إرسال قوات خاصة ذات مهارات وكفاءة عالية لتفتيش هذه المنازل (خلايا الجسم) التى تختفى فيها بعض قوات العدو (فيروس الأنفلونزا )، كيف؟ من خلال تنشيط نوع آخر من الخلايا التائية يسمى NK Cells أو الخلايا القاتلة الطبيعية، وذلك من خلال «السيتوكاينز» أو الكيماويات التى سبق الإشارة اليها،
وهذه الخلايا هى التى يمكنها الوصول إلى الفيروس أو الخلايا السرطانية داخل الخلية، وهى من أهم الأسلحة فى القتال ضد الفيروسات والسرطان وهى تنشط من خلال الخلايا التائية المساعدة أو القائد العام لقوات جيش المناعة، والذى يعطيها بصمة الفيروس ويتركها تبحث عنه فى كل جزء من أجزاء الجسم وتقضى عليه وتلتهم ما تبقى من الحامض النووى المكون له كما ذكرنا،
ويشارك فى كل هذه الخطوات قوات المشاة والإمداد والتموين والإعداد، وهى عبارة عن جهاز يسمى الجهاز المكمل أو Complement ويتكون من مجموعة البروتينات تسهل ابتلاع الفيروس والقضاء عليه وتفرز مواد كيماوية تسهل قتله والتخلص منه.
7- الحرب تضع أوزارها :
وبعد أن يتم النصر للجهاز المناعى على قوات فيروس الأنفلونزا الغازية يستقيل القائد العام لقوات جيش الدفاع المناعى - وهى الخلايا التائية المساعدة - وتسلم القيادة إلى قائد آخر لكى يثبط من نشاط هؤلاء الجنود ويرفع أوزار الحرب ويجمع السلاح منهم حتى ظهور عدو آخر،
وهذا القائد هو عبارة عن الخلايا التائية المثبطة والتى ترسل أوامرها على شكل رسائل كيماوية معينة لتثبيط نشاط الجهاز المناعى بعد التخلص من الأعداء، وذلك حتى لا يوجه جنود الجهاز المناعى أسلحتهم إلى بعضهم فيصيبون بعضهم البعض بإصابات بالغة لايمكن علاجها، وهذا ما يحدث فى حالة أمراض المناعة الذاتية حيث ينشط الجهاز المناعى ويوجه أسلحته ضد أحد أعضاء الجسم نفسه، والسبب أنه أصبح يعتبره غريبا عنه ويعامله معاملة الغرباء، الذين يجب التخلص منهم،
 ومن أمثلة ذلك أمراض الروماتويد والتى يهاجم فيها الجهاز المناعى المفاصل فى الجسم كله والذئبة الحمراء وبعض أمراض الغدة الدرقية والسكر من النوع الأول المعتمد على الأنسولين، حيث يهاجم الجهاز المناعى خلايا لانجرهانز فى البنكرياس ويدمرها فلا تفرز الأنسولين ويصاب الإنسان بمرض السكر وغير ذلك من أمراض المناعة الذاتية.
وهنا نرى أن القيادة التى تولت وقت الحرب سلمت القيادة لغيرها بمجرد أن وضعت الحرب أوزارها لأن مهمتها هى القتال فقط، وقتال مْنَ؟ الأعداء فقط.
8- ذاكرة الجهاز المناعى:
وبعد العدوى نجد أن الخلايا البائية والتائية التى تحمل بصمة الفيروس المعتدى قد تعاونت لتكوين ما يسمى بجيش الخلايا الذاكرة والتى تعلم كل شىء عن تركيب هذا الفيروس وطريقه وتدميره وتصبح هذه الخلايا الذاكرة التى تحمل الأجسام المضادة لهذا الفيروس هى خط الدفاع الأول والسريع الذى يهاجم الفيروس فى حالة إذا سولت له نفسه تكرار هذا الهجوم مرة أخرى،
وذلك يمكن أن يستمر لسنة أو لعدة سنوات أو ربما مدى الحياة، وبينما نجد أن الجهاز المناعى السليم يأخذ حوالى 1-2 أسبوع فى صد هجمة فيروس الأنفلونزا عندما يصيبه الفيروس لأول مرة، نجد فى نفس الوقت أنه فى حالة إصابة الإنسان بنفس الفيروس مرة أخرى فإن قوات وقذائف جيش الذاكرة يتولى احباط الهجوم والقضاء عليه وربما لا يشعر الإنسان على الاطلاق بأنه أصيب بالعدوى مرة أخرى.
وهى نفس فكرة التطعيم ضد الأنفلونزا الذى نتناوله كل عام لكى نقى أنفسنا من الإصابة بالعدوى حيث يغير الفيروس تركيبه بنسبة قليلة سنويا، لكنه يتغير تماماً كل عدة عقود ويسبب وباء عالمياً لأن الجهاز المناعى غير معتاد على التعامل معه، ولا يحتفظ له بأى بصمة أو أجسام مضادة للقائه.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.