رصدت دراسة تاريخية شكل تطور موائد الرحمن التى يتم إقامتها فى رمضان من كل عام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى العصر الحديث. وقال إبراهيم العانى، عضو اتحاد المؤخين العرب: إن مائدة الرحمن عرفت شكلها الأول فى المدينةالمنورة عندما قدم وفد الطائف إلى المدين واعتنقوا الإسلام، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل لهم فطورهم وسحورهم مع مؤذنه بلال، واقتدى بذلك الخلفاء الراشدون من بعده، مضيفًا أن أول من أعد دارًا للضيافة فى رمضان فى العام السابع عشر الهجرى كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وأشار عنانى إلى أن الإمام الليث بن سعد كان يفضل تناول الفول فى رمضان فى حين يقدم لخدمه أشهى الأطعمة على مائدة الرحمن، واشتهر بتقديم الهريسة «هريسة الليث». وتابع عنانى: «وفى عام 880 م فى عهد الوالى «ابن طولون» كان إلى جوار مسجد ابن طولون حديقة من الأشجار والورود وملحق بها حديقة للحيوان تضم السباع وابن أوى وحيوانات أخرى وفى هذه الحديقة وتحت أشجارها يقيم ابنه خيمارويه مآدب الإفطار والسحور طوال شهر رمضان». ولفت عنانى أن ابن طولون أسس مدرسة لتعليم فن الطهى، وذاعت شهرة الطباخين المصريين فى كل أنحاء العالم وتسابق الملوك والأمراء من مختلف الدول على دعوة الطهاة المصريين بمقابل مادى. واستمرت الموائد فى العصر الفاطمى وعصر المماليك الذى انتشرت فيه الوقفيات، وكذلك العصر العثمانى الذى انتشرت فيه الموائد أمام البيوت وأمام كل مائدة أمير وتوسع فى ذلك الوالى العثمانى عبدالرحمن كتخدا الذى أطلقوا عليه إمام الخيرات. وكشف عنانى عن موائد الرحمن عند الفاطميين، قائلا: «أطلقوا عليها «دار الفطرة» وكانت تقام الأسمطة 175 مترًا وعرضها 4 أمتار فى عهد العزيز بالله الفاطمى، وفى عام 975م بعث إلى أمير دمشق يطلب قراصيًا بعلبكيه فعاد الحمام الزاجل وفى إبط كل واحدة حبة قراصيًا». وأشار عنانى إلى أنه ازدهرت موائد الرحمن خلال العصر الفاطمى حيث اهتم بإقامتها الملوك والأمراء وتقول كتب التاريخ: إنهم كانوا يخرجون من بيوتهم نحو ألف ومائة قدر من مختلف ألوان الطعام لتوزع على الفقراء والمساكين ولتمد بها الموائد وقلدهم فى ذلك الأغنياء وأصحاب الأسر المتوسطة بتجهيز الطعام أمام منازلهم وفى حجرات الاستقبال لانتظار ضيوف الرحمن من الفقراء والمسافرين. أما فى عصر المماليك كان السلطان حسن يقدم كل يوم من أيام رمضان 117 ذبيحة، لأنه بدأ فى تقديم الذبائح منذ أن كان عمره 17 سنة فأضاف عليها مائة واستمر السلاطين من بعده يقدمون الذبائح فى رمضان. وفى العصرين المملوكى والعثمانى، قال عنانى: إنه كانت توزع أطباق الحلوى التى تضم الكنافة والقطايف فى الخوانق والربط وهى الأماكن التى يوقف فيها الواقفون أموالهم وأملاكهم لإطعام الفقراء، واشترط الواقفون توزيع الحلوى على القاطنين كل ليلة جمعة من رمضان. ولفت إلى أن عنانى ظان قائد المماليك كان يوزع كل يوم فى رمضان 12 ألف رغيف ويشرف بنفسه على توزيع الصدقات واستن الملك الظاهر بيبرس سنة طيبة وهى توزيع عدد من أحمال الدقيق والسكر والمكسرات ولحم الضأن على الفقراء حتى يتمكنوا من تناول الطعام فى بيوتهم.