العربية: إلغاء مشاركة نتنياهو في قمة شرم الشيخ    رئيس الوزراء يتابع جهود تنفيذ إجراءات خفض الانبعاثات والتحول الأخضر المستدام    محافظ المنوفية يترأس اجتماعا موسعا لمناقشة موقف مشروعات الخطة الاستثمارية    سعر الذهب اليوم في مصر وعيار 21 يسجل 5470 جنيها    كيف نجحت القيادة المصرية في إنهاء الحرب على غزة من مدينة السلام    كلمة ترامب أمام الكنيست: حان الوقت لتترجم إسرائيل انتصاراتها إلى السلام    "من أنت".. ترامب يهاجم مراسلة بولتيكو ويتهم الصحيفة بنشر أخبار كاذبة    «حسام زكي»: الموقف المصري كان له بالغ الأثر في تغيير دفة الحوار السياسي    الزمالك يستند على توقيع زيزو إثبات استلام مستحقاته فى جلسة الاستماع    إصابة 8 أشخاص فى حادث تصادم بالطريق الزراعى فى البحيرة    محافظ قنا يوجه بتقديم كافة الرعاية الطبية لمصابى حادث أتوبيس الألومنيوم    ضبط متهم تحرش بعاملة داخل صيدلية في سوهاج بعد انتشار فيديو فاضح.. فيديو    تموين الفيوم تلاحق المخالفين وتضبط عشرات القضايا التموينية.. صور    الرئيس الأمريكى ترامب يلقى خطابا أمام الكنيست وسط تحية كبيرة من الحضور    مسلسل لينك الحلقة 2.. تحالف غير متوقع بين بكر وأسما لكشف سرقة أموالهما    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    فحص 1256 مواطنا وإحالة 10 مرضى لاستكمال الفحوصات بقافلة طبية فى مطوبس    وكيل صحة سوهاج فى زيارة مستشفى جرجا : لا تهاون مع أى تقصير فى خدمة المواطن    هل يمكن حصول السيدات الحوامل على لقاح الأنفلونزا ؟ فاكسيرا تجيب    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    بتواجد أبو جريشة.. الكشف عن الجهاز الفني المساعد ل عماد النحاس في الزوراء العراقي    ب 35 لجنة.. بدء التسجيل ب «عمومية أصحاب الجياد» في الإسكندرية    وزير الرياضة: دعم متكامل للمنتخب الوطني.. وما تحقق في الكرة المصرية إنجاز يستحق الفخر    شراكة بين أورنچ مصر وسامسونج إلكترونيكس لتجربة الأجهزة المتعددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    نائب محافظ الأقصر يشهد تدريبًا لتأهيل الشباب للعمل بقطاع السياحة والفندقة    الغرف السياحية: قمة شرم الشيخ السلام رسالة قوية للعالم بالريادة المصرية    بالفيديو.. الأرصاد: فصل الخريف بدأ رسميا والأجواء مازالت حارة    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    إخماد ذاتي لحريق داخل محطة كهرباء ببولاق دون وقوع إصابات    لحضور أولى جلسات الاستئناف.. وصول أسرة المتهم الثاني في قضية الدارك ويب لمحكمة جنايات شبرا    ارتفاع أسعار النفط مع بوادر تراجع حدة التوتر التجاري بين الصين وأمريكا    مصادر تكشف مصير 4 أعضاء ب«النواب» تم تعيينهم في «الشيوخ»    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية    مبيعرفوش يمسكوا لسانهم.. أبراج تفتش الأسرار في أوقات غير مناسبة    أحمد فهمي الأعلى مشاهدة ب «ابن النادي»    بورسعيد أرض المواهب.. إطلاق مسابقة فنية لاكتشاف المبدعين    الليلة بمسرح السامر.. قصور الثقافة تطلق ملتقى شباب المخرجين في دورته الرابعة    آداب القاهرة تحتفل بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية    جامعة بنها: فحص 4705 شكاوى بالمنظومة الموحدة.. تفعيل نقطة اتصال جديدة لخدمة المواطنين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    هل الغسل يغني عن الوضوء؟ أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي بالتفصيل    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    وزيرا ري مصر والأردن يفتتحان الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    مباحثات مصرية - ألمانية لتعزيز التعاون وفرص الاستثمار في القطاع الصحي    نتنياهو يصف الإفراج المتوقع عن الرهائن بأنه حدث تاريخي    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    تحرك عاجل من نقابة المعلمين بعد واقعة تعدي ولي أمر على مدرسين في أسيوط    فاروق جعفر: هدفنا الوصول إلى كأس العالم ونسعى لإعداد قوي للمرحلة المقبلة    عراقجي: إيران لن تحضر القمة في مصر بشأن غزة.. ما السبب؟    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    صلاح وزوجته يحتفلان بالتأهل في أرضية ستاد القاهرة    البطاقة 21.. غانا تتأهل لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طويل العمر
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 12 - 2016

شاهدته جالسا فى الصف الأمامى يستند بذقنه على عصاه وقد تدلت نظارته حتى لامست ذبابة أنفه. سمعته يسعل أكثر من مرة ولكنه السعال الذى لا ينبئ بخطر داهم ولا يثير جزع أصحاب الاحتفال والمشاركين. كان يستمع كما كنا إلى بعض منظمى الجلسة وهم يحفزون الحضور ويحرضونهم. فجأة انتفض صاحبنا انتفاضة رجل عجوز ونهض واقفا وقفة إنسان تؤلمه عضلات ساقيه ومفاصلهما ويزعجه أيما ازعاج انفلات غضاريف سلسلته الفقرية. سعل سعلتين ثم انطلقت من فمه كلمات كالرصاص. أظن أنه اكتشف بعد تقاعده أن التقدم فى العمر فى حد ذاته يمكن أن يصبح وظيفة تدر مالا أو أمنا أو جاها أو كلها معا. كان منفعلا بغضب مفتعل افتعال كبار السن والأطفال عند لحظة الرغبة الملحة لتوصيل رسالة إلى من بيده الأمر. ركز مضمون صراخه على الأصغر عمرا من زملاء المهنة ورفاق الطريق. اتهمهم بأنهم لا يعرفون. تنقصهم الخبرة والتجربة. خضعوا للغواية ومتآمرون. لا يرقى فكرهم ولا تاريخهم ولا تدريبهم إلى مستوى عظائم الأخطار والمؤامرات التى تهدد الوطن. توقف فجأة عن الصراخ ولسان حالى يقول همسا «ما أتعسه وطن يمتطيه كل مخرف وهاوٍ وانتهازى وفاسد وجاهل وعبدلسلطة أو سلطان».
***
ما من مرة جاءت سيرة كبار السن فى وجود أولادى وأحفادى إلا وتذكرت طفولتى. أشعر أن أقرب الأهل إلى بعضهم شبها وارتياحا هم الأطفال والمتقدمون فى العمر. ارتسمت فى خيالى صورة لا تبارح. صورتنا ثلاثة أبناء وبنات خالات وقد جلسنا على فخذى جدتى نلهو معها. كانت ونحن فى هذا الوضع المريح جدا لنا تطعمنا وتدغدغنا وتغسل لنا وجوهنا بعد إطعامنا. تتداخل الصور فأذكرها فى واحدة منها وهى تدعو لنا ونحن على وشك العودة مع أمهاتنا إلى بيوتنا «روحوا انشالله ربنا يكتبلكم الزوجة المطيعة والذرية الصالحة». عشت طفولتى أعرف أن كل الجدات سمينات سمنة جدتى وحجر الواحدة منهن يتسع لطفلين وأكثر وحنانهن يفيض وصبرهن لا ينفد ولا يستقبلن ضيوفهن إلا وقد ارتدين الأسود. عشت أتخيلهن كجدتى لا يتركن الفراش جالسات فيه ومن حوله فى الغرفة الواسعة بناتها مستلقيات أو منشغلات بتحضير طعام أو ترميم جوارب وتثبيت زراير وأطفالهن عند المشربيات يتسلون بحركة الشارع وينادون على بائع البليلة.
***
عملت خلال مراحل شبابى مع كثيرين من المتقدمين فى العمر. لفت انتباهى ذاكرتهم القوية فى كل ما يتعلق بالماضى البعيد نسبيا. كانوا يلجأون الينا من أجل تفاصيل الأحداث القريبة. أحدهم كان يعتمد اعتمادا كاملا على ذاكرتى لاستحضار تفاصيل مقابلات دبلوماسية حضرناها معا. وجدت نفسى عندما تقدمت فى العمر ألجأ إلى جوجل أو أفعل مثله فألجأ إلى زملاء من الشباب حتى اكتشفت أنهم هم أنفسهم صاروا يعتمدون أكثر فأكثر على نفس المصدر ليتذكروا أحداثا عاصرناها معا أو أشياء اشتركنا فى صنعها. تصادقت وأحد رؤسائى من متقدمى العمر. كنا نقضى الساعات هو يحكى حكايات نجاحه وأنا أبحث فيها عن حكمة أو درس. حاولت مرارا أن أبدو منتبها وأنا أسمع للمرة العاشرة تفاصيل عن وقائع مثل العشاء الذى أقامه لتكريم رئيس بلاده. قال ونسى إنه قال إنه اختار صحونا وكئوسا زهرية اللون ومفارش سفرة وفوط مائدة كذلك زهرية وألبس النادلات ملابس زهرية واقترح على المدعوين أن يشربوا النخب شمبانيا زهرية اللون. وعدت نفسى أن أتفادى التفاصيل عندما يتقدم بى العمر وتدفعنى الظروف إلى سرد حكايات إنجاز أو التفاخر بسلامة الذاكرة.
***
أهى الذاكرة تقوى أم هو الوفاء لمراحل وأحداث ووقائع فى الماضى؟. عرفت أصدقاء تقدم بهم العمر فراحوا يبحثون عن شركائهم فى أول قصة حب. سمعت من صديقة تعتز بنفسها وقوامها وشخصيتها وهى فى هذه السن المتقدمة سمعتها تقول إنها قضت بعض أجمل سنوات شيخوختها تبحث عن رجل يصغرها قليلا تعرفت عليه وهى فى الخامسة وعشرين من عمرها. أحبته ولم يعرف. ظلت قريبة منه وهو لا يشعر لفترة من الزمن قبل أن يختفى هو وعائلته. انشغلت بما راحت تحققه هى وأولادها وأحفادها من نجاحات وشهرة فى المجتمع. كبرت عائلتها الصغيرة وتفرعت ثم انفرطت وبقيت هى وحيدة. راحت تبحث عن الرجل الذى لم يكن لها. تقول «يا ريت أشوفه عشان أقول له إن أنا كنت باحلم إن أنا وأنت حنتجوز ونخلف ونبقى جدة وجد ونعجز سوا». لحظة صدق لا يدرك قيمتها إلا من تقدم به العمر فلم يعد يخشى أحدا أو يكتم سرا أو يتنكر لأحلى ما مر به ولم يعش فيه. هو نوع من الوفاء، وفاء الشيوخ تلقائى وطبيعى كوفاء الأطفال.
***
عشت لفترة قصيرة فى مطلع شبابى، ربما بعد تخرجى مباشرة، فى بنسيون بحى كامب شيزار تملكه وتديره سيدة أجنبية تقدم بها العمر. أذكر يوما جمعنا فيه على مائدة عشاء احتفال بمناسبة خاصة. جلس معنا على المائدة رجل جعله الشيب وسيما والذكاء حكيما وحلاوة اللسان جذابا وحسن اختيار الملبس أنيقا. كاد يبدو فى نظرى إلها من آلهة أساطير اليونان. أفقت من انبهارى على صوت سيدة الدار تدعونى أشرب فى نخب العلاقة التى ربطت بينهما على امتداد عشرين عاما. قالت «دعونى أشرب فى صحة الرجل الذى استطاع بقلبه الدافئ وخلقه الطيب أن يمنحنى السعادة وكل هذا الحب». ثم نظرت إليه وقالت «أنت العمر الذى أضفته إلى عمرى. بوجودك فى حياتى عشت عمرا آخر وربما ثلاثة. أشكرك يا أغلى البشر».
***
هكذا كان الحب عند الكبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.