عبدالنبى محمد عبدالعاطى يبلغ من العمر 37 سنة، وهو واحد من الآلاف الذين حصلوا على دبلوم صنايع وضاقت أمامهم فرص العمل. «أنا أخدت دبلوم صنايع قسم تركيبات تخصص برادة وبرايز وقعدت أدور على شغل ما لقتش خالص، اشتغلت أعمال حرة جربت أعمل مبيض محارة ونجار مسلح وشلت طوب على كتفى، وأول ما قرأت إعلان فى الأهرام مكتوب فيه (مطلوب سواقين نقل عام) واشترطوا الدبلوم علشان السواق يكون متعلم ويعرف يتعامل مع الركاب، قدمت للوظيفة مع إنى ما بعرفش أسوق. قالوا نعلمك»، قال عبدالنبى. ويستطرد محمد قائلا «الحقيقة أن تعليم السواقة فى الهيئة حاجة تانية خالص أصل المدربين فى الهيئة بيتعلموا بره أصول التدريب علشان كده سواقين النقل العام على أعلى مستوى، والدليل أن السعودية فى أيام الحج بتشترط تشغيل سواقين من النقل العام وليس من شركات القطاع الخاص، علشان بيستحملوا الزحمة واتعودوا على البهدلة. على فكرة الواحد منا بيعرف أبعاد الأتوبيس طوله 15 مترا بالضبط، وبنعرف أعطاله، مش زى سواق الملاكى ما بيعرفش حاجه عن عربيته». «أنا عندى رخصة أولى» قالها عبدالنبى بمنتهى الفخر. ولا تسمح الهيئة للسائق الذى لا يمتلك رخصة من الدرجة الأولى بقيادة الاتوبيس فى الشارع. «ممكن يمونه أو يدخله الجراج، لكن يخرج بره بيه مش ممكن. علشان كده أثناء الأضراب بتاع السواقين أخرج المسئولون الأتوبيسات بسواقين برخصة درجة ثانية علشان يثبتوا أن الإضراب مش كبير. الحكاية محتاجه إضراب تانى ولا يتوقف عبدالنبى عن الحديث إلا ليرد التحية على سائق المترو الذى يتقاطع شريطه مع طريق الأتوبيس عند ميدان الحلمية. «صباح الفل» قالها وأكمل «أعمل منذ 12 سنة وراتبى لم يزد على 481 جنيها بما فيه علاوة اجتماعية، وغلاء إضافى، وساعات تكميلية، وتكافل هيئة، وبالرغم من أن إيصال القبض الخاص بى مكتوب فيه خصم 52 جنيها للتأمينات، إلا أننا اكتشفنا أن هذه الأموال لا تذهب إلى التأمينات وليس لنا رقم تأمينى، واسألى أغلبية السواقين، كلنا سألنا ولم نجد لنا وجودا فى التأمينات». عبدالنبى كان أحد الذين شاركوا فى إضراب السائقين ويؤكد أن الإضراب كان سلميا وتم بإذن من أجهزة الأمن. «كان بهدف طرح مطالبنا على المسئولين وأولها التأكد من أن الأموال التى تخصم من السائقين تذهب إلى التأمينات، وأن نحصل على بدل مخاطر مثل الذى يحصل عليها سائق القطار الذى يسير على قضبان وليس فى شوارع تحمل أخطارا لا حصر لها، وطالبنا أيضا ببدل عدوى من كثرة الزحمة ومخالطة الركاب والذين يصل عددهم إلى 200 راكب فى الدورة الواحدة اللى عنده إنفلونزا واللى عنده أمراض مزمنة”. ورغم أن الأتوبيس ينقل كل هذا العدد فى الدورة الواحدة فإن حصيلة التذاكر فى ساعات العمل لا تتعدى 250 جنيها فى اليوم، بحسب عبدالنبى. «أنا والكمسارى بنأخذ 4 قروش على كل جنيه، وهذا كان مطلب آخر من مطالب اضراب السائقين وهو رفع نسبة التذكرة من 4% إلى 8%. والمسئولون وعدونا بتلبية مطالبنا وفعلا وافقوا على زيادة بدل الوجبة من 60 جنيها إلى 120، وكذلك زيادة النسبة على التذاكر وهذا ما جعلنا نفض الإضراب حتى لا يقف حال البلد، ولكن لم تنفذ القرارات حتى الآن وبيقولوا من أول الشهر ولكن بقية الطلبات مازالت محل بحث من جانب المسئولين، والحكاية كده محتاجة إضراب تانى» قالها عبدالنبى وهو يحاول أن يتفادى سيارة سوزوكى تسير بدون أرقام ويقودها صبى لا يزيد عمره على 13 سنة. «ناس كتير فى منطقة المرج باعوا فدان الأرض بتاعهم واشتروا أتوبيسات ميكروباص أو سيارات سوزوكى وركبوا عليها أطفال يسوقوها بدون رخص ومفيش حد بيتعرض لهم، وكل العجل اللى بيمشى على الأرض فى هذه المنطقة بدون ورق ولا نمر، وعلشان كده الحوادث كتير فى منطقة المرج» السائق يدفع ثمن أخطاء رئيس الحى ومرة أخرى يقطع عبدالنبى حديثه ليرد على الكمسارى الحاج عبدالمعبود الذى ينادى عليه لكى يحذره من أن مياه المجارى دخلت إلى سلم الأتوبيس. «أعمل ايه إذا كان مياه المجارى طفحت وأصبحت تملأ كل شارع مؤسسة الزكاة بالعرض، وأنا أمر على المطبات ولا أعرف عمق المطب فكيف أتفادى المطبات ياحاج». قالها عبدالنبى للكمسارى هامسا لى أن السائق يمكن أن يختار من ناظر الموقف الكمسارى الذى يرتاح له لأن صحبة الطريق مهمة، وأنا اخترت عبدالمعبود. ويكمل عبدالنبى متناسيا تماما مياه المجارى التى أصبحت تملأ السلم «يعنى دلوقت لما المطب يكسر الكرتيرة الخاصة بالموتور حاعمل ايه، حادفع تمنها، هذا ما يحدث مع كل السائقين، زميلنا دفع 400 جنيه لما اتكسرت الكرتيرة بسبب المطبات التى تملأ الشوارع، فهل من العدل أن يدفع السواق راتبه من غير ذنب مع أن مسئولية المجارى والفحت فى الشوارع تقع على عاتق رئيس الحى يعنى مفروض رئيس حى المرج يدفع تمن كل ما يتكسر فى الأتوبيس سواء السوستة أو الشكمان أو الفلاتر، لأنه سايب المجارى طافحة من 3 أشهر، وحتى مواسير المياه الحلوة اتكسرت وتسربت فى الشارع، وأرض الرشاح اللى اتردم من سنتين مازالت لم ترصف حتى الآن». وشاركه الرأى كل ركاب الأتوبيس وكأنهم يجرون استفتاء على رئاسة الحى. «كله كوم والمخالفات كوم تانى فهل معقول أن أى أمين شرطة يشاور للأتوبيس علشان يركب ولما السائق يرفض الوقوف يأخده مخالفة، ولازم يدفعها، وهناك مخالفات كتيرة على أتوبيسات كانت فى الجراج ولم تخرج للشارع» قالها عبدالنبى بمرارة. يعرف ركابه برغم العدد الكبير «أنا أقضى ساعتين وربع الساعة فى الدورة الواحدة مع أن الدورة مفروض تخلص فى ساعة واحدة فقط طبقا لمواعيد العمل الرسمية، ولكن المشوار طويل من المرج حتى الحى السادس فى مدينة نصر. أطلع من بيتى فى الفجر الساعة الرابعة، علشان أبدأ ألحق عربية الدورة اللى بتوصلنى الجراج أوصل فى الخامسة إلا ثلث، وأسوق أول أتوبيس بيطلع من الموقف الرئيسى فى المرج الساعة الخامسة ونصف الصبح. عبدالنبى يعرف ركابه، الموظف الذى ينزل عند الرقابة الإدارية، والدكتور الذى ينزل عند الطاقة الذرية، والعسكرى الذى ينزل عند معسكره، وحتى الخادمات فى البيوت والبائعات.. يعرف محطة كل واحدة منهن. هكذا حاول عبدالنبى أن يشرح كيف استقبل عالم الأتوبيس فئات واسعة لم تكن تركبه من قبل، «رماهم ضيق الأحوال على مره”خاصة أنه ليس كل من يركب الأتوبيس يدفع ثمن التذكرة. «80% فقط من الركاب هم الذين يدفعون التذكرة، والباقى كلهم إما يحملون كارنيهات مجانية، أو كارنيهات المجاملة بدون صورة التى يوفرها كبار المسئولين لمعارفهم والتى تقع غالبا بعد ذلك فى يد شغالات وعمال، فهناك 16 فئة لديها كارنيهات مجانية، وأتحمل أنا والسائقون من جيوبنا ثمن مجاملة كل هؤلاء الذين لا يدفعون، لأننا نحصل على نسبة من التذاكر وهى 4% من قيمة ما نحصله». ومرة أخرى يقطع عبدالنبى حديثه ليرد على تليفونه المحمول الذى تأتى رناته بصوت أم كلثوم «على قد الشوق وليالى الشوق» ليملأ صداها كل أرجاء الأتوبيس وليحمل له التليفون خبر إلغاء خط (المرج الحى السادس)، وأن هذه الدورة التى أوشك أن ينتهى منها عند موقف المرج هى الأخيرة له وللأتوبيس. لم يصدق عبدالنبى نفسه «يعنى الناس اللى أنا وصلتهم الصبح للحى السادس فى مدينة نصر مش حيلاقوا حاجة ترجعهم المرج تانى، حيرجعوا بإيه؟ وكأنه يسأل نفسه. ولم يقتصر الاستنكار على عبدالنبى فقط، ولكن الركاب الذين كانوا يصرخون فيه عند الموقف هم أيضا لا يصدقون. معقول الخط وقف؟ السؤال يرج الأتوبيس. «وحياة كتاب الله مفيش 993 تانى» قالها عبدالنبى وتركهم ليعود إلى بيته منتظرا إبلاغه بالخط الجديد الذى سيعمل عليه.