قال سامح شكري وزير الخارجية، إن "الذكرى السبعين لتوقيع ميثاق الأممالمتحدة تأتي في مرحلة حرجة يمر بها عالمنا مع بزوغ تهديدات وتحديات خطيرة للأمن والسلم الدوليين، وهي التحديات والتهديدات التي تضع الأممالمتحدة في اختبار، إما أن تُثبت استمرار جدارتها كإطار فعال للأمن الجماعي في عالمنا المعاصر، وإما أن تتوارى لصالح كيانات وتجمعات بديلة". جاء ذلك في كلمة وزير الخارجية أمام النقاش المواضيعي رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة المعنون «في عالم من الأخطار: التزام جديد نحو السلام»، والذي عقد اليوم الثلاثاء بنيويورك. واشاد «شكري»، فى البداية، بمبادرة موجينز ليكتوفت رئيس الجمعية العامة لعقد هذا النقاش رفيع المستوى، الذي ينعقد في سياق زمني هام بالتزامن مع مرور سبعين عاما على توقيع ميثاق الأممالمتحدة. وأضاف أن "هناك تغير كمي ناتج عن العددِ الكبيرِ من الصراعات والنزاعات الدولية من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك تغير نوعي في طبيعة الصراعات لتصبح أكثر ضراوة وعنفا، ولتتسبب في نزوح عشرات بل مئات الآلاف من المدنيين، ويَتصاعد أيضا تهديد وعنف الجماعات المسلحة، وهو ما يفرض علينا استنفار الجهود لتعزيز بنية السلم والأمن ِعلى الصعيدين الأممي والإقليمي". وتابع: "ومن هنا، نرى أن مراجعة الأممالمتحدة لعمليات السلام المكونة من بعثات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة، ومراجعة هيكل بناء السلام، إضافة إلى مراجعة التقدم المحرز في تنفيذ أجندة الأممالمتحدة حول المرأة والسلم والأمن، إنما تمثل مجتمعة الإطار الموضوعي لإدارة بنية السلم والأمن الأممية من منظور شاملٍ، يركز على التكامل بين آلياتِ الأممالمتحدة، وأنشطتها المتعددة بما يصب في صالح جهود منع وإدارة وتسوية النزاعات والصراعات الدولية، وإحلال السلام المستدام". وشدد «شكري» على أن "هذه المقاربة الشاملة هي السبيل الأمثل للاستجابة إلى التحديات التي تفرضها الصراعات المسلحة المعاصرة على الأفراد والمجتمعات وبنية الدولة. وتنطوي هذه المقاربة على اعتراف بتكامل وتداخل جهود صنع السلام، وحفظ السلام، وبناء السلام، باعتبارِ أن التكامل فيما بين هذه المفاهيم الثلاثة يعتبر الركيزة الأساسية لتحقيق التسوية السلمية للصراعات الدولية، مشفوعة بجهود طويلة الأجل لتعزيز استدامة السلام. وما عدا ذلك إنما يسهم في تجميد الوضع في تلك النزاعات بدلا من تسويتها وإيجاد حلول مستدامة لها". وأكد في هذا الإطار على أن الأمر يتطلب إحداث تغيير حقيقي في منهج المنظمة وأجهزتها في التعاطي مع النزاعات والأزمات الدولية، بحيث يتمثل هذا التغيير في التحول من ثقافة إدارة النزاعات والأزمات الدولية إلى ثقافة تعتمد على استثمار الموارد السياسية والبشرية والمالية من أجل معالجة جذور النزاعات وحالات عدم الاستقرار، بما في ذلك من خلال تطوير آليات الدبلوماسية الوقائية واعتماد مفهوم شامل لمنع الصراعات المسلحة. ومن ثم، انتهت المراجعات الثلاث إلى أهمية الحلول ِوالمقاربات السياسية ِلتسوية النزاعات، وهو ما يتطلب هياكل وآليات تتيح تواصل وتنوع الدعم الأممي عبر المراحل المختلفة من الصراعات. واستطرد قائلا: "لعل من أبرز نقاط الالتقاء بين المراجعات الثلاث ما جاء بها من تأكيد على أهمية الشراكات مع المنظمات الإقليمية ومع الدول المساهمة بقوات ومكونات شرطية في بعثات الأممالمتحدة لحفظ السلام، بما يُسهم في إيجاد أطر فعالة لتعزيز الملكية الإقليمية لجهود صنع وبناء واستدامة السلام. ومن هنا تكتسب الشراكة مع الاتحاد الأفريقي ومع المنظمات دون الإقليمية في إفريقيا تحديداً أهمية خاصة لتحقيق استجابة أكثر فاعلية من قِبَل الأممالمتحدة للصراعات الدائرة في القارة والأخطار الأمنية التي تتعرض لها، والظواهر المستحدثة التي طفت على السطح من انتشار الإرهاب إلى القرصنة، ومن هجرة غير شرعية إلى التصحر وصراعات على موارد المياه، ما يتطلب استراتيجيات شاملة تعتمد على أدوات متنوعة لدرء تلك الأخطار وعلاج أسبابها الكامنة". وقال إن "مصر تحمل من خلال عضويتِها الحالية في مجلسِ الأمن، وعبر اضطلاعها بمنصب مقرر اللجنة الخاصة لعمليات حفظ السلام بالجمعية العامة للأمم المتحدة، مسؤولية رفع راية الدول ِالمساهمة بقوات في هذا الحوار الهام. ومن هنا، شهدت القاهرة على مدار العام الماضي نشاطا مكثفا استضافت خلاله مشاورات إقليمية إفريقية وعربية حول عمليات المراجعة الثلاث، لتمثل منصة لطرح رؤية منطقتها الإقليمية في هذه العمليات الأممية من جانب، ولتعطي، من جانب آخر، قوة دفع لتطوير وإقامة بنية السلم والأمن في إطار الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية؛ وهو ما يصب أيضا في تعزيز صيانة السلم والأمن الدوليين، باعتبار العلاقة الارتباطية بين الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية؛ وهو ما تحرص مصر على تعزيزه من خلالِ عضويتها أيضا فى مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، ورئاستها لقدرة إقليم شمالِ إفريقيا بالقوة الإفريقية الجاهزة من جانب، وعضويتها بالتزامن في جامعة الدول العربية". وشدد أيضا على أن "الضمانة الأساسية لنجاح جهود صنع وحفظ وبناء السلام يكون في ارتكازها على الأولويات والأهداف الوطنية والمحلية للدولة المعنية، وبما يأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعي والتاريخي والثقافي. ومن ثم، فإن الالتزام بتطبيق مبدأ «الملكية والقيادة الوطنية» هو ركيزة استدامة السلام. ومن ثم، نرى أهمية تركيز الجهود الأممية مستقبلاً على الاستثمار والمساهمة في دعم برامج بناء القدرات والمؤسسات الوطنية. فما أكثر المبادرات والبرامج التى تحاول فرض وجهة نظر لا احتياج فعلي لها. ومن ثم، نرى أن انتشار الوعي داخل منظومة الأممالمتحدة بحتمية الاستثمار في القدرات الوطنية هو الطريق إلى جهود أكثر فاعلية ونجاحاً واستدامة من مجرد التركيز على الأبعاد الأمنية وفرض أولويات ونماذج سياسية واجتماعية لا تمت للواقع بصلة". وقال «شكري»: "أشدد من هنا على حتمية تتويج العام السبعين في عمر الأممالمتحدة برسالة سياسية موحدة مفادها أن استدامة السلام هو الهدف النهائي لعمل ودور المنظمة، وأنه قد حان الوقت لإعادة التفكير والتقييم الموضوعي لقدرة ومؤهلات الهياكل القائمة على تحقيق هذا الهدف. ومن ثم تتطلع مصر إلى التعاون مع الدول الأعضاء في الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الإفريقي خلال الأشهر القادمة لترجمة نتائج المراجعات الثلاث إلى إجراءات وسياسات وهياكل وموارد قادرة على تطوير ثقافة المنظمة لتكون مؤهلة للاضطلاع بمهام استدامة السلام". وأعرب وزير الخارجية، في نهاية كلمته، عن ثقته في أن المداولات الحالية ستكون قوة الدفع الرئيسية في هذا الإتجاه.