بعد أحكام الإدارية العليا، حزب العدل يكشف تجاوزات المال السياسي في انتخابات النواب    جامعة أسيوط تختتم ورشة العمل التدريبية "مكافحة العنف ضد المرأة" وتعلن توصياتها    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في جنوب سيناء    «الاتصالات» تنفذ مشروعات التطوير المؤسسي الرقمى بهيئة الرقابة الصحية    استثمارات فى الطريق مصانع إنجليزية لإنتاج الأسمدة والفواكه المُبردة    الاحتفال باليوبيل الذهبي لاتفاقية حماية البحر المتوسط خلال فاعليات COP24    ترامب: أنهيت 8 حروب وسأسعى لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني    السعودية تتفوق على عمان 2-1 في افتتاح مشوارها بكأس العرب 2025    انطلاق مباراة مانشستر سيتي وفولهام في البريميرليج    منتخب سيدات اليد يخسر أمام الأرجنتين ببطولة العالم    التشكيل - برشلونة بالقوة الضاربة.. وألفاريز يقود هجوم أتلتيكو مدريد    مرموش على مقاعد بدلاء مانشستر سيتي أمام فولهام في البريميرليج    ليفربول في مأزق.. الهلال والقادسية على رأس المهتمين بخدمات محمد صلاح    الزراعة:غلق وتشميع محلاً غير مرخص للدواجن بالجيزة    ظهور صادم ل محمد فراج في أحدث أعماله الدرامية «لعبة جهنم»| صور    كارمن يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي 2026    أحمد فهمي يعتذر لهنا الزاهد: مكنش قصدي أجرحها.. ورامز فاجئني بالسؤال    تعرف على التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    بابا الفاتيكان يطرح أفكاره بشأن المجمع الذي انتخبه ويتناول الروحانية ورحلاته المستقبلية    وزير خارجية ألمانيا: كييف ستضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" من أجل السلام    أستاذ طب نفسى: طفل من بين ثمانية أطفال يتعرض للتحرش فى العالم (فيديو)    251 شاحنة مساعدات تغادر رفح إلى غزة محملة بالغذاء والدواء والبترول والملابس الشتوية    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    الهيئة العربية للتصنيع توقع مذكرة للتفاهم مع الصافي جروب    وزير الحرب الأمريكي: لقد بدأنا للتو في ضرب تجار المخدرات    تعليق ناري من ماجدة خير الله عن أزمة فيلم الست لمنى زكي    مجلس أمناء مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يعقد أولى اجتماعاته برئاسة مشيرة خطاب    العالمى ستيف بركات على المسرح الكبير    بشكل مفاجئ .. ترامب يصدر عفوا رئاسيا عن رئيس هندوراس السابق    وصفات طبيعية للتخفيف من آلام المفاصل في الشتاء    العثور على مسن ميتا في ظروف غامضة داخل منزله بقنا    إحلال وتجديد طريق ترعة الرشيدية بالمحمودية بتكلفة 2.7 مليون جنيه    مدرب العراق: أرغب في تحقيق بداية مثالية في بطولة كأس العرب    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    وزير الري: تنسيق مستمر بين مصر والسنغال في مختلف فعاليات المياه والمناخ    مصر والسعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجالات الأمان النووي والإشعاعي    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    أخطاء في تغذية الأطفال لاعبي الجمباز تؤثر على أدائهم    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    تراجع كمية المياه المستخدمة فى رى المحاصيل الزراعية ل37.1 مليار متر مكعب خلال 2024    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلم 25 عقد عمل جديد لوظائف بدولة الإمارات    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    يلا شووت.. مصر تبدأ رحلة كأس العرب باختبار ناري أمام الكويت على ملعب لوسيل اليوم    أحمد بنداري: التعامل وفق القواعد القانونية يُعزز الثقة في العملية الانتخابية    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشباح الدولة الفاشلة
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 04 - 2016

لا يصح إنكار أن هناك تدهورا فادحا فى الصورة السياسية للأوضاع الحالية فى مصر.
فى التدهور نيل من الثقة العامة فى المستقبل وتآكل فى جذر الشرعية واحتمالات لا يمكن استبعادها بغير تدارك أسبابها.
الكلام عن أن «العالم لا يهمنا» فيه استهتار بالمنزلقات الحرجة وفيه استخفاف بكل مسئولية عامة.
والنزوع إلى تنظيم حملات علاقات عامة على الصعيد الدولى محكوم عليها بالإخفاق مسبقا.
ما لم تكن هناك إصلاحات حقيقية تستجيب لأنين مواطنيها وتؤسس لتوافقات صلبة فإن كل شىء سوف يندفع إلى نهاياته دون قدرة على تجنب أية كوارث محتملة تأخذ من البلد أمله فى مستقبله.
الأساس هنا فى مصر.
الداخل قبل الخارج والسياسات قبل الدعايات.
مواجهة الحقائق أيا كانت قسوتها أفضل ألف مرة من دفن الرءوس فى الرمال.
من حق مصر أن تسائل نفسها قبل أن يسائلها الآخرون.
بصورة متكررة يلجأ المسئولون الغربيون الكبار فى أية اجتماعات مع نظرائهم المصريين إلى شىء من المساءلة فى سجل حقوق الإنسان والحريات العامة.
فى بعض المساءلة التزام بالقواعد الحديثة فى العلاقات الدولية التى لم تعد تستسيغ الانتهاكات المفرطة باسم السيادة الوطنية.
وفى بعضها الآخر ضغط لتطويع السياسات وفق استراتيجياتها، والدول الكبرى تحكمها مصالحها قبل أى اعتبار آخر.
باعتبارات المصالح قد تتقبل أية دولة كبرى أعذارا وحججا ووعودا بإصلاح لا يتم الالتزام بها، أو أن تغض الطرف عن السجل كله إلى حين.
غير أن ضغوط مراكز التفكير والتأثير على صانعى القرار لا يمكن التهوين منها أو التقليل من شأنها.
هذه اعتبارات رأى عام تعنى «الحكومات المنتخبة» وقد تتحكم لاحقا فى تغيير المسارات عند أول منعطف.
أمام ما يشبه الإجماع فى «الميديا» الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية ومراكز الأبحاث الكبرى فإن التفسير التآمرى ينكر الطبيعة العالمية لقيم حقوق الإنسان والحريات العامة ويتجاهل فى الوقت نفسه الانتهاكات التى أساءت إلى سمعة البلد بقسوة.
على خلفية قضية مقتل الباحث الإيطالى الشاب «جوليو ريجينى» تصاعدت حدة الانتقادات إلى حدود غير مسبوقة.
باتساع مجال الانتقاد ارتفعت درجة المطالبات باتخاذ إجراءات عقابية، وهذه مسألة تتعدى نظام الحكم إلى المجتمع كله.
«النيويورك تايمز» طالبت الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» بإعادة النظر جذريا فى العلاقات مع النظام المصرى الحالى.
التلويح بالعقوبات إشارة حمراء أيا كانت نوازع الصحيفة الأمريكية الشهيرة التى دأبت على انتقاد الأوضاع المصرية بعد (30) يونيو.
النزعة ذاتها تتردد فى أروقة الاتحاد الأوروبى لكن عن خفوت نسبى.
وفق دبلوماسى مصرى مخضرم يطل على الحسابات الدولية فإنه من المستبعد أن يلجأ «أوباما» إلى أية إجراءات راديكالية قبل نهاية ولايته الرئاسية غير أن مراكز الأبحاث والتفكير لن تتوانى عن إعداد بدائل ل«نظام الحكم الحالى» تضعها أمام الإدارة الأمريكية المقبلة التى قد تأخذ بها.
كما أن الحكومات الأوروبية قد تتحسب بتفكير مماثل.
ما تملكه مصر أن تبادر وتصحح وتمسك مقاديرها بيديها، تحاور نفسها بجدية وتفتح الملفات الصعبة وتحسم كل تفلت وفق قواعد دولة القانون.
أخطر وضع ممكن أن يجد البلد نفسه فى حالة انكشاف والشبهات تكاد تتحول إلى حقائق.
بدا الأداء فى قضية «ريجينى» كارثيا بصورة لا تصدق فى كل التفاصيل والإجراءات والتصريحات كأنها دليل على التورط.
إذا كان الاحتمال صحيحا، على ما يرجح الإيطاليون، فإن تقديم الجناة إلى العدالة يعيد الثقة فى الأمن المصرى وقدرته على التصحيح الذاتى.
فى كل الأحوال من مصلحة مصر وصورتها فى عالمها وفرص تعافى اقتصادها التعاون بشفافية لكشف «الحقيقة المزعجة»، فإيطاليا غير مستعدة لأية «حقيقة مريحة» بتعبير رئيس وزرائها «ماتيو رينزى».
صدمة «ريجينى» لا تلخص عمق الأزمة المصرية لكنها إحدى تجلياتها.
فى تكرار الحبس بقضايا نشر وآخرهم الكاتبة «فاطمة ناعوت» رغم النص الدستورى القاطع بعدم جوازه يطرح أسئلة لا مفر منها حول طبيعة الدولة.
لا ينصف الدين الحنيف حبس صاحب أى اجتهاد، مهما كان شططه، فالفكر لا يرد عليه بغير فكر.
وفى قوائم المحتجزين خلف أسوار السجون بلا محاكمة أسئلة أخرى تنال من العدالة فى مصر.
وفى قسوة الانتهاكات ما يدفع إلى ارتفاع منسوب الغضب بالصدور إلى مستوى الكراهيات.
بعض القصص مخجلة ومأساوية معا دون حساب يردع ويصحح.
ورغم الاعتراف الرئاسى بأزمة الدولة مع شبابها وتعهدها بقوائم متعاقبة من الإفراجات تتأخر الإجراءات بغير سبب مقنع كأن هناك من يتعمد التعطيل والانتقام من «يناير» وشبابها وأهدافها واسمها نفسه.
فى التنكيل بالمستقبل جنوح إلى الفشل.
بقدر ما تصحح أوضاع حقوق الإنسان فى الداخل تخفت درجة حدة الانتقادات فى الخارج.
كما يرتفع بالوقت نفسه منسوب التماسك الداخلى.
فلا تماسك يتأسس على قهر ولا توافق يبنى على تشهير.
بيقين فإن أى حوار مرتقب بين الرئاسة والمجلس القومى لحقوق الإنسان خطوة على الطريق الصحيح شرط أن تتبعه إجراءات وإفراجات تسد ثغرات الثقة وتفسح المجال لخطوات تالية.
فى تحسين سجل حقوق الإنسان تحصين للبلد من أية تصدعات محتملة.
بين ثغراته الواسعة تمر الضغوطات، بعضها باسم القيم الإنسانية، وهذه مشروعة، وبعضها تحاول ترتيب المسرح الداخلى بموازين قوة جديدة، وهذا تلاعب بالمصائر المصرية.
إذا أردنا تحصينا كاملا للمستقبل كله فلابد من الاستجابة لكل أنين.
هناك نوعان من الأنين، أحدهما اجتماعى والآخر سياسى.
الأول، يعانى ارتفاعا فى الأسعار فوق طاقته على التحمل ويفتقد الحد الأدنى من العدل الاجتماعى وسياسات الحكومة غير مقنعة بقدرتها على تجاوز الأزمة الاقتصادية.
والثانى، يستبعد بلا منطق من أية معادلة سياسية فالمجال العام يغلق أمامه وسجلات السجون متخمة بأسمائه.
الأنين الاجتماعى قد يفضى إلى اضطرابات واسعة، وهذا هو الاحتمال الارجح إذا لم تصحح السياسات المتبعة.
والأنين السياسى يحرم البلد من فكرة التماسك الضرورى ويغيب فرص التوافقات الوطنية لمواجهة أية تحديات وجودية.
إذا ما اتسعت الاضطرابات وضاقت الطاقة عن أى احتواء سياسى وتنامت الضغوطات الخارجية فمن غير المستبعد السيناريو الأكثر كارثية: «التحول إلى دولة فاشلة» يعجز اقتصادها عن تلبية أدنى مهامه ويفلت أمنها عن أية سيطرة وتعمها الاضطرابات دون قدرة على ضبطها.
مصر يقول عنها أهلها «إنها محروسة» لكن من الحكمة التحسب لكل سيناريو واتخاذ ما هو ضرورى لتجنب أية أشباح لدولة فاشلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.