البورصة، والنشاط الرياضي، والأمن، ثلاثة مجالات تعكس الاستقرار، وتجذب الاستثمار، وتحفز الاقتصاد. وعندما نهتم بعودة كرة القدم، فإن ذلك يعد اهتماما بانتصار الحياة الطبيعية على الفوضى والبلطجة. والنشاط الرياضي لا يعني ولن يعني تراجع الاهتمام الشعبي بالسياسة. كل الشعوب التي تعيش حياتها في صحة اجتماعية وإنسانية، تهتم بالسياسة، والرياضة والفن والاقتصاد والأدب والثقافة. وتلك الشعوب يحكم تصنيفها وطبقاتها ووظائفها الكفاءات والمواهب، ومدى إبداع الفرد.. ونجوم تلك المجتمعات يتنوعون، فهم سياسيون ورياضيون وفنانون وأدباء وأطباء ومهندسون.. وأكرر ما أكدته من قبل، وهو أنه في الثلاثين عاما الماضية تجلت ظاهرة كرة القدم، وظلت الاهتمام الأول والأخير، وعاش الناس مرحلة من أسوأ المراحل، وهي تلك التي اختصر فيها الوطن في فريق، واختصرت فيها المشاعر الوطنية والأناشيد في الفوز ببطولات ومباريات، فكان يكفي هدف واحد في مباراة كي يخرج الآلاف إلى الشوارع والميادين فرحا واحتفالا، ثم تغني شيرين "ماشربتش من نيلها".. هل سمعتم يوما سيلين ديون تغنى "ماشربتش من المسيسبي" حين تأهلت أمريكا لكأس العالم؟! كانت مصر طوال حكم النظام السابق عبارة عن ملعب كبير.. يلهو فيه الشعب، ويلهى بألعاب.. وكان قادة هذا النظام وحاشيته وأتباعه يقفون ويتابعون المشهد في لذة مشاهدة أثرياء روما لمصارعة المجالدين التي يفوز فيها من يبقى على قيد الحياة، فيما يموت المهزوم، وهؤلاء هم أنفسهم الذين اختلقوا قضايا تافهة أثارت الرأي العام، مثل معارك وخناقات شخصية، واحتقانات طائفية غير حقيقية، ومعارك كروية على سبيل التسلية، وحراك سياسي غوغائي، ارتفعت فيه قيمة الكذب والتمثيل والادعاء على قيم العدل والمساواة والحرية والصدق والحق. تلك مقدمة، للتعليق على فكرة عودة الدوري بدون هبوط، وأتناولها قبل صدور القرار، ليكون رأيي لا علاقة له بما قرره اتحاد الكرة سواء بإلغاء الهبوط أو بإقراره. فالإلغاء يعد انتهازية رياضية، وتبريره بأنه نتيجة توقف الدوري، يعني إلغاء امتحانات هذا العام في المدارس والجامعات بسبب توقف الدراسة لأسابيع.. ثم إن جوهر مسابقة الدوري يقوم على المنافسة في القمة، سعيا للفوز باللقب. والصراع في القاع هربا من الهبوط. وحين يكون الدوري بلا هبوط، فإن جزءا منه يموت. كل مواطن يحلم ببدء عصر الكفاءات والمواهب، وتميزهم، بعد سنوات من زمن المنافقين، وتدليل التنابلة والمتخلفين، والسعي المحموم من الفاشلين لعرقلة الناجحين، ولعلكم تذكرون منح مكافآت للاعبين يهزمون، تحت دعوى مكافأة إجادة.. والذين يطالبون بإلغاء الهبوط هم المرشحون له. وهو يساوي شغب جمهور في مباراة، لأن فريقه خسرها.. وذلك يعد فسادا رياضيا، وانهيارا لقيم المنافسة وأخلاقها.. إلغاء الهبوط يجعل الدوري مجرد دورة. *