جامعة القاهرة – كلية الأداب – باحثة دكتوراه قامت جامعة القاهرة منذ نشأتها في عام 1908 بريادة التفكير التقدمي والعلمي ، وحملت شعلة التحرر الوطني ، لا في مصر وحدها ، بل في الوطن العربي كله عن طريق استقبالها سنويا للطلاب الوافدين من كافة أرجاء العالم العربي ، ولعل ذلك يرجع إلي أن قيام الجامعة كان التجسيد العملي لأمال قادة العمل الوطني والفكر الاجتماعي من أمثال مصطفي كامل والشيخ محمد عبده وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد في بناء النهضة القومية الحديثة . تعد مرحلة التعليم الجامعي من أكثر مراحل التعليم فاعلية في المجتمع ، حيث يتشارك و يتفاعل الطلاب في تلك المرحلة مع أوضاع و مشاكل المجتمع الذي يعيشون فيه نظرًا لبلوغهم سن الإدراك و الوعي ، و يرجع تاريخ المشاركة الطلابية في الحياة العامة إلي ما قبل تأسيس الجامعة المصرية عام 1908 م و حتى قبل نشأة نظام التعليم الحديث في عهد محمد علي و التي تجسدت في الاحتجاجات التي كان يقوم بها طلاب الأزهر حيث كان المؤسسة التعليمية في ذلك العصر و كان بداية هذه الاحتجاجات كما يذكر الجبرتي في الاعتراض علي بعض القرارات الاقتصادية الجائرة لبعض الولاة أو الانتهاكات التي كان يقوم بها بعض عسكر المماليك للأحياء و البيوت و كان يقود هذه الاحتجاجات أحيانًا بعض مشايخ الأزهر الثوريين و في بعض الأوقات كانت هذه المظاهرات و الاحتجاجات تصعد إلي القلعة مقر الحكم في محاولة لتوصيل صوت الشعب إلي الوالي و حاشيته و أثناء الحملة الفرنسية علي مصر شهدت القاهرة العديد من مظاهر إضراب طلاب الأزهر و الخروج في وجه العسكر الفرنسيين و لا يمكن إغفال دورهم أثناء ثورتي القاهرة الأولي و الثانية و مع مجيء محمد علي إلي السلطة عام 1805 م امتدت الحركة الطلابية لتشمل طلاب المدارس العليا بالإضافة إلي الأزهر. و قد شهد المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين مشاركة فعالة للحركة الطلابية بصفة عامة و طلاب الجامعة المصرية – جامعة القاهرة حاليًا- بصفة خاصة في كافة شئون الحياة العامة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية و ذلك علي الرغم من التدهور الذي شهدته أحوال البلاد عقب الاحتلال البريطاني عام 1882 م و كان من مظاهر هذا التدهور ما حدث للعملية التعليمية بجميع مراحلها فعلي سبيل المثال نجد إنه قد انخفضت ميزانية التعليم من78 ألف جنيه في عهد الخديوي إسماعيل – في ظل مشاكل الديون – إلي 70 ألف جنيه عام 1888 م فقد كان من أهم أهداف العملية التعليمية في عهد الاحتلال البريطاني كما أعلن اللورد كرومر " إعداد طبقة متعلمة تعليمًا راقيًا تفي بمطالب الخدمة في الحكومة لكي يتقلدوا وظائفها " ، و لكن علي الرغم من ذلك كانت هناك مدارس عليا استطاعت أن تساهم في تشكيل الوعي الوطني لدي الطلاب بمشاكل الوطن علي الرغم من الأحوال المتدهورة للعملية التعليمية مثل مدرسة الحقوق و المهندسخانة بعيدًا عن المدارس الأجنبية التي كانت تهدف إلي إعداد الطلاب غير منسجمين مع البيئة المصرية ،إلا أن هذا لم يمنع وجود الشعور الوطني لدي غالبية الطلاب في مختلف المراحل التعليمية و إدراكهم لمشاكل وطنهم و رغبتهم في المشاركة في إصلاحها و أن علي رأس هذه المشاكل الاحتلال البريطاني لمصر منذ عام 1882 ومنذ تأسيس الجامعة عام 1908 كانت الجامعة محور التحرك الطلابي للمشاركة في الحياة العامة سواء في المشاركة في دعم الاقتصاد أو مكافحة مشكلة صحية أو تحرك وطني ضد الاحتلال البريطاني فضلاً الأنشطة الثقافية التي كان لها الفضل إعداد أهم المفكرين و الأدباء و رجال الثقافة و السياسة بصفة العامة في المجتمع ، ويتناول هذا المقال محطات للمشاركات الطلابية في المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين . وتعد المشاركة الطلابية أثناء ثورة 1919 من أهم محطات العمل الوطني ، فلم يقف دور الطلاب عند المشاركة في المظاهرات وتوزيع المنشورات الحماسية ، فالمظاهرات الطلابية بدأت فور انتشار خبر اعتقال سعد زغلول وزملائة ونفيهم خارج مصر وامتد إلي إنه عندما كانت الساحة الصحفية تخلو أو تكاد من الصحف الوطنية نتيجة لتعسف و بطش سلطات الاحتلال مما دفع الثوار إلي وسيلة صحفية جديدة لنشر آرائهم و هي إصدار صحف مقاومة تتخذ شكل النشرات و الكتيبات و كلما كانت تنتبه السلطات إلي إحدى هذه الصحف و تصادرها سرعان ما كان يصدر غيرها و أشهر تلك الصحف (الطلبة – الرعد- البلابل) . وامتدت المظاهرات الطلابية لتشمل مشاركة الطالبات مع الطلاب وسيدات مصر بصفة عامة ففي يوم 16 مارس عام1919 ، فتقدم وفد من سيدات مصر إلي حاكم القاهرة يطلبن الأذن بقيام مظاهرة نسائية ، ولم ينجح سعي حاكم القاهرة في إقناعهن بالعدول ، فصدرت التعليمات بمنع المظاهرة بالقوة نظرًا لأن ذلك سيعطي الفرصة للطلبة للتظاهر بأعداد كبيرة بالمشاركة من النساء والطالبات ، وبالفعل قامت المظاهرة الحاشدة واتجهت نحو بيت الأمة وحاصرها الجنود الإنجليز وتم التعامل معها بالقسوة . و كان من بين الدعوات التي قام بها الطلاب لدعم الاقتصاد المصري اثناء الكساد الذي ضربه مابين الحربين العالميتين مبادرة "بيت الطلبة للمنتجات المصرية" الذي كان قائم علي تبرعات الطلاب من أجل توفير المكان اللازم لقيام التجار المصرين منتجاتهم المصرية و قام الطلاب بدعوة التجار و المنتجين الوطنين و أصحاب المصانع المصرية لاستئجار أماكن لهم ببيت الطلبة لعرض منتجاتهم المصرية لتباع لحسابهم ، و قام أيضًا طلاب كلية الحقوق بتشكيل لجنة للترويج للمنتجات المصرية و الدعوة لها بين طبقات الأمة . أما علي المستوي الثقافي تشكلت داخل الجامعة جماعات علمية و ثقافية كان لها دور هام في إعداد كوادر علمية و ثقافية هامة ومنها علي سبيل المثال اتحاد الجمعيات العلمية الذي شكله طلبة كلية العلوم عام 1927 و أيضاً نجد جمعية الخطابة و المناظرة التي شكلها طلبة كلية الآداب عام 1928 وترجع أهميتها إلي أنها كانت تقيم محاضرات باللغة العربية و الإنجليزية و الفرنسية و المناظرات بين مختلف طلبة كليات الجامعة و اشترك بالجمعية عدداً من الأساتذة بالجامعة بها مما كان يسهم في إثراء أنشطتها و من أهم أعلام هذه الجمعية الدكتور زكي نجيب محمود ولويس عوض. وامتدت مشاركة طلاب الجامعة المصرية في الحياة العامة في مصر في تلك الفترة إلي طالبات الجامعة ، ونذكر من ذلك انه في عام1931 عقب خروج طه حسين من الجامعة عقب أزمة مع الإدارة ، قامت ثائرة الطلاب والطالبات معًا احتجاجًا علي خروجه حتي ثار الرأي العام لحدوث الاشتباكات بين الطلاب والطالبات من ناحية وقوات الأمن من ناحية أخري ، فقامت كلية الحقوق بالاستعانة بالطالبة نعيمة الأيوبي احدي الطالبات المتفوقات لإقناع الطلاب والطالبات بالتوقف عن الإضراب الذي استمر ثلاثة اسابيع ونجحت في ذلك بالفعل ، وفي عام 1945 تم تشكيل "رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية" بمبادرة من الطالبات – في ذلك الوقت- (انجي افلاطون ولطيفة الزيات وفاطمة زكي) وغيرهن وكان من أهم أهدافها الدعوة الي نشر تعليم المرأة بين كافة طبقات المجتمع والدعوة إلي حرية مصر والتخلص من الاحتلال البريطاني ، وشاركت الرابطة في نوفمبر عام 1945 في أول مؤتمر نسائي عالمي بعد الحرب العالمية الثانية وكانت كلمة انجي افلاطون مندوبة مصر تدور حول اثر السياسية الاستعمارية في إعاقة التقدم في مصر . فمما سبق يتضح أن المشاركة الطلابية كان لها دور بارز وفعال في المجتمع المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين واستمر فيما بعد ، فكان هذا الدور ولا يزال من أهم ركائز النشاط الاجتماعي في المجتمع المصري .