باحثة دكتوراه – جامعة القاهرة ارتبط تأسيس الإدارة الصحية في القرن التاسع عشر بنشأة و تأسيس المدرسة الطبية و تطورها حيث إنها كانت نواة النظام الصحي المصري الحديث ، فلم يكن بمصر قبل مجيء الحملة الفرنسية سوى مستشفي عسكري لمعالجة المصابين من الجيش المصري بمنطقة أبي زعبل ، وقد وضع علماء الحملة مشروعًا لإنشاء مستشٌفى يسع 400 سرير ،و لكن نظرًا لانتشار الطاعون بين جنود الحملة تم إرجاء المشروع، ولما كانت الصحة في مصر في تلك الفترة في غاية السوء بصفة عامة و الحالة الصحية للجنود بصفة خاصة . فعلى سبيل المثال كانت الأمراض الوبائية المختلفة منتشرة فلذلك كان من الضروري أن يبدأ محمد علي في إنشاء مشروع لتحسين الصحة العامة، وكانت بداية ذلك عندما تم إنشاء مجلس للصحة بالإسكندرية عام 1825 م و كان صاحب الفضل في إنشاء النظام الصحي الحديث في مصر هو الدكتور الفرنسي انطوان برتيلي كلوت الشهير ( بكلوت بك ) الذي رأى أن السبيل لإنشاء نظام صحي حديث للحد من انتشار الأوبئة و الأمراض قي الجيش بصفة خاصة و تحسين الصحة العامة في مصر ضرورة وجود مستشفي مركزي يلحق به مدرسة للطب و عرض الأمر علي محمد علي الذي رحب بالفكرة و أمر بافتتاح المدرسة بالفعل في 1827م في أبي زعبل بالقرب من معسكرات الجيش هناك و تم تزويد المدرسة بمدرسة لتعليم اللغة الفرنسية لتمكين الطلبة من التعرف علي أحدث الأبحاث العلمية، بالإضافة إلى الاستعانة بالعرب و أهل الشام ممن لديهم الخبرة في اللغة الفرنسية و العربية معًا ليعملوا كمترجمين في المدرسة و تطورت المدرسة وبعد مضي عشر سنوات من تأسيسها بلغ عدد الطلاب بها إلي 420 طالبًا الأمر الذي دفع القائمين عليها إلي التفكير في نقلها إلي مكان آخر وتم الاستقرار علي قصر "ابن العيني" أحد الأمراء المماليك وتطورت استخداماته من مقر للحاكم ثم استراحة حتى تم تحويله إلي مستشفي عسكري في أيام الحملة الفرنسية ، ووصل عدد الخرجين منها عام 1848 م إلي 800 طبيب ، و كان من ضمن التوسعات التي حدثت في المجال الطبي إنشاء مدرسة للصيدلة عام 1830 م بأبي زعبل و كان ذلك من ضمن الخطة التي وضعها كلوت بك لتطوير الطب في مصر و في عهد الخديوي إسماعيل استعادت مدرسة الطب مجدها السابق بعد فترة من التراجع في عهد خلفاء محمد علي حيث وفرت كافة الاحتياجات للمدرسة من الاستعدادات العلمية و التنظيمية و توسيعها فارتفع عدد الطلبة من 26 إلي 150 طالبًا خلال خمس سنوات و بالإضافة إلي ذلك تم تعيين المصريين في إدارة المدرسة فقد تولي الدكتور البقلي باشا رياستها في الفترة من ( 1863-1879م ). ومن أبرز أعلام المدرسة الطبية المصرية : البقلي باشا ولد الطبيب محمد البقلي في مركز منوف عام 1815م ، و تلقي تعليمه بالطريقة التقليدية فتعلم بالكتاب ثم التحق بمدرسة الطب عندما كان كلوت بك ناظر المدرسة و بعد إتمامه الدراسة كان من ضمن الطلبة الذين اختارهم كلوت بك للسفر في بعثة إلي فرنسا للحصول علي درجة الدكتوراه ، وبالفعل قام بإعدادها وكان موضوعها (الرمد الصديدي المصري ) وعاد إلي مصر في 1838م ، وعين مدرساً للجراحة و التشريح في مدرسة الطب و كبيراً للجراحين في مستشفي قصر العيني . وصل إلي قمة نجاحه في عهد الخديوي إسماعيل حيث أصبح أول ناظر مصري لمدرسة الطب وبدأ في تحقيق مشروعه وهو تعريب دراسة الطب حتى يوسع مجال دراستها من جهة وقد نجح في إقناع الخديوي إسماعيل بوجهة نظره فأمر الخديوي إسماعيل مطبعة بولاق بطباعة كل الكتب التي يرسلها الدكتور البقلي لطباعتها . ومن ضمن مشاريعه العلمية العظيمة كذلك إصدار أول مجلة طبية شهرية باللغة العربية وهي مجلة (اليعسوب ) عام 1865 وكان ينشر بها ملخصات لأحدث الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية الأجنبية. محمد شاهين باشا ولد الدكتور محمد شاهين في 14 نوفمبر 1872م بالقاهرة وأنهي دراسته العليا بمدرسة الطب بتفوق و في فبراير عام 1917م تم اختياره ضمن الأطباء المعالجين للسلطان حسين كامل ولما توفي الطبيب الأول للسلطان حل مكانه و في أغسطس 1923م صدر مرسوم ملكي بتعينه وكيلاً لوزارة الداخلية للشئون الصحية فأنشأ أقساماً جديدة لرعاية الطفل ومكافحة مرض السل و معهد الأبحاث الطبية ومعهد فؤاد الصحي وقسم نشر الدعوة الصحية و المعامل المتنقلة و أكثر من بناء المستشفيات في القاهرة والأقاليم ومنها مستشفي الكلب ومصحة حلوان كما أنشأ المستشفيات المتخصصة في علاج ومكافحة الأمراض الناتجة عن الديدان الطفيلية كالبلهارسيا وكان عضواً فعال في عدد من الجمعيات العلمية حيث تم انتخابه رئيساً لكلاً من الاتحاد الملكي للجمعيات الطبية وجمعية الهلال الأحمر وعندما حولت مصلحة الصحة إلي وزارة كان محمد شاهين باشا أول وزير لها في أبريل عام 1936 . عبد الواحد الوكيل باشا ولد الدكتور عبد الواحد الوكيل في 25 مايو 1895م بإحدى قري محافظة البحيرة ودخل مدرسة الطب عام 1912م و تخرج منها عام 1918م و عمل بعد تخرجه في عدة مستشفيات بالإسكندرية ثم في قصر العيني حتى تقلد رئاسة مختلف أقسام بلدية الإسكندرية بصفة دورية ونظراً لتفوقه في عمله تم ترشيحه لبعثه علميه بجامعة كامبردج في إنجلترا فحصل علي دبلوم الصحة العامة ثم حصل علي دبلوم طب المناطق الحارة وقانون الصحة و عندما قامت كلية الطب بإنشاء قسم خاص لعلم الصحة والطب الوقائي تم اختياره للتدريس في القسم فقام بتطويره وتحديثه عن طريق إنشاء متحف للصحة فيه ، ونظراً لنجاحاته المستمرة تم اختياره في عام 1936م كأول مفتش مصري لصحة مدينة القاهرة فقام بالعديد من الإصلاحات منها العمل علي مراقبة الأغذية و محاولة إدخال المياه الصالحة للشرب لأكبر عدد من المنازل و في عام 1942م تم اختياره وزيراً للصحة. وأثناء توليه الوزارة كان يقوم بنشر النصائح الصحية كمساهمة منه في رفع الوعي الصحي تحت عنوان " صحيات " في صحيفة المصري عام 1943 و بالإضافة إلي ذلك كان الدكتور عبد الواحد الوكيل بك عضواً في عدد من الجمعيات الأهلية الخيرية المهتمة بتقديم الخدمات الطبية للفقراء مثل الجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية العروة الو ثقي وجمعية المواساة . وظلت المدرسة الطبية المصرية تقدم الخدمات الجليلة في مجال الطب ،بالإضافة إلي تقديم الخدمات الوطنية بداية من مساعدة الفدائيين المصريين ضد الاحتلال البريطاني وأثناء العدوان الثلاثي تشهد مستشفيات السويس وبورسعيد علي دورهم الرائع في إخفاء الأسلحة والمساعدة في حماية قوات الجيش ولم ينقطع بالتأكيد في حرب أكتوبر 1937 .