يبدو أن فن الكاريكاتير قد ابتدعه الإنسان ؛ للقدرة على مخاطبة الشعوب التي ليس لديها جَلَدْ على القراءة والمتابعة للأحداث المحيطة بهم سياسيًا واجتماعيًا؛ فكلمة كاريكاتير Caricature تعني " يُبالغ، أو يحمَّل مالا يطيق " (Overload )، فهو فن قديم، كان معروفًا عند المصريين القدماء، والآشوريين، واليونانيين. فأقدم صور ومشاهد كاريكاتورية، حفظها التاريخ، تلك التي حرص المصري القديم علي نحتها فوق قطع من الفخار والأحجار الصلبة، وتشمل رسومًا لحيوانات مختلفة، أُبرزت بشكل ساخر؛ اضطلع برسمها العاملون في تشييد مقابر وادي الملوك بدير المدينة، في عصور الرعامسة. ولا تُعرف الغاية التي توخاها الفنان المصري من هذه الرسومات؛ فلعلها كانت إشارة غير صريحة، إلى العلاقة غير المتوازنة، بين الحاكم والمحكوم، التي كانت سائدة في تلك الفترة، جسّدها النحاتون في أسلوب ساخر، خفي المعنى. وجديرٌ بالذكر، أن فن الكاريكاتير، كان شائعاً عند اليونانيين، الذين ذكروا أن مصورًا يونانيًا صوّر بعض المشهورين من أهل زمانه، في شكل يدعو إلى السخرية، الأمر الذي أدى إلى عقابه غيرمرة، من دون أن يرتدع. وذكر بلنيوس المؤرخ، أن بوبالوس وأتنيس، وهما من أشهر مثّالي اليونان، صنعا تمثالاً للشاعر الدميم ايبوناكس، وكان التمثال أشد دمامة، إلى درجة أنه كان يثير ضحك كل من كان ينظر إليه؛ فاغتاظ الشاعر منهما، وهجاهما بقصيدة لاذعة، لم يحتملاها، فانتحرا !! ويُعد الكاريكاتير السياسي أبلغ وأبسط وأقوى وسائل التعبير والنقد التي تقدَم إلى القارئ أيا كان مستواه الثقافي أو السياسي ، وفي الوقت الذي ينظر فيه بعض الناس إلى الكاريكاتير على أنه وسيلة للسخرية والإضحاك؛ فإن كثيرين أصبحوا يعدونه وسيلة للنقد اللاذع والسخرية من الحكام والحكومات والأنظمة والأوضاع بشكل عام ؛ سواء كانت محلية أو عالمية ، ويعد بمثابة رسالة من الفنان إلى المشاهد في سياق مشترك قائم على بنية الواقع الذي يعيشانه معًا، ومن هذا المنطلق فإن الفكرة الكاريكاتيرية تنقسم إلى عدة أنواع فمنها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وبرغم أن الكاريكاتير يستخدم الخطوط البسيطة في نقل المعنى والمضمون، إلا أن له الدورالأبرز في الدفاع عن قضايا مهمة منها حقوق الإنسان ، وإظهار عيوب المجتمع في صورة ساخرة ممتعة تدعونا إلى إحداث التغيير في ثوابت راسخة متجذرة في الواقع الذي يجنح دائمًا إلى التجديد والتغيير إلى الأفضل والأجمل . وفن الكاريكاتير أحد الفنون الصحفية التي تلقى رواجًا ومتابعة جماهيرية من القراء. وقد ظهر «الكاريكاتير» في الصحافة المصرية مع بدايات القرن العشرين؛ خاصة في مقاومة الاحتلال الإنجليزي لمصر، ونبغ فيه عدد كبير من الأسماء أمثال زهدي وصاروخان وطوغان وبهجت وعثمان وصولاً إلى تاد وعز العرب وحجازي ورؤوف عياد وعمرو سليم . بالإضافة إلي مجموعة من الفنانين العرب الذين كان أبرزهم الراحل /ناجي العلي الذي عبر في رسومه عن القضية الفلسطينية ؛ ومازالت تيمته الرئيسة الطفل «حنظلة» أحد تيمات هذا الفن . فهو يتميز بأنه «فن مقاومة» من الدرجة الأولي. وفي الأمس القريب .. لعب الكاريكاتير دورًا أسياسيًا وفاعلاً فى الحراك السياسي على الساحة المصرية ؛ لتعبئة الجماهير وشحذ الهمم للخروج للمطالبة بالتغيير؛ وبرز العديد من الفنانين في هذا المجال وتقدموا الصفوف في شجاعة نادرة ؛ وسلاحهم ريشة الكاريكاتير الساخر، وكان على رأسهم الفنان جورج بهجوري الذي تميزت رسومه بروح مصرية خالصة، والفنان صاحب اللمسة المائزة /مصطفى حسين الذي أبدع مجموعة من الرسوم المعبرة عن محاولات بعض القوى الخارجية للقفزعلى منجزات الشعب المصري في ثورته المطالبة بالتغيير، والتي كان لها أكبر الأثر في زيادة توزيع جريدة الأخبار بأعلى معدلاتها خلال الثورة ؛ بما يدل على مدى إيمان الشعب بقوة تأثير فن الكاريكاتيرعلى التوجهات السياسية الوطنية الجادة . ولم يقتصر الأمرعلى ريادة الفنان/مصطفى حسين ، بل ظهر من تلاميذه الفنانين الذين جعلوا من "الريشة" سلاحًا للتعبير والمقاومة؛ وفي طليعتهم الفنان/عمرو فهمي ؛الذي اختطف الأضواء بجدارة بكتبه ورسوماته وريشته المتفردة وتطلعه الدائم إلى التجديد في إبداعات فن الكاريكاتير؛ بجانب براعته في فن " البورتريه"، حيث نال عن هذا الفن "أوسكار" من "جماعة بصمات الفنانين التشكيليين العرب" في دورته التي أقيمت بأتيليه القاهرة ؛ بالإضافة إلى العديد من التكريمات . فالكاريكاتير فن ناقد يفضح المستور ويلخص قضايا المجتمع، ويقدم رسالة توعوية لمحاولة تقديم الحلول وصناعة واقع أفضل ، فهل يُعد نوعًا من أنواع التعبيرعن غضب الشارع ، أم عن غضب الرسام وريشته الشخصية ؟ وهنا يبرز دور الرسام وثقافته واطلاعه على قضايا المجتمع ووجهة نظره؛ ولكنه لابد أن يجنح قدر الإمكان إلى رأي الغالبية من المجتمع وتوجهاته السياسية والاجتماعية ويكون دوما لسان حال المواطن البسيط . لذا يكون النجاح حليفا لمن يواكب بريشته كل الأحداث الموَّارة على الساحة السياسية والاجتماعية المصرية .. التى تتطلع دائمًا إلى الحرية ومقاومة كل التيارات التي تحيد عن الاتجاهات الوطنية الشريفة . أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون